هآرتس 10/6/2022، بقلم: نير حسون
لقد مرت 18 سنة تقريباً على إغلاق منشأة ضخمة أمام دخول سكان المدينة وتقع في مركز القدس، بين شارع “هيلل” و”منشه بن يسرائيل”، وهي متحف تسامح القدس. بعد سلسلة من الفضائح والأزمات والنزاعات القانونية، استكمل المتحف الضخم أخيراً، وتم معه حل اللغز بالتدريج، ماذا سيكون مضمون ذلك المبنى الأبيض الكبير الذي يطل على مركز المدينة؟ كلمة متحف كلمة مضللة، اعترف مديرو المكان. المبنى يشمل في الواقع متحفين، لكنهما معاً جزء صغير من الفضاء والاستخدامات المخصصة للمبنى. معظم النشاطات المخططة في المكان ستكون ثقافية وتعليمية وعروضاً ولقاءات وأفلاماً وموائد طعام. “سنحيي مركز المدينة من جديد”، وعد المديرون. يجب عليهم التغلب على نزاع آخر مع البلدية في هذه الأثناء.
كانت بداية متحف التسامح في القدس عام 2004، حيث وقع في حينه اتفاق لتخصيص الأرض بين رئيس البلدية في حينه إيهود أولمرت والحاخام مارفن هيار، وهو شخص معروف جداً في أمريكا ويترأس مركز “شمعون فزنتال”، وأنشأ متحف التسامح في لوس أنجليس. وهو يتمتع بشبكة علاقات متشعبة مع متبرعين وسياسيين وشخصيات أمريكية مشهورة. في الرؤية الأصلية، كان من شأن المبنى الفخم أن يقام على كراج قديم، الذي كان موجوداً بين حديقة الاستقلال وميدان القطط. وقد أوكل تصميمه للمهندس المعماري المشهور فرانك جيري. وحضر احتفال وضع حجر الأساس في القدس حاكم كاليفورنيا في حينه آرنولد شفارتسنغر، الذي وعد في خطابه بأن متاحف التسامح ستدفع قدماً بالتسامح مثلما تدفع نوادي اللياقة البدنية بالصحة.
المشكلات بدأت عند حفر أساسات المبنى. ففي حينه، تبين أن الكراج القديم أقيم على جزء من المقبرة الإسلامية القديمة في المدينة، ومئات الهياكل العظمية بدأت تظهر. القضية أعاقت إقامة المتحف لبضع سنوات، في الوقت الذي توجهت فيه الحركة الإسلامية إلى المحكمة العليا. في النهاية، صادقت المحكمة العليا على استمرار العمل، وتم إخراج الهياكل في حفريات أثرية مختلف عليها، وبدأ تشييد المتحف. في حينه، انفجرت الأزمة الاقتصادية في 2008 ووجد مركز “فازنتال” نفسه في صعوبات مالية. وقرر المهندس المعماري جيري، ترك المشروع على خلفية خلافات مالية، ودخل بدلاً منه مهندسان معماريان إسرائيليان، هما براخا وميخائيل حيوتين، فدخلا أيضاً في نزاعات مع المقاولين وتركا المشروع. وجاء بدلاً منهما المهندس المعماري يغئيل ليفي. استؤنف البناء وبدأ المبنى الأبيض الكبير في الارتفاع.
في فترة كورونا حلت في المبنى أزمة أخرى. في الوقت الذي واصلت فيه باقي شركات البناء في البلاد العمل رغم الوباء، توقف العمل سنتين تقريباً، هذا لأن المتحف أقيم بدون شركة مقاولات، واشترى المبادرون لإقامة المتحف بأنفسهم شركة بناء إسرائيلية وأقاموا المبنى بمساعدة عمال وخبراء جاء معظمهم من الصين. عند اندلاع كورونا، علق العمال في الصين دون القدرة على العودة.
في السنة الأخيرة، تم استئناف العمل واستكمل المبنى تقريباً. يدور الحديث عن مشروع استثنائي في التصميم الإسرائيلي. وقد استخدمت في بنائه تقنية غير معروفة في البلاد. مثلاً، تم استيراد عشرات آلاف الحجارة التي تغطي المبنى من البرتغال، وهي معلقة عليه دون استخدام الإسمنت، بل بمساعدة منظومة تعليق خاصة، فيما يظهر الدرج وكأنه معلق في الهواء. مديرو المتحف يتفاخرون بمستوى تشطيب غير معروف في البناء العام في إسرائيل: جبص صوتي خاص مستورد من ألمانيا، وأرضيات بركيت من الولايات المتحدة، ومراحيض فخمة، منظومات إضاءة، ومنظومات صوتية ووسائط متعددة متطورة، وأثاث فاخر مستورد من إيطاليا وإسبانيا، ونوافذ ذكية، وأبواب صماء لمنع الضجة، وقاعات متعددة الاستخدام تتغير حسب الغرض، وأسقف طائرة وغيرها. أعضاء مركز “فازنتال” لا يفصحون عن التكلفة الإجمالية التي استثمرت في المبنى حتى الآن، لكنها تكلفة تقدر بنصف مليار شيكل.
ساد الغموض خلال سنوات حول مسألة استخدام المبنى الضخم. خلافاً لمتحف التسامح في لوس أنجليس، المكرس في معظمه للتعليم عن الكارثة، فإن المتحف في القدس تعهد مسبقاً، حسب طلب مؤسسة “يد واسم”، بأن لا يتعامل أبداً بالكارثة. مع تقدم انتهاء البناء، تبين لكبار موظفي البلدية بأن الحديث لا يدور عن متحف بالمعنى الدارج للكلمة، بل عن دمج بين مركز ثقافي ومركز مؤتمرات ومرفق للترفيه وميدان.
تحدث رؤساء المتحف للمرة الأولى مع الصحيفة عن نواياهم للمستقبل، ويطالبون المقدسيين بقليل من الصبر، ويعدون بأن يكون المكان القلب النابض للمدينة. “سنكون بيت الجميع، خيمة إبراهيم وسفينة نوح. نشيد مركز حوار إسرائيلي ودولي سيكون مفتوحاً أمام الجميع، وسيضع في مركزه حوار تسامح واحترام متبادل”، قال يوني ريس. وفي لقبه هو مدير التشغيل للمتحف. فعلياً، هو الذي يدير هذا المشروع منذ 21 سنة. “المتحف سيعيد الحياة لمركز المدينة”، وعد.
حسب الخطة الاستراتيجية التي تعدها اييلت بريش للمتحف، المستشارة السابقة للرئيس شمعون بيرس، فإن المبنى سيستخدم مركزاً ثقافياً ومركز مؤتمرات مع مرفق للترفيه. أقيمت في واجهة المبنى “حديقة إصلاح العالم”، المكرسة للزعماء والحاصلين على جائزة نوبل. الحديقة تؤدي إلى مسرح كبير يشمل ألف مقعد. بين المقاعد والمنصة أرضية زجاجية تغطي جزءاً لشبكة مياه قديمة اكتشفت أثناء القيام بأعمال المبنى. على المنصة منظومة صوتية وسينمائية متطورة، الشاشة ومكبرات الصوت مخفية تحت أرضية حجرية، ويمكن اخفاؤها بكبسة زر. سيتحول المسرح حسب أقوال المبادرين، إلى قاعة سينما مفتوحة، مرفقة لأحداث وعروض ومكان للقاء مفتوح مع الجمهور.
داخل المبنى مسرح آخر يضم 400 مقعد من الأرائك الفاخرة التي استوردت من إيطاليا. تم تركيب شبكة إضاءة في الجدران والسقف، بحيث تغير الأجواء في القاعة عن طريق سيطرة غرفة تحكم. ستكون القاعة فضاء لمؤتمرات دولية مهمة، تستضيف أحداثاً لشركات النخبة، وسيتم إقامة عروض فيها. وراء المنصة غرف فاخرة للفنانين. وثمة استخدامات أخرى مخططة للمبنى.
في المبنى أيضاً قاعات متعددة الاستخدام، وغرف للمحاضرات، ومحل لبيع الهدايا التذكارية، ومكان لمطعم، وثلاثة مطابخ ضخمة (عام، وأكل يستخدم الألبان وأكل يستخدم اللحوم) مجهزة وفاخرة، وشرفات تطل على المقبرة الإسلامية وعلى حديقة الاستقلال، ومدرسة دينية مع طابق منفصل لمساعدة النساء وحتى غرفة خاصة لمركز شرطة، التي أعدت لتغيير الصورة المشكوك فيها بدرجة معينة التي تشكلت لميدان القطط في القدس.
رجال المتحف يرفضون الادعاءات بأن المبنى تغير مع مرور السنين. وبدلاً من متحف يتناول التسامح، حصلت القدس على مركز مؤتمرات فاخر. حسب أقوالهم، جميع الاستخدامات التي يضمها المبنى الآن كانت ضمن الخطط الأصلية التي قدمت قبل عشرين سنة تقريباً. هم يعترفون أن اسم متحف مضلل، وأن الاستخدامات الأساسية للمبنى في نهاية المطاف لن تكون متحفية. “أردنا أن يكون مكاناً يجذب “بول مكارتني” إلى القدس، الذي يمكن أن يفتح بوابة ثقافية للمدينة. لولا التأخير بسبب كورونا والبيروقراطية لضج المبنى الآن بالحياة مع مهرجانات الطعام والعروض والأحداث التي تناسب أيضاً أم متدينة وطفل مسلم يأتي إلى هنا”، قالت بريش.
صفة أخرى يريد متحف التسامح التخلص منها، وهي تشخيصه مع اليمين المحافظ. قبل ثمانية أشهر تقريباً، عقد في المبنى الحدث الأول وهو الاحتفال بإقامة مركز فريدمان للسلام. في هذا الحدث وبمناسبة إقامة مركز السفير الأمريكي في إسرائيل في عهد ترامب، دافيد فريدمان، شارك جميع كبار أعضاء الإدارة الأمريكية السابقة. مراسلة “سي.ان.ان” وصفت هذا الحدث بأنه “سقوط في مرآة أليس في بلاد العجائب”، السقوط إلى واقع بديل ما زال فيه ترامب رئيساً، ونتنياهو، الذي شارك في الحدث أيضاً، رئيساً للحكومة.
المبادرون على قناعة بأنه سيتم حل النزاع مع البلدية، ويثنون على رئيس البلدية موشيه ليون، ويعدون بأن المبنى الآن في مراحله الأخيرة. “ما يحول مدينة إلى عاصمة ليس قرار الحكومة، بل النشاطات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وبهذا، نساهم في القدس”، وعد ريس.