ترجمات عبرية

هآرتس: ما هو على المحك أكثر بكثير مما هو محتمل

هآرتس 11-9-2023، بقلم مردخاي كرمنتسر: ما هو على المحك أكثر بكثير مما هو محتمل

النقاش في المحكمة العليا، حول الالتماسات ضد إلغاء ذريعة المعقولية بخصوص أعمال وإخفاقات الحكومة والوزراء، أكثر بكثير من مناقشة مسألة معينة. فهو نقاش مبدئي حول طبيعة النظام والمجتمع، ومعنى كون إسرائيل دولة ديمقراطية. هل يجب التصرف حسب رؤية مؤيدي الانقلاب النظامي، الذين يختزلون الديمقراطية في مبدأ قرار الأغلبية، التي يحق لها فعل ما تراه مناسبا بدون عائق، أو اتباع الرؤية الديمقراطية كمفهوم له معنى وقيمة حقيقية، وهو مفهوم يكمن فيه مبدأ الأغلبية اضافة الى مبادئ أساسية أخرى مثل الالتزام بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحكومة مقيدة بالضوابط والتوازنات وسيادة القانون واستقلالية السلطة القضائية؟

لا يعتبر هذا الخلاف خلافاً سياسياً عادياً توجد فيه آراء لدى هذا الجانب أو ذاك، والتي يجب أن تُسمع جميعها. مفهوم الديمقراطية الاساسي هو عبارة عن سياسة ما بعد السياسة، وفي أساسه ثمة تمييز بين الذين هم في معسكر المؤيدين للديمقراطية وبين المعسكر المعادي. من الواضح أنه وراء ستار الجهل، عندما لا نعرف من نحن والى أي مجموعة ننتمي في المجتمع، فانه لا يكون هناك اشخاص عقلانيون يثقون بنظام يعطي الاغلبية سلطة غير محدودة للاساءة للأقليات.

إضافة إلى ذلك، من الوهم الاعتقاد أن سلطة شعبوية مستبدة، مثل اوربان في هنغاريا أو الائتلاف الحالي في إسرائيل، ستسمح بالتناوب في الحكم. الشعبويون الذين يتفاخرون بأنهم الممثلون الاصيلون الوحيدون للشعب لا يمكنهم الخسارة في صناديق الاقتراع، لذلك فانهم سيفعلون كل ما في استطاعتهم لمنع هذه الاحتمالية (وإذا تحققت فسيتنكرون لها كما فعل ترامب). السيطرة على وسائل الإعلام والتعليم وإقصاء العرب عن الساحة السياسية كل ذلك سيخدم هذا العمل.

من الواضح ايضا أن ما يطلبه الائتلاف لنفسه لا ينبع من قاعدة عالمية بالنسبة لكل أغلبية سياسية مهما كانت، بل ينبع جميعه من حقيقة أنه هو الائتلاف الحاكم، وليس أي ائتلاف آخر. لو أنه كان يوجد ائتلاف آخر يريد لنفسه سلطة غير محدودة لكنا سمعنا من يؤيدون الانقلاب النظامي وهم يصرخون الى عنان السماء، ويسقطون على أقدام المحكمة كي تنقذهم. لو أنه تبلور على يد الحكومة التي انتخبت بصورة قانونية اتفاق سلام ينطوي على التنازل عن منطقة تخضع لسلطة إسرائيل لكنا سمعنا أن هناك مواضيع مثل اراضي الوطن، التي هي غير خاضعة لقرارات الاغلبية السياسية. هذا هو القانون في حكومة ديمقراطية تريد المس بأحد رموز اليهودية في الدولة. ليس من نافل القول أن من يتمسكون الآن بقوانين الاساس قالوا في الجولة السابقة، عندما كانت مسألة المراجعة القضائية للقوانين العادية على جدول الاعمال، بأنه لا توجد فرادة لقوانين الاساس، ولا توجد صلاحية للمحكمة لاستخدام المراجعة القضائية للقوانين العادية التي تتعارض مع قوانين الأساس.

يدور النقاش أمام المحكمة حول درجة صمود ومناعة الديمقراطية في إسرائيل. هل هي خروف يمكن التهامه بسهولة، ببساطة عن طريق لصق كلمة “أساسي” على أي قانون – مهما كان مستبدا أو متعسفا أو شخصيا أو فاسدا أو حقيرا، خلافا لما هو متعارف عليه في دساتير العالم، دون اشتراط أي صفة تميز بين قانون الاساس والقانون العادي من حيث المواد الخاضعة للتنظيم أو الاجراء التشريعي أو الاغلبية المطلوبة؟

أي أن قوانين الاساس التي استهدفت تشكيل إسرائيل كدولة قانون ديمقراطية وليبرالية، هي في الاساس الاختراع الذي يوجد في يد اعداء الديمقراطية من اجل هزيمتها من الداخل. حسب اسلوب من يتنكرون للمراجعة القضائية لقوانين الاساس فان الديمقراطية في إسرائيل هي خروف للذبح، لا سيما بعد التراجع الذي مر فيه مصطلح “قانون اساس” في السنوات الاخيرة، حيث أصبح مادة في يد المشكل، يطيلها متى يشاء ويقصرها متى يشاء. في العالم الذي يوجد فيه مكان للتفكير العقلاني فانه من غير الممكن قبول هذا الوضع بعقل صاف، وبالاحرى سلطة وضع قوانين الاساس لا بد أن تكون خاضعة للمراجعة القضائية.

ليس بالصدفة أن الائتلاف اعلن الحرب على المعقولية، لأنه يمكن للأسلوب النظامي الانقلابي أن يستند فقط الى قواعد عدم المعقولية وعدم المنطق. لا يوجد ديمقراطية أو سلطة قانون يمكن أن تكون بدون أساس من المعقولية. إذا تنازلتم عن هذه القاعدة فقد استللتم الأنفاس. يشير الكثير من الاشخاص الجيدين الى اغلبية خاصة، ثلثي اعضاء الكنيست، كحاجز محتمل أمام سن تشريع تعسفي في المستقبل. للأسف، لا اؤيد ذلك. ومن ينظر بشكل جيد الى وجه المعارضة في إسرائيل سيعرف أن الفلسطينيين في “المناطق” والفلسطينيين مواطني إسرائيل وطالبي اللجوء وغيرهم غير محميين حتى لو كانت الأغلبية المطلوبة للمس بهم هي 80 عضو كنيست.

هناك أيضا فرادة لهذا النقاش أمام المحكمة. السائد في العالم هو أن المتقاضينـ الذين يمثلون أمام محكمة هي سلطة قضائية نهائية، يوافقون من البداية على حكمها، سواء أكان في صالحهم أم في غير صالحهم، وسواء أكان مقبولا عليهم أم يختلفون معه بشدة. يحق لهم إسماع صوتهم أمام محكمة تستند بشكل كبير الى هذا الاستعداد المفهوم ضمناً. في هذه الحالة يعلن أعضاء مركزيون في الحكومة وفي الكنيست بأنهم لا يلتزمون بقرار الموافقة على قرار المحكمة اذا لم تحكم حسب رأيهم. وبعضهم يعلنون بأنهم لن يوافقوا على قرار حكمها. وهذا تعبير آخر عن المسار الخطير الذي اختار الائتلاف اتباعه وهو التخلي عن حكم القانون وإحلال السلطة الغاشمة مكانه، تلك التي لا يمكن السيطرة عليها والتي توجد في يد الحكومة، وتوجيه التهديدات للسلطة القضائية وبذل الجهود للمس باستقلاليتها وطابعها ومكانتها.

من المشكوك فيه إذا كان جميع اعضاء الائتلاف يدركون معنى هذه الصفعة في وجه السلطة القضائية وسلطة القانون. وقد شاهدنا في السابق كيف انزلق الائتلاف الى داخل انقلاب نظامي كامل بدون أن يتم فحص جميع التداعيات. هذا سيكون له تداعيات مدمرة على الامن والاقتصاد وعلاقات إسرائيل الخارجية وعلاقاتها مع يهود الشتات. وسيتم ايضا سحق نسيج إسرائيل كدولة قانون. وكخارقة بنفسها للقانون فان الحكومة ستفقد الشرعية في مطالبة المواطنين بتنفيذ القانون. لا يدور الحديث عن اللعب بالنار، بل يدور عن وضع عبوة ناسفة وتشغيلها ضد سلطة القانون. الشعور بالخيانة وخيبة الامل والغضب في اوساط الذين أقسموا بالولاء لدولة إسرائيل القديمة والضائعة سيزداد بشكل كبير. في الوقت ذاته سيتسع ويتعمق منظور وسائل الاحتجاج والمعارضة وسيتم استخدامها بشكل واسع ودائم. ومثلما في الدفاع عن النفس فان كل المسؤولية عمّا اضطر المدافع عن نفسه أن يفعله للدفاع عن نفسه ملقاة على المعتدي، أي الائتلاف الانقلابي. يصعب التصديق بأنه ازاء معارضة تتفاقم وتتسع وتمتد الى جميع الذين لديهم عقلانية، ستتمكن هذه الحكومة الفظيعة من الصمود. الآن يجب اعادة ترتيب القوى السياسية الليبرالية كي يكون لها تعبير مخلص وحقيقي. وبدلا من الخطاب الفارغ في هذه المرحلة عن المصالحة والوحدة يجب علينا في البداية رسم خطوط إسرائيل، التي لا يحكمها متطرفون قوميون ومسيحانيون، إسرائيل التي تعلمت كل الدروس حول تدهور الديمقراطية وما هو مطلوب فعله من اجل تحسين الديمقراطية ومنع أي تطور مشابه في المستقبل.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى