ترجمات عبرية

هآرتس – ماذا بقي أمام الغرب سوى “الدعاء” لعزل بوتين؟

هآرتس ٤-٣-٢٠٢٢م – الون بنكاس

خلال 72 ساعة، من الخميس الماضي، غيرت أوروبا موقفها من روسيا.

خلال 72 ساعة، تحول الناتو إلى حلف قوي وموحد.

خلال 72 ساعة، فرضت العقوبات الاقتصادية الأثقل والأغلى في تاريخ العلاقات الدولية على روسيا. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وسنغافورة وتايوان وبنوك تجارية وبنوك استثمارات وشركات نفط وشركات بناء وشركات طيران وشركات تكنولوجيا ضخمة تنتج الرقائق واتحاد رياضية ودور أوبرا… جميعها تشارك في العقوبات على اقتصاد روسيا ومؤسساتها والنخبة المالية فيها.

خلال 72 ساعة، تحولت روسيا إلى دولة مبتذلة ومعزولة ومقطوعة، كل ذلك بسبب شخص واحد هو فلاديمير بوتين، الذي قرر غزو دولة جارة بدون استفزاز أو تهديد.

منذ ذلك الحين، يحاول العالم كل 72 ساعة حل لغز السؤال: “ما هدفه؟” أهو في وضع نفسي – إدراكي، مسيحاني – وطني، يتخيل فيه نفسه الذي سيشكل فصلاً جديداً في تاريخ روسيا؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن الجدير عدم استبعاد التهديد الذي أشير إليه، وهو استخدام السلاح النووي. وإذا لم يكن كذلك، فما هي الاستراتيجية وهل هناك نهاية تلوح في الأفق؟

         في الشهر والنصف الأخير لم يكن بالإمكان التكهن بما سيفعله بوتين، وأي مسار سيختار من بين البدائل التي تقف أمامه، وهذه حقيقة أصبحت مبتذلة ومستهلكة. كانت الإجابة وما زالت أنه لا يمكن معرفة ذلك. والمخابرات المتطورة والأكثر اختراقية ستجد صعوبة في إعطاء إجابة.

يمكن تحليل أهدافه ويمكن رسم السيناريوهات التي تنبع من خارطة المصالح التي وصفها في السابق، لكن لا يمكن معرفة مرحلته المقبلة. افتراض أن لبوتين خطة عمل منظمة ومشتقة من استراتيجية شاملة، هو افتراض خاطئ. هناك أهداف استراتيجية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه هناك خطة عمل. قبل الغزو بأسبوع، الخميس الماضي، غيرت الولايات المتحدة النغمة. فمن تقدير شامل لمظاهر دالة واحتمالية عالية للغزو، مع التحفظ بأنه “لا يمكن معرفة ما سيفعله بوتين”، بدأوا يتحدثون عن يقين في حدوث حرب. واستندت المخابرات الأمريكية إلى معلومات موثوقة، وكانت دقيقة في التقديرات في الأيام التي سبقت الغزو مباشرة. وهذا لا يجيب على سؤال حول ما إذا كان هذا هدفه من البداية.

يبدو أن السؤال الحالي -الذي يهيمن على النقاشات والتحليلات في أمريكا وأوروبا حول هدف بوتين النهائي ولعبته النهائية في اللغة الاحترافية لإدارة الأزمات والحروب، ليس له إجابة قاطعة. هناك عدة افتراضات تأخذ شكل “سيناريوهات النهاية”، وتدمير واحتلال كامل لأوكرانيا، وإسقاط الحكومة في كييف أو مفاوضات دبلوماسية. لكل سيناريو من هذه السيناريوهات احتمالية أكبر لعدم تحققه من احتمالية تحققه.

روسيا لا يمكنها فعلياً احتلال أوكرانيا والسيطرة عليها. فهذه الدولة أكبر من فرنسا وبريطانيا، وهي تقريباً بحجم ولاية تكساس، مع 45 مليون نسمة، معظمهم يكرهون روسيا، بالتأكيد بعد القصف بقنابل عنقودية وقنابل فراغية أو وقود جوي. لا توجد احتمالية للوجستية احتلال روسي.

قد تحتل روسيا كييف وتسقط حكومة أوكرانيا. هذا جيد، ولكن ماذا بعد؟ من سيحكم أوكرانيا؟ من سيديرها؟ من سيمولها؟ كيف ستواصل روسيا هذا الوضع الذي تحمل فيه عبء العقوبات الشديدة، مع اشتداد مقاطعة شاملة لاقتصادها الضعيف؟

مفاوضات دبلوماسية تبدو احتمالية معقولة في الوقت القريب. سيقول الجميع: “يجب القيام بعملية دبلوماسية” ويجب “إيجاد خطة مقبولة”. قائمة الطلبات التي قدمتها روسيا للولايات المتحدة والناتو قبل ثلاثة أسابيع هي قائمة الحد الأعلى، التي عززت التقدير بأن هذه ليست أزمة حول أوكرانيا أو أزمة ستنتهي في أوكرانيا، بل هي ذريعة روسية لتغيير بنية النظام الأمني في شرق أوروبا. هي قائمة رفضتها الولايات المتحدة والناتو بشكل كامل. مجرد التفكير أن بوتين يغزو دولة مستقلة ويقصف مدناً ومواطنين دون أن يشكلوا استفزازاً أو تهديداً عسكرياً، وأنه لا يفعل ذلك إلا لمنع انضمامها للناتو، إنما هو تفسير ضعيف وذريعة بائسة.

والتفكير بأنه كان يمكن منع الحرب لو عفت الولايات المتحدة عن “غطرستها وجلالها” مثلما حاول المنتقدون وصف ذلك، هو تفكير غير واقعي. وهذه الأفكار لا تذكر فقط بأزمة سوديت لاند من العام 1938، بل تعكس أيضاً المستقبل القريب لعدد من الدول، مثل مولدوفا ودول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا)، التي هي أعضاء في الناتو.

من قال إن بوتين سيكتفي بأوكرانيا؟ حتى بوتين لم يقل ذلك. جوقة من يفهمون والحساسون لضائقته هي التي قالت ذلك. تبدو الاحتمالية ضعيفة في هذه الأثناء. ويبدو بوتين في هذه النقطة الزمنية ضعيفاً، ووقف الحرب والدخول إلى المفاوضات ستشكل اعترافاً بالفشل العسكري والخطأ السياسي بالمقياس التاريخي، لأن كل ذلك في نهاية المطاف يمكن إنجازه بدون التهديد وبدون الغزو. وبالتأكيد بدون عقوبات وبدون تحويل روسيا إلى دولة منبوذة.

إذا كانت احتمالية هذه السيناريوهات منخفضة، ولا تفسر استراتيجية بوتين بصورة مرتبة ومنطقية، فما الذي يمكن أن يكون معقولاً؟ الافتراض أنه لم يكن هناك هدف نهائي يوماً ما، بل محاولة مبلورة وعنيفة لتغيير بنية النظام الأوروبي وفضاء النفوذ الروسي. في مقال طويل نشره في تموز 2021 بعنوان “الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين” وفي خطابه الثلاثاء في 22 شباط الماضي، فتح بوتين كوة واسعة لطريقة تفكيره. هناك عالم وفضاء روسي، “روسكي مير”. وتم تقليص هذا الفضاء من قبل الولايات المتحدة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991، لكن جذوره القومية والدينية تعود إلى القرن الثالث عشر. هذا عالم يريد بوتين إقامته بالتدريج، إذا لم يكن مادياً فنظرياً على الأقل. لذلك، ليس هناك أسباب كثيرة لمحاولة تقدير ما سيفعله في الغد أو كم سيتسع التصعيد العسكري ويتعمق في الأيام القريبة القادمة.

أمس اتصل بوتين مع الرئيس الفرنسي، وأجريا محادثة امتدت، حسب قصر الإليزيه، ساعة ونصف. كان استنتاج ماكرون بائساً، وفق القصر. الحرب ستستمر، والأسوأ ما زال أمامنا. بوتين يتوجه نحو التصعيد، ومصمم على السيطرة على كل أوكرانيا، ويتحدث عن “استئصال النازية” من أوكرانيا و”نزع سلاحها”. هذه مفاهيم مأخوذة من سياسة الحلفاء تبلورت في مؤتمر بوتسدام بخصوص ألمانيا المحتلة صيف 1945.

من يعتقد أن هذه حرب ستنتهي باحتلال خاركيف، إنما يفوت رؤية الصورة الكبيرة. الطريقة الوحيدة لإنهاء ذلك بدون كارثة أكبر مما نراه الآن هي التغيير من الداخل. إذا انضمت أجزاء من النخبة الروسية، التي في الطريق المضمون لفقدان كل ممتلكاتها، إلى جزء من القيادة العليا للجيش وإلى جزء من الباساف (وريثة الـ كي.جي.بي) فثمة أمل. وإذا قرر هؤلاء أن الثمن الذي يجبيه بوتين من حاضر ومستقبل روسيا يعرض أمنها الوطني للخطر، وقد يحولها إلى دولة فاشلة لعشرات السنين، فإنهم سيوقفونه وسيجردونه من منصبه، أي عزله ببساطة.

هذا يبدو مثل أمنية ذات احتمالية ضعيفة التحقق، لكن واشنطن ولندن وبرلين وباريس لا تعول إلا على هذا. وإذا لم يحدث، فالحرب طويلة.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى