ترجمات عبرية

هآرتس: من يصدّق أن الجيش الإسرائيلي لم يقتل شيرين أبو عاقلة بشكل متعمد؟

هآرتس 2022-06-30، بقلم: شلومو ليكر

نشرت وسائل الإعلام، الشهر الماضي، قرار النائبة العامة، الجنرال يفعات تومر يروشالمي، الذي يقول: «لن يفتح الجيش الإسرائيلي تحقيق شرطة عسكرية حول موت الصحافية الفلسطينية في جنين». المبرر الرئيسي هو أنه «لا يوجد اشتباه بارتكاب أمور جنائية». وكتبت «هآرتس» سبباً آخر هو أنهم في الجيش الإسرائيلي يقدرون بأن التحقيق مع جنود تحت التحذير سيثير خلافا كبيرا في الجيش وفي المجتمع الإسرائيلي.

من أين ينبع القول إنه لا يوجد اشتباه بارتكاب عمل جنائي؟ الجهة التي يجب عليها التحقيق في اشتباه ارتكاب عمل جنائي لجندي أو ضابط هي الشرطة العسكرية. ينص القانون والحكم على أنه لا يوجد اشتباه بارتكاب أعمال جنائية إذا كان العمل أو الفشل الذي أدى الى الضرر – بالنسبة لنا، موت الصحافية شيرين أبو عاقلة – مرتبطاً بشكل ما بـ»نشاط حربي». مع مرور الوقت توسع تعريف النشاط الحربي لأسباب سياسية وشعبوية، والآن هو يسري تقريبا على أي نشاط لقوات الأمن في «المناطق»، وضمن ذلك الإهمال وخرق أوامر فتح النار.
مع ذلك، حتى الآن لم يسن في قانون أو بحكم أن إطلاق النار المتعمد من اجل قتل إنسان بريء لا يعتبر مخالفة جنائية. بناء على ذلك، يفهم من بيان النائبة العامة، ومن تصريح رئيس الأركان، أفيف كوخافي، بعد ذلك، أن إطلاق النار الذي أدى الى قتل أبو عاقلة، حتى لو كان مصدره قوات الأمن (الحقيقة التي لم يتم نفيها حتى الآن)، حدث أثناء «نشاط حربي» وليس بقصد التسبب بموتها. وإذا كان الأمر هكذا فإنه لم يتم ارتكاب أي مخالفة جنائية.

بشكل مخالف تماما للقرار بشأن الصحافية المقدرة والمشهورة، والتي تحمل الجنسية الأميركية، فإن إطلاق النار الذي أدى الى موت أحمد مناصرة، الطالب الفلسطيني ابن الـ 22 سنة، والى اصابة علاء جيادة إصابة بالغة وهو عامل البلاط وأب لعائلة ابن 39 سنة، فإن إطلاق النار يتم الآن التحقيق فيه في الشرطة. وخلافا للعادة، عندما ضربت قوات الأمن «غير المتورطين» فقد تم استجواب الجندي بشكل كامل وفي نهاية التحقيق معه ارسل القائد في حينه، اللواء شارون افيك، لائحة اتهام شديدة نسبيا الى محامي الجندي الذي أطلق النار (الجندي «ط.أ»، الذي اسمه ما زال سريا بناء على أمر من المحكمة العسكرية)، واتهمه فيها بقتل مناصرة والتسبب بإصابة جيادة اصابة بالغة في ظروف مشددة. هذا كما يبدو مع الأخذ في الحسبان الظروف الصعبة بشكل خاص للحادثة التي كانت كالتالي:

في ليلة باردة في ساعة متأخرة في الليل في 20/3/2019، أوقف علاء جيادة سيارته على مفترق طرق النشاش – المخرج الجنوبي لبيت لحم وفيه تمر أيضا سيارات من مستوطنة «افرات». بجانبه كانت تجلس زوجته ميساء وفي الخلف جلست البنتان في أعمار الثامنة والخامسة. نزل علاء من السيارة كي يطلب معلومات من سائق فلسطيني صدم سيارته على مفترق آخر. سارع السائق الى الهرب من هناك. بعد بضع ثوان عاد علاء الى سيارته، لكن في الوقت الذي فتح فيه الباب تم إطلاق ست رصاصات عليه من موقع محصن للجيش الإسرائيلي، يشرف على المفترق. أصابت الرصاصة الأولى بطنه، وأصابت الرصاصات الأخرى أبواب السيارة ومقدمة السيارة. لم يسمع أي نداء أو إطلاق تحذير من الموقع العسكري الذي يبعد نحو 20 مترا عن السيارة، التي توقفت على الإشارة الضوئية على المفترق المضاء جيدا بمصابيح الشارع.

نزلت ميساء من السيارة وطلبت المساعدة. بعد دقيقة وصل الى المفترق جيب من نوع كيا سبورتاج وفيه اربعة شباب من سكان وادي فوكين، كانوا في طريق عودتهم الى البيت من حفل زفاف في بيت لحم. عندما لاحظوا ميساء وعلاء المصاب هبوا للمساعدة. ثلاثة منهم قاموا بإمساك علاء وجروه الى الجيب ونقلوه الى المستشفى القريب في بيت لحم. ركب أحمد مناصرة سيارة علاء، وحاول تشغيلها كي يخرج ميساء والبنات من منطقة النيران. لم تعمل السيارة وتم إطلاق المزيد من الرصاص من الموقع العسكري. نزل احمد من السيارة وهرب من المفترق وركض نحو الخضر – بيت لحم. الرقيب «ط.أ»، مدرب رماية، استمر في إطلاق النار عليه وأصابه بذراعه. نجح أحمد في الاختباء وراء مكعب إسمنتي على جانب الشارع، على بعد نحو 60 مترا عن الموقع العسكري. ولكن عندما برز من المخبأ وجه نحوه «ط.أ» إطلاقا دقيقا: هذا الإطلاق أصاب صدره في الجهة اليسرى وهشم قلبه. توفي أحمد على الوفر. اعترف الرقيب «ط.أ» في التحقيق معه بأنه وجه إطلاق النار الى وسط جسم أحمد من اجل قتله.

في تحقيق الشرطة العسكرية تم أخذ 36 شهادة، وتم فحص فيلم كاميرا حماية، وتمت إعادة تمثيل وفحص نتائج التشخيص. في أعقاب النتائج تم إعداد لائحة اتهام بتوقيع النائب العام اتهم فيها «ط.أ» بعدة مخالفات، منها التسبب بأضرار شديدة في ظروف مشددة بسبب إطلاق النار على علاء، والقتل باستخفاف وتدمير أدلة. يشار الى أن لائحة الاتهام التي قدمت ضد ط.أ في نهاية المطاف وصفت إطلاق النار على أحمد بقتل متعمد (إطلاق موجه لقتل شخص هارب ولم يشكل أي خطر على حياة أحد). ورغم كل الدلائل في تحقيقات الشرطة العسكرية، من ضمنها توثيق الحادثة بكاميرا الحماية، إلا أن الرقيب ط.أ قال، إنه اطلق النار لأنه شاهد علاء وهو يرشق الحجارة على سيارات إسرائيلية من «أفرات» كانت تمر على الشارع، حتى أنه وصف اصابة إحدى السيارات، خلافا لجميع شهادات الجنود الآخرين الذين شهدوا بأنه لم تمر من هناك أي سيارة ولم يكن أي رشق للحجارة. من تحليل فيلم كاميرا الحماية، الذي أجراه المتخصص بالجريمة، الدكتور اريئيل لفني، تبين بوضوح أنه لم يكن أي نداء تحذير، وأنه لم يتم رشق الحجارة، ولم تمر أي سيارة أثناء إطلاق النار.

كان لـ»ط.أ» الحق في جلسة استماع وتم تعيين محاميين له، وهما محاميان كبيران سابقان في النيابة العسكرية، العقيد ران كوهين والعقيد شلومو تسيبوري. استمر الاستماع نحو ستة اشهر أمام النائب العسكري العام وكبار جهاز النيابة العسكرية، وفيه قدم للنائب العام افيك ورئيس الأركان كوخافي 40 رأي خبير، جميعها لضباط كبار في الاحتياط. من بين الذين قدموا الآراء كان وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق، موشيه يعلون، ونائب رئيس الأركان السابق الجنرال احتياط، يائير غولان، وعدد من الجنرالات في الاحتياط ومن بينهم قادة للمنطقة الوسطى (المسؤول الأول في مناطق الضفة الغربية)، شمني ومزراحي والون ونوما.

كتب جميعهم أن قتل احمد وإصابة علاء بإصابة خطيرة، كان بـ»حسن نية»، بسبب خطأ أو إهمال أثناء نشاط عملياتي. وبناء على ذلك «يجب ألا ننسب للجندي مخالفة جنائية… ويجب ألا نعتبره مجرما» (قال يائير غولان). كتب روني نوما، «من ناحية الجندي فقد تبلور فهم بأنه كان هناك خطر على حياة المسافرين في السيارات (كما قلنا لم يكن هناك أي سيارات أثناء إطلاق النار)، وأن الجندي نفذ إجراء اعتقال مشبوه (خلافا لكل الشواهد في ملف الشرطة العسكرية وفيلم كاميرا الحماية)».

وصف الضباط الكبار، الذين قالوا إنهم اطلعوا على مواد البينات، حادثة مختلفة كليا عما وصفه الجنود وشهود العيان، وتختلف كليا عما شوهد في فيلم كاميرا الحماية، وتختلف كليا عما يظهر من إعادة التمثيل وإفادات المتهم نفسه. ولكن هذا التجند كان يكفي لردع النائب العام عن تقديم لائحة اتهام استنادا الى الأدلة التي تم أخذها في تحقيقات الشرطة العسكرية. في نهاية الاستماع، تم التوقيع على صفقة ادعاء وتم تقديم لائحة اتهام. وقد حذفت منها تهمة إطلاق النار على علاء وإعدام احمد اعتبر «التسبب بالموت بالإهمال»، رغم أن «ط.أ» اعترف في التحقيق معه بأن إطلاق النار على احمد الهارب تم بهدف قتله.

ما يثير الاستغراب هو أن لائحة الاتهام تصف حقا عملية قتل متعمدة مع سبق الإصرار: «ابتعد القتيل عن المفترق باتجاه الخضر. وواصل المتهم إطلاق النار عليه، بما في ذلك وسط جسم القتيل… نتيجة إطلاق النار أصيب القتيل في الصدر وفي ذراعيه، وبعد وقت قصير توفي». في لائحة الاتهام التي قدمت بناء على رأي النائب العام افيك، الذي اصبح مرشحا لمنصب قاض في المحكمة العليا، لا يوجد أي تناسب بين تفاصيل الحادثة وبند الاتهام.

بعد تسلمي مواد الأدلة توجهت الى الجنرالات في الاحتياط، غولان ونوما، وطلبت منهما إعادة النظر في موقفهما. ولكنهما لم يستجيبا، رغم أنني وجهتهما لشهادات الجنود التي تناقض وصف الحادثة الذي جاء في رسائلهما. أي أنه لم يكن هناك أي رشق حجارة، ولم تمر سيارات أثناء النار وأن إطلاق النار نفسه خرق أوامر فتح النار.

على سبيل المثال، شهدت جندية في وحدة فيما يتعلق بإطلاق النار على علاء: «سمعت صوت خمس رصاصات متتالية، تقريبا مثل صلية، لا اعتقد أنه كانت هناك إجراءات لاعتقال مشبوه لأنني لم اسمع أي صراخ يأمر المتهم بالتوقف…». بعد ذلك، فيما يتعلق بإطلاق النار على احمد: «سمعت ست – سبع رصاصات على مسافة زمنية قصيرة. أيضا هذه المرة لم اسمع صراخا على المشبوه أو أي مرحلة أخرى من مراحل اعتقال مشبوه… لو أنه صرخ لكنت سمعته».

بخصوص محادثتها مع «ط.أ» قبل بضع دقائق على إطلاق النار قالت، «يبدو أنه كان يريد استخدام السلاح. لقد قال إنه مستعد لإطلاق النار، في حال إذا جاء أحد فإنه سيقوم بإطلاق النار عليه وسيسقط رأسه… لقد اكثر من القول إنه يريد قتل عرب… هو يتلفظ طوال الوقت ضد العرب مثل سأطلق النار عليه، سأعالجه».
لقد شهد أيضا ضابط مظلات تواجد في المفترق أثناء إطلاق النار: «شخصت صوت إطلاق نار من الموقع العسكري، لم ألاحظ أي رشق للحجارة… عندما وقفت على الإشارة الضوئية بسيارتي سمعت الصلية الثانية وفي الوقت ذاته شاهدت شخصا يركض نحو القرية». أيضا سائق سيارة الوحدة، الذي كان يقف على المفترق أثناء الحادثة، شهد: «سمعت إطلاق نار، أصبنا بالذعر. لم أشاهد أي أحد يهدد… أثناء إطلاق النار لم تمر أي سيارات في المفترق». وحسب الشهادات كان هنا إطلاق متعمد لأجل قتل أبرياء، وضمن ذلك شهادة «ط.أ» نفسه، التي جاء فيها أنه قرر إعدام احمد أثناء الهرب نحو بيت لحم، ورغم ذلك تجند 40 ضابطا كبيرا في الجيش، من بينهم رئيس أركان ونائب رئيس أركان و11 جنرالا في الاحتياط، من اجل منع تقديم الجندي للمحاكمة لأنه حسب رأيهم المهني لم يتم ارتكاب مخالفة جنائية هنا.

مؤخراً، نشرت تحقيقات لشبكة «سي.ان.ان» و»واشنطن بوست»، بحسبها قتلت الصحافية شيرين أبو عاقلة بنار متعمدة لجندي في الجيش الإسرائيلي. وقال رئيس الأركان كوخافي إن الموضوع تم التحقيق فيه في تحقيق عملياتي – الذي هو سري بطبيعته – وأنه لم يكن هناك إطلاق نار من اجل القتل. وأعلنت المدعية العامة العسكرية أنه لن يكون أي تحقيق شرطة عسكرية (الذي هو غير سري) لأنه لا يوجد اشتباه بارتكاب مخالفات جنائية. هل حقا لا يخطر بالبال أن أبو عاقلة أطلقت عليها النار بشكل متعمد؟

في السنوات الأربع الأخيرة منذ أن تم تقديم اليئور ازاريا للمحاكمة في العام 2016 والى أن قدم الرقيب «ط.أ» للمحاكمة لم يتم تقديم أي شخص من قوات الأمن للمحاكمة في أعقاب قتل أو اصابة أبرياء/ أشخاص غير متورطين. من هنا ندرك أنه «لم يتم العثور على اشتباه بارتكاب أعمال إجرامية، في عشرات وربما مئات حالات إطلاق النار على فلسطينيين غير متورطين». موقف قادة الجيش الكبار في قضية «ط.أ» هو إشارة إلى المزاج السائد في الجيش في كل ما يتعلق بالسلوك إزاء الفلسطينيين. ويدل سلوك الجهاز العسكري كله في هذه القضية الى أي درجة هذا الموقف غير جدير بالثقة، ويحتاج الى تحقيق خارجي وموضوعي.

دخل التعديل رقم 4 لقانون المتضررين المدنيين (مسؤولية الدولة) حيز التنفيذ في العام 2002، وكان هدفه منع إمكانية تقديم دعوى ضد قوات الأمن، التي تعمل في «المناطق»، بسبب أضرار جسدية وأضرار ممتلكات وقعت لسكان المنطقة. المبادرة لهذا التشريع، التي عملت بتصميم وتفان من اجل سنه، هي المستشارة القانونية الحالية غالي بهراف – ميارا، عندما كانت تشغل مناصب رفيعة في النيابة العامة في لواء تل أبيب. ونص تعديل القانون على تعريف واسع، تقريبا غير نهائي، لمصطلح «نشاط حربي». وأضافت المحاكم على جميع المستويات، بما في ذلك المحكمة العليا، زيادة أخرى لهذا التعريف. والنتيجة هي أنه فعليا أي نشاط أو عمل للجيش الإسرائيلي أو لقوات الشرطة على أنواعها، حتى لو كانت هذه الأعمال استخفافية وعلى حدود الإجرام، تعتبر نشاطا حربيا، والدولة معفاة من المسؤولية عن الأضرار.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى