ترجمات عبرية

هآرتس: محور الخلاف: جولة في الحرم القدسي

هآرتس 10-4-2023، نير حسون: محور الخلاف: جولة في الحرم القدسي

خلافاً لصورته العامة، يعدّ الحرم (المسجد الأقصى) مكاناً هادئاً جداً، على الأقل في معظم الوقت. مع ذلك، لا توجد أماكن كثيرة مسؤولة عن هذا القدر الكبير من العنف مثله. الآن، في شهر رمضان وتصاعد التوتر حوله، نراه يشتعل ويُشعل مرة أخرى.

في هذه السنة، تزامن جزء من شهر رمضان مع فترة عيد الفصح الذي له أهمية خاصة عند اليهود الذين تعودوا على زيارة الحرم، ويحاولون في كل سنة تنفيذ وصية تقديم قرابين الفصح. ولكن هذه المجموعة غير كبيرة بشكل خاص. عملياً، حسب استطلاع أجراه معهد “فان لير” فإن 28 في المئة من الإسرائيليين دخلوا عبر أبوابه مرة واحدة. نصفهم مرة واحدة فقط، والآخرون يسمعون عنه في أيام الأزمة.

على كل الأحوال، الحرم ليس نقطة احتكاك بين اليهود والمسلمين، وبين الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل هو أيضاً نوع من متنزه تستجم فيه العائلات الفلسطينية. هو مكتظ بعشرات المباني القديمة والمدارس ومحطات الشرطة والمكاتب وما شابه. لمعظمها تاريخ متعرج. ولفهم النزاع بشكل أفضل يجب التعرف أكثر على ما حدث وما يحدث هناك.

جسر المغاربة

جسر المغاربة يؤدي إلى باب المغاربة، هو المدخل الوحيد إلى الحرم المخصص لغير المسلمين. الزوار يمشون فوق مبنى خطر، الذي فشلت محاولات استبداله كلها. الأردن يعارض ويحذر من إقامة جسر ثابت في المكان لأن ذلك قد يؤدي إلى موجة عنف. الجسر هو استعارة كاملة للقدس الموحدة. فقد اعتبر خطراً، أقيم كتسوية مؤقتة وتحول إلى دائم، وتحول منذ ذلك الحين إلى جزء من الوضع الراهن رغم أنه لا أحد يذكر لماذا.

في غضون ذلك، تبذل إسرائيل الجهود من أجل الصيانة: تستبدل الأوتاد، وتضيف المزيد من المواد التي تطفئ الحرائق وتأمل أن تصمد، حيث يطلب من المهندسين ورجال الشرطة تعزيز هذا الوضع المؤقت وإعاقة الاشتعال دون معرفة إلى متى. هذه هي القدس.

الوصول إلى الباب كان حتى العام 2004 عن طريق أكوام ترابية كانت مثل تلة أثرية غنية. في تلك السنة، انهار جزء من أكوام التراب واستبدل بها جسر مؤقت من الخشب، بقي معلقاً منذ ذلك الحين فوق ساحة النساء في حائط المبكى [حائط البراق]. مهندس مدينة القدس وخدمات الإطفاء حذروا من الخطر، لكن الخوف من اشتعال إقليمي ومن أزمة سياسية مع الأردن تغلبت على المخاوف. زيارة بن غفير للحرم في كانون الثاني، التي حصلت على إدانة من الأردن ودول عربية أخرى، وأحداث الأسبوع الماضي، كل ذلك أوضح بأن هذا الخوف ما زال قائماً.

على مدخل الجسر يحصل الزوار على إحاطة من الشرطي المناوب. في الأيام الحساسة تكون الإحاطة أكثر حزماً، محظور الصلاة أو السجود، ومحظور حتى قطف ورقة أو رفع حجر؛ لأن المسلمين يرون في كل ما هو في الحرم جزءاً من مسجد مقدس. تقل التحذيرات في الأيام الأكثر هدوءاً.

معظم اليهود الذين يزورون الحرم يفعلون ذلك بدافع ديني، وطبقاً لقواعد الشريعة، بعد الغطس في المطهرة وبدون أحذية جلدية. مع مرور السنين، تحسنت العلاقة بين الزوار ورجال الشرطة، لكن استمرت جهود تطبيق التعليمات. يمكن أيضاً زيارة الحرم كـ “سائح”، أي كعلماني. في هذه الحالة، تكون معاملة الشرطة وحراس الأوقاف صارمة أكثر.

التنسيق والتعاون بين الشرطة ومنظمات “جبل الهيكل” تصل إلى ذروتها في الأيام التي يكون فيها بن غفير الوزير المسؤول عن الحرم، والذي هو وزوجته من النشطاء الرئيسيين في المنظمة.

الدخول إلى الحرم يتم عبر الباب الأخضر في باب المغاربة، حيث ينتظر حراس الأوقاف الذين يطلبون من الناس في بعض الأحيان ارتداء ملابس محتشمة. اليهود المتدينون يرافقهم رجال شرطة، بعضهم يحملون أدوات لتفريق المظاهرات، وحراس الأوقاف يراقبون من بعيد.

ثمة سياح إلى جانبهم، وثمة مسلمون شيوخ، ونساء يقرأن القرآن، وأولاد يلعبون، وعمال نظافة يعملون في الساحات الحجرية الكبيرة. المسجد الأقصى هو المبنى الأكثر قدسية في منطقة الحرم للمسلمين. في أيام التوتر يتحول إلى ساحة صراع أكثر عنفاً في منطقة الحرم.

في السنوات الأخيرة تبلور إطار ثابت للمواجهات، التي تتطور على الأغلب في فترة الأعياد لليهود أو للمسلمين عقب توتر أمني أو بسبب شائعات لها أساس أو بدون أساس حول تغيير الوضع الراهن: شباب فلسطينيون يتحصنون في المسجد. تقول الشرطة إن إخلاء الشباب بالقوة أمر حيوي أحياناً من أجل السماح باستمرار الوضع على طبيعته في الحرم. هذا ما حدث في الأسبوع الماضي عندما اقتحم رجال الشرطة المسجد واعتقلوا مئات الشباب الفلسطينيين. التوثيق في المكان الذي ظهر فيه أيضاً رجال الشرطة وهم يهينون المعتقلين كان عاملاً مهماً في التوترات الأمنية الأخيرة.

النوافذ الزجاجية الجميلة التي تعلو الأبواب تعد ضحايا ثابتة في هذا الصراع. في شهر رمضان في السنة الماضي تم تهشيم معظم النوافذ، ولم يتم إصلاح بعضها طوال أشهر. أيضاً مساء أمس، استعدت شرطة القدس لاقتحام المسجد، لكن يبدو أنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وامتنعت عن الدخول، ضمن أمور أخرى، بسبب الضغط من جهات سياسية ومن قلق أمني. أوضحت الشرطة بأنه خلافاً للأسبوع الماضي، فإن المتحصنين في المسجد لم يتسلحوا بالحجارة والمفرقعات. بعد ذلك، تبين أن القرار كان صحيحاً؛ لأن زيارة اليهود للحرم مرت بدون أحداث استثنائية.

في حين أن الطرفين يتصادمان في المكان، حتى إنهما يختلفان على اسمه. المتحدثون بالعبرية يسمون المسجد على الأغلب بـ “الأقصى”، في حين أن الفلسطينيين يسمونه المسجد القبلي. هذا الفرق يؤكد الفجوة بين الطريقة التي يرى فيها الإسرائيليون الحرم وبين الطريقة التي يراه فيها الفلسطينيون.

الأسماء المختلفة ليست صدفية. الرؤية الفلسطينية في العقود الأخيرة هي أن كل الحرم يعد مسجداً. وجميعه يسمى “الأقصى”. طبقاً لذلك، فإن الفلسطينيين يعارضون مطالبة نشطاء “جبل الهيكل” بالصلاة فيه. الذريعة أنه لا مكان لصلاة غير إسلامية داخل المسجد، كما أنه لا يمكن إجراء صلاة غير يهودية في كنيس.

هكذا تم محو الأسماء القديمة للحرم بالعربية. والاسم السابق، الأقصى، الذي أصله موجود في القرآن، تحول إلى اسم حصري. المسجد الكبير في جنوب الحرم أخذ اسم “القبلي”، لأنه كان القبلة (اتجاه الصلاة) الأولى التي صلى إليها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

من يفسرون الإسلام والمؤمنون يشيرون إلى الأقصى وكأنهم يشيرون إلى “المسجد الأبعد” المذكور في القرآن. أساساته من فترة هورودوس وأجزاء أخرى فيه تم بناؤها وترميمها على يد حكام مسلمين وصليبيين وعثمانيين على مر الأجيال. يمكن أن يصلي فيه 5 آلاف شخص في الوقت نفسه.

غير المسلمون لا يمكن أن يدخلوا إلى مباني الحرم، بما في ذلك المسجد الأقصى، وسبب ذلك هو العلاقة التي تطورت بين إسرائيل والأوقاف في الـ 22 سنة الأخيرة منذ زيارة أريئيل شارون للحرم. تم إغلاق الحرم أمام اليهود والسياح في الانتفاضة الثانية التي اندلعت بعد ذلك. ثم أعيد فتحه أمامهم في 2003 من قبل إسرائيل بدون موافقة الأوقاف. والآن ترى الأوقاف في زيارة اليهود للحرم خرقاً للوضع الراهن، والحجاج إلى الحرم يسمون مقتحمين. الأوقاف والحكومة الأردنية توجهت عدة مرات إلى إسرائيل في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول زيارة اليهود والسياح للحرم، لكن الأوقاف طلبت في مفاوضات غير رسمية بين الطرفين حق منع دخول بعض أعضاء “أمناء جبل الهيكل” البارزين، وإسرائيل رفضت ذلك.

منذ وفاة فيصل الحسيني في بداية الانتفاضة الثانية، لم يقم للفلسطينيين زعيم بنفس مستواه. بعد فترة قصيرة على موته، أغلقت إسرائيل المؤسسات الفلسطينية في المدينة، وبعد ذلك أقامت جداراً وسوراً قانونياً على صورة قانون المواطنة بين شرقي القدس والضفة الغربية. القدس في هذه الأيام هي نتيجة قرارات اتخذت في حينه، الجدار في الواقع فصل بين القدس والضفة، لكن الحرم واصل كونه رمزاً وطنياً ودينياً بالنسبة للفلسطينيين، والعنف الذي يخرج من الحرم يحدث موجات في أرجاء البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى