هآرتس: لن يتمكن المحققون في الجيش من فهم اخفاق 7 أكتوبر
هآرتس 10/12/2025، اوري بار يوسف: لن يتمكن المحققون في الجيش من فهم اخفاق 7 أكتوبر
رئيس الأركان ايال زمير، كما نعرف، امر بتشكيل طاقم تحقيق محدد لفحص فشل الجيش في معالجة خطة هجوم حماس، “سور اريحا”. على راس هذا الطاقم سيقف الجنرال احتياط روني نوما، وسيضم أيضا خمسة ضباط كبار في الاحتياط. ستكون لهذا الطاقم الأدوات لرسم الطريق التي مر بها، وفيها فقد المعلومات التي وصلت الى أجهزة الاستخبارات عن الخطة – يمكن الافتراض بان التحقيق الذي سيجرى سيستند الى توثيق مفصل، لكن يصعب التصديق بانه يمتلك الخبرة المهنية والفكرية المطلوبة من اجل فهم ليس فقط كيفية حدوث الفشل، بل معرفة جذوره أيضا. في هذا الصدد يقترح على أعضائه ان يتعلموا من التجارب المكتسبة من إخفاقات مشابهة في تاريخ الأمم الأخرى وفي تاريخنا. كلمات السحر لوصف الفشل هي “التمسك بالتصور”، لكن يجب أيضا فهم كيف تولد هذا التمسك، ومن اجل ذلك فان الطاقم يحتاج الى خبراء من الخارج. وهاكم عدة امثلة من اجل فهم ما نتحدث عنه.
في حزيران 1941 رفض ستالين تصديق ان هتلر سيشن هجوم شامل على الاتحاد السوفييتي. وبقي يتمسك برأيه حتى بعد إبلاغه بان هجمات الالمان تشن على طول الجبهة كلها. ويعود ذلك الى انه بقي حتى اللحظة الأخيرة يتمسك بتصور ان المانيا لن تشن حرب في الشرق قبل انهاء حربها ضد بريطانيا في الغرب.
بعد نصف سنة ادركت الولايات المتحدة بان بيرل هاربر كانت هدف لهجوم ياباني واسع النطاق، وذلك فقط عندما بدأت الطائرات القتالية اليابانية بالقاء القنابل على السفن الحربية الراسية في الميناء. كانوا يعرفون ان اليابانيين يعتزمون شن هجوم في المحيط الهاديء، لكنهم رفضوا حتى اللحظة الأخيرة، لاسباب كثيرة، تصديق ان بيرل هاربر ستكون هدف الهجوم.
في تشرين الثاني 1950، اسرت القوات الأمريكية عشرات الصينيين الذين كانوا يقاتلون في شبه الجزيرة الكورية، وقدموا شهادات بان الصين أرسلت قوات عسكرية كبيرة من اجل وقف الجنرال دغلاس ماك آرثر في طريقه لاحتلال كوريا الشمالية بالكامل. ولكن الجنرال استخف بقدرة الجيش الصيني، وبقي يعتقد انها خدعة وتمسك بوعده، انهاء الحرب مع حلول عيد الميلاد. النتيجة كانت مفاجأة كبيرة، واكبر هزيمة في تاريخ الجيش الأمريكي.
عشية دخول الجيش المصري الى شبه جزيرة سيناء، ونشوء الازمة التي أدت الى حرب الأيام الستة، قدرت شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، بان جمال عبد الناصر لن يقدم على الخطوة التي اتخذها طالما ان جيشه عالق في حرب اليمن. وحتى عندما تبين خطأ هذا التقدير بقي ضباط “أمان” يتمسكون حتى اللحظة الأخيرة بفكرة ان جمال عبد الناصر لن يعلن عن اغلاق مضائق تيران، لانه كان يخشى من قوة الجيش الإسرائيلي، ويعرف ان هذه الخطوة ستؤدي الى حرب. فقط بعد ان اعلن جمال عبد الناصر عن الاغلاق علنا ادركوا خطأهم.
قصة فشل الإنذار في عيد الغفران في 1973 معروفة جيدا، لكن تجدر الإشارة دائما الى استنتاجات لجنة اغرانات، ان جوهر المشكلة يكمن في التمسك العنيد لمن اطلقت عليهم اللجنة “جهات التقييم”، بفكرة ان مصر رغم كل المعلومات التي خالفت ذلك، لن تدخل الحرب الا بعد حصولها على طائرات هجومية بعيدة المدى. وكان هذا هو السبب وراء قرار اللجنة اقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ايلي زعيرا، ورئيس قسم الأبحاث فيها آريه شليف، وكبير الخبراء فيها في الشؤون المصرية يونا بيندمان.
من هنا جاء فشل 7 أكتوبر، وبالتحديد استمرار تجاهل خطة “سور اريحا”. من الواضح ان هناك تمسك عنيد بفكرة ان حماس مردوعة وانها لا ترغب في مواجهة عسكرية. ولكن خلافا لاخفاقات الإنذار الأخرى، فقد كان التمسك بهذه الفكرة هنا عامل مشترك بين مئات المقيمين في “أمان”، الشباك والموساد كما يبدو. المرأة الصالحة الوحيدة كانت و.، ضابطة الصف التي نذكرها بالخير.
اجماع واسع وعميق كهذا هو حالة نادرة جدا. في اخفاقات الإنذار المعروفة يمكن الإشارة الى افراد كانوا مسؤولين عن الفشل، وكذلك أيضا الى آخرين قدموا التقييم الصحيح. مثلا، ستالين، المصاب بجنون العظمة، استمر في تصديق هتلر، وتجاهل المعلومات الممتازة التي جمعتها أجهزة الاستخبارات التابعة له، بينما قدر القادة العسكريون بان هتلر كان ينوي الهجوم. اما ماك آرثر، المصاب بجنون العظمة والنرجسية الى درجة كبيرة، فقد تجاهل تماما تقييم قادة فرقه وضباط المخابرات الذين اعتقدوا ان تهديد الصين كان خطير. في حالتنا، زعيرا وبيندمان، المثالين البارزين على ما يعرف في علم النفس بنمط الشخصية ذات الحاجة الملحة للانغلاق المعرفي، تجاهلا احتمالية خطأهما، في حين كان كثيرون في شعبة الاستخبارات العسكرية يعتقدون بالفعل أن الحرب قريبة.
في المقابل، في موضوع هجوم حماس وقضية “سور اريحا”، التمسك العنيد بالتصور ليس فقط استمر حتى الساعة 6:29 في صباح 7 أكتوبر، بل هو أيضا كان مشترك بين الجميع، رغم انه كان معروف ان حماس تتدرب طوال الوقت على هجمات برية على نماذج مستوطنات ومنشآت عسكرية بنتها في القطاع، ورغم ان خطة هجوم شامل كانت في يدنا، ورغم ان السيناريو المرجعي للاستخبارات العسكرية كان هجوم على مستوطنة أو مستوطنتين.
من اجل علاج هذا الفشل متعدد الابعاد فانه لا يكفي الاعتماد على الافراد العسكريين مهما كانت خبرتهم وذكاءهم. هذا نظام استخباراتي شديد التقييد، والذي ينقصه، لاسباب ثقافية واجتماعية ونفسية، التفكير الإبداعي. ومن اجل فهم لماذا قام الكثير من الضباط بتعديل، بوعي أو بدون وعي، تقييماتهم لتتلاءم مع المواقف السائدة، نحن بحاجة الى نوع مختلف من الخبراء: علماء انثروبولوجيا وعلماء اجتماع وعلماء نفسيين.
لذلك فانه يجدر أن تتوجه اللجنة التي يشكلها الجيش برئاسة نوما الى خبراء مثل هؤلاء لمعرفة ما الذي حدث حقا هناك وكيفية علاج ذلك.



