هآرتس: معلومات استخبارية كثيرة قبل 7 اكتوبر، لم تترجم الى انذار فوري

هآرتس 30/12/2025، يوسي بن آري: معلومات استخبارية كثيرة قبل 7 اكتوبر، لم تترجم الى انذار فوري
قصة “سور اريحا”، خطة حماس الهجومية التي نفذت بالكامل في 7 اكتوبر، تثير جنوني منذ كشفها للجمهور في برنامج “عوفدا” الذي تقدمه ايلانا ديان، في كانون الثاني 2024، والذي عرضت فيه وثيقة لشعبة الاستخبارات في غزة من تاريخ تشرين الاول 2022، وتضمنت كل تفاصيلها. السبب الواضح من وراء ذلك يكمن لدى كل مواطن في دولة اسرائيل الذي تضرر بشدة من هذه الكارثة، وبالنسبة لي شخصيا اكثر من أي شخص آخر. فقد اوضحت لي تجربتي على الفور بان هذه المعلومة الاستخبارية الصغيرة لم يتم فهمها بشكل صحيح، وتم التعامل معها بشكل خاطيء، الامر الذي ادى الى اضاعة الفرصة والى كارثة ضخمة.
عمليا، الامر كان كما يلي: بعد خدمتي ستة اشهر في الاحتياط في حرب يوم الغفران، وافقت على طلب قائدي في حينه، التوقيع على عقد دائم للخدمة، من اجل المساعدة في اعادة بناء شعبة الاستخبارات التي تضررت بشدة. لاول مرة في حياتي دخلت باب مقر وزارة الدفاع في تل ابيب، وانضممت الى فريق غض اعاد بناء فرع البحوث العسكرية للشؤون المصرية، بينما كان خطر اندلاع حرب جديدة ما زال يحلق فوقنا مثل السيف. بعد فترة قصيرة اطلعت فيها على ما حدث استخبارية عشية الحرب وخلالها، وتعرفت على الواقع الجديد في اعقابها، اتصل بي قائدي المقدم المتوفى الكنا هارنوف وطلب مني تولي المسؤولية عن قسم مركزي في الفرع، الى جانب قسم الانذار. هذا الطاقم كان مكلف بمراقبة الخطط العملياتية للجيش المصري وبرنامجه التدريبي الكثيف. أنا قبلت التحدي واستبدلت الضابط السابق في الفرع الذي تولى هذا المنصب في فترة التاسيس، الرائد الذي اصبح بعد ذلك يستحق ذلك. انا شغلت هذا المنصب مدة سنتين، حتى بداية العام 1977.
هذه كانت فترة متوترة وممتعة ومليئة بالتحديات الفكرية. انا شخصيا كنت بعيد عن صدمة الفشل في 6 تشرين الاول 1973، الامر الذي سهل علي ضمان عدم تكرار هذا الفشل. بطبيعة الحال أنا ركزت على البحث الدؤوب حول امكانية أن يضع المصريون خطة جديدة تشكل اساس لخرق وقف اطلاق النار والهجوم من جديد في حالة فشل مفاوضات هنري كيسنجر حول التوصل الى اتفاق فصل القوات.
نحن خشينا من تكرار مصري لخطة التضليل التي قام بها الجيش المصري عشية حرب تشرين الاول، الذي استخدم مناورة “تحرير 41” كنقطة انطلاق لشن الحرب. ولاننا كنا ندرك بان أي خطة هجومية جديدة ستنعكس على مناورات وحدات الجيش المصري فقد قمنا انا ورجالي بمتابعة هذه التدريبات بدقة والبحث عن أي دليل محتمل. حتى أنني اتذكر انه في ايام الجمعة ظهرا، عندما كان الهدوء يسود في الممرات كنت اغوص في عشرات الاوراق الرقيقة التي تسمى اللفائف، أو السجلات المكتوبة بخط اليد، والتي كانت ترسل لي من قبل المسجلين والمترجمين في الوحدة 8200، من اجل التاكد من أنني لم اغفل عن أي اشارة تدل على احتمالية وجود تهديد خفي يلوح في الافق.
جزء كبير جدا من جهود جمع المعلومات من قبل شعبة الاستخبارات وجه لهذا الشان الذي كان يشكل القلق الرئيسي لهيئة الاركان وقيادة المنطقة الجنوبية ووحداتها في شبه جزيرة سيناء. مع ذلك لم يظهر أي اشارة تدل على انخراط الجيش المصري في عمليات هجومية. في المقابل، كانت هناك خطة دفاع محكمة تتشكل امام انظارنا، وكانت النسخة الثالثة منها معروفة لنا جيدا. وقد قمنا بعرضها على الجيش الاسرائيلي في مراجعة بحثية، رغم انها اقتصرت على الدفاع المصري، وبالتحديد خشية من هجوم نقوم به. لقد اظهر رئيس الاركان في حينه موتي غور اهتمامه بها وطلب عرضها على هيئة الاركان العامة. وعندما سنحت لي الفرصة فعلت ذلك – كنت نقيب شاب – امام جنرالات الجيش الاسرائيلي.
أنا اعود واسال نفسي: كيف استطاع قسمنا، الذي يتكون من ثلاثة ضباط لهم خبرة وضابط صف رائع، استيعاب ان دفاع الجيش المصري غير مهدد، في حين انه عشية 7 اكتوبر، باستثناء ضابطة الصف و.، لم يتمكن أي شخص في الاستخبارات العسكرية من استيعاب ذلك، في ظل وجود دلائل واضحة على الاستعداد لهجوم عسكري من قبل جيش النخبة التابع لحماس. منذ سنتين الجواب المعتاد على هذا الامر كان في الخطاب العام هو جو من الازدراء، وبالاساس الغطرسة من جانب اجهزة الاستخبارات والعمليات. ولكن يجب اضافة عنصر استخباري مهني مهم آخر الى ذلك: في ايامنا، في سبعينيات القرن الماضي، كانت اجهزة الاستخبارات على ثلاثة مستويات، الفرق، القيادات وهيئة الاركان، تتولى مراقبة الخطط العملياتية للجيش المصري (والسوري ايضا)، والتحضير لها من خلال التدريبات والمناورات. وقد ادى الانخراط في هذا الامر، مع المراقبة الفعالة لضباط الاستخبارات في الوحدة 8200، الى خلق خطاب تعددي، وان كان ينطوي على روح المنافسة، الا انه زاد من ثراء الفكر.
الآن، في اعقاب دروس حرب لبنان الثانية في 2006، والشكاوى المتكررة بشان نقص المعلومات الاستخبارية في الوحدات المقاتلة، لا سيما بعد التقدم الهائل الذي تحقق مع الدخول الى انتاج المعلومات الاستخبارية السايبرية، فتحت حواجز أمن المعلومات، ووصل معظمها الى مقر قيادة فرقة غزة، الذي اصبح بمثابة منهل يصب فيه فيضان المعلومات، بما في ذلك في المجال الهام جدا الذي نحن بصدده. حينها تخلت القيادة العامة وهيئة الاركان عن الحاجة الى التعامل مع هذه المعلومات وانشغلت بانجازات المعركة بين حربين واعداد المعلومات الاستخبارية عن الاهداف من اجل سلاح الجو ووحدات الهجمات الدقيقة الاخرى.
هكذا فان الاشارات التي بثتها حماس استعدادا لهجوم “طوفان الاقصى” (سور اريحا، تقارير ضابطة الصف و. حول استعداد العدو للهجوم، خطاب صالح العاروري في تركيا الذي كشف نية حماس والنقاط الرئيسية في خطتها، تقارير المراقبات الشجاعات عن تدريبات حماس الميدانية، مقاطع الفيديو التي وزعتها حماس نفسها عن تدريبات لاقتحام مقر الفرقة، تقارير رفائيل حيون من نتيفوت الذي محطته الخاصة للتنصت امتلأت بالمعلومات عن تدريبات حماس الهجومية)، كل ذلك لم يشكل لدى أ.، وهو ضابط الاستخبارات في الفرقة، صورة استخبارية مقلقة. فوصفه للامر بأنه وسواس يوحي بانه شخص حكيم ولامع، لكن على ما يبدو لديه ثقة مفرطة، وانه هو الآخر سقط في نفس الشرك الذي سقط فيه المسؤولون عنه، سواء كانوا يرتدون الزي العسكري أو الزي المدني.
اذا كانت اشجار الارز احترقت فما الذي ستفعله اشجار الصنوبر الصغيرة؟ هذا تنبيه لضباط المخابرات في كل مكان، ولاعضاء طاقم التحقيق التابع للواء روني نوما.
بالمناسبة، الرائد الموهوب الذي استبدلته في مهمة متابعة الجيش المصري هو يعقوب عميدرور.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



