هآرتس: مثلما في السنوات التي سبقت المذبحة، الآن حماس مدينة بالشكر لنتنياهو

هآرتس 16/9/2025، ديمتري شومسكي: مثلما في السنوات التي سبقت المذبحة، الآن حماس مدينة بالشكر لنتنياهو
كل من لا يشاركون في عبادة الشخصية لنتنياهو في اوساط الجمهور الاسرائيلي يدركون جيدا انه في السنوات الحاسمة التي سبقت مذبحة 7 اكتوبر، كان نتنياهو بالنسبة لحماس ذخر اغلى من الذهب، لانه سمح بشكل غير مباشر وبوعي بزيادة قوتها ونموها الدراماتيكي من خلال الاموال القطرية، الى درجة تحولها من منظمة ارهابية هامشية الى جيش مدرب وقاتل. ولكن الآن ايضا، بعد سنتين على الحرب في 7 اكتوبر التي لا تنتهي وعديمة الجدوى، يبدو ان اسرائيل نتنياهو بسلوكها الانتحاري تفعل كل ما في استطاعتها من اجل عدم جعل حماس باقية ورأسها فوق الماء، بل حتى ان تضمن بالنسبة لها انجازات كبيرة في الحرب الضروس التي تشنها ضد “الكيان الصهيوني”.
هناك مجالات اساسية في جبهة الصراع بين حماس واسرائيل، التي بدأ يظهر فيها الآن تفوق واضح للمنظمة الارهابية، الاسلامية القومية، على الدولة الكهانية القومية لنتنياهو – وهي مجال الصورة الامنية والمجال الاخلاقي الحربي. كل ذلك بعد ان كانت مكانة حماس خلال فترة طويلة، في كل واحد من هذه المجالات، في الحضيض، من ناحية الصورة العسكرية – الامنية أو الضربات الشديدة التي تسببت بها اسرائيل لحماس، لم تترجم في أي مرحلة الى صورة مقنعة للانتصار الحقيقي. حيث انه بدلا من استكمال الانتصارات العسكرية لحماس بضربة قاضية سياسية الى درجة ابعادها المنسق اقليميا ودوليا، لصالح السلطة الفلسطينية – فان اسرائيل اختارت استمرار الحرب بلا نهاية لضمان البقاء القانوني والسياسي للزعيم، وكذلك من اجل منع التوحد بين غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية واحدة معتدلة. النتيجة هي ان تنظيم متعب ومصاب، الذي كان على شفا الانهيار المطلق، يظهر الآن اكثر فاكثر حبة جوز عسكرية قاسية، لا يستطيع الجيش الاقوى في الشرق الاوسط هزيمتها.
هذا الانطباع آخذ في التعزز بالتحديد على خلفية الانتصارات الباهرة لاسرائيل في الساحة الايرانية وضد حزب الله في لبنان. في حين أن التفوق الاسرائيلي في هاتين الجبهتين كان حاسما، فان حماس ليس فقط ترفض الاستسلام، بل هي حتى تواصل قضم ذيل الجيش الاسرائيلي والحاق المزيد والمزيد من الخسائر به. هكذا، بفضل الجهود الكبيرة لنتنياهو، مواصلة القتال الذي لا نهاية له، تنمو بالتدريج امام انظارنا الروح الفلسطينية الجديدة الغضة عن المقاومة البطولية لحماس التي بقيت لوحدها صامدة امام الاحتلال الصهيوني.
طالما ان الحديث يدور عن اخلاق القتال فان حماس، التي دائما كانت بالطبع منظمة ارهابية قاتلة ومتعصبة، وصلت في 7 اكتوبر الى حضيض لا يمكن تخيله من الحقارة. قتل وحشي لمئات المدنيين غير المسلحين، اعمال اغتصاب وتنكيل سادية – كل هذه الفظائع لم تشهد فقط على الفقدان المطلق للصورة الانسانية، بل ايضا ادت الى ان يظهر “مقاتلو الحرية” كعصابة جبانة وحقيرة، الذين يمارسون البطولة على اشخاص يستجمون في حفلة.
ها هي الدولة والمجتمع الاسرائيلي، والجيش الاسرائيلي ايضا، سرعان ما انتقلوا هم انفسهم، بصورة فظة وواضحة في ايام عملية تدمير مدينة غزة، الى عملية حمسنة سريعة. كل يوم يقومون باعدام عشرات المدنيين بواسطة عمليات القصف الاسرائيلية، في حين ان اسرائيل لا تحاول ان تبث، لو ظاهريا، أي تركيز على الاهداف العسكرية ومخربي حماس.
تحت رعاية مجرم الحرب في واشنطن، الذي يبدو انه سيعلن عن عقوبات ضد لجنة جائزة نوبل للسلام اذا لم يحصل عليها، بالضبط مثلما يلاحق القضاة في لاهاي، فان اسرائيل فقدت كل عنان. ومثلما كتب قبل فترة قصيرة عاموس هرئيل فان الجيش الاسرائيلي يسمي قصف الابراج في غزة “اهداف ضخمة”، حيث ان القصد هو مهاجمة اهداف تظهر من بعيد لاثارة الرعب في اوساط السكان الفلسطينيين. بكلمات اخرى، اسرائيل تعلن بشكل علني وبدون خجل انها تنوي ارتكاب جرائم حرب في المدينة وجرائم ضد الانسانية – من اجل فرض الرعب على المدنيين وجعلهم يختارون “الهجرة الطوعية” (كيف يمكن تفسير بطريقة اخرى الرغبة في زرع الرعب في اوساط السكان، حيث في الخلفية يوجد خطاب التطهير العرقي المقيت بشأن اقامة ريفييرا في غزة على انقاض الوجود الفلسطيني؟).
ازاء كل ذلك، في كل ما يتعلق بالاخلاق العسكرية، فقد اصبحت اسرائيل رويدا رويدا تشبه حماس: بطلة كبيرة على المدنيين والمباني – وايضا على رجال طاقم المفاوضات الذين يرتدون ربطة العنق من حماس في الدوحة، في الوقت الذي هي فيه غير قادرة على هزيمة المقاتلين المخربين في الانفاق، الذين يحتجزون المخطوفين والجثث. في المقابل، تترسخ على هذه الخلفية الصورة المشوهة، لكن الحتمية، لحماس كرمز للنضال الوطني للشعب الفلسطيني امام المحتلين الذين احدثوا النكبة الثانية. ومثلما في السنوات التي سبقت المذبحة فان حماس الآن ايضا مدينة بالشكر الكبير لنتنياهو. فبفضل حرب تدميره الخاسرة ضد المدنيين الفلسطينيين، التي تبتعد بشكل متعمد عن تحقيق الانتصار المحتمل الوحيد على حماس، ابعادها السياسي من الساحة، فان منظمة القتلة الارهابية التي اوقعت على الفلسطينيين كارثة وطنية بمستوى غير مسبوق ولطخت نضالهم الوطني بجريمة فظيعة، مذبحة ابادة، يمكنها ان تعيد ترميم نفسها عسكريا وسياسيا وقيادة الشعب الفلسطيني الى طريقه للاستقلال كممثلته المعترف بها والشرعية.