ترجمات عبرية

هآرتس: لا يمكن إعادة لبنان إلى العصر الحجري، فهو موجود بالفعل

هآرتس 13-1-2023، بقلم تسفي برئيل: لا يمكن إعادة لبنان إلى العصر الحجري، فهو موجود بالفعل

ما الذي يمكن أن يفعله المواطن اللبناني عندما يأتي موعد خروجه من السجن ولا يوجد قاض للتوقيع على أمر إطلاق سراحه؟ لمن سيتوجه المعتقل الذي لم تقدم ضده لائحة اتهام في حين تستمر الشرطة في اعتقاله؟ كيف يمكن لمواطنة لبنانية الحصول على حقوقها في البيت الذي ورثته؟ هذه ليست أسئلة نظرية. يرى عشرات آلاف المواطنين في لبنان أن المحاكم غير قائمة، أي، هي موجودة ولكن الغبار بات يغطيها منذ آب الماضي بكل معنى الكلمة. القاعات في المحاكم غير مصونة، وعمال النظافة لا يأتون، وبالأساس يجلس القضاة والمدعون العامون في البيوت وينتظرون الميزانية التي ستمكنهم من العودة إلى عملهم.

هو إضراب جهاز القضاء الأطول في تاريخ لبنان. إن انخفاض سعر الليرة اللبنانية 90 في المئة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في 2019، حول القضاة إلى الحالات الاجتماعية. راتبهم الشهري حسب السعر في السوق السوداء هو 150 دولاراً، مقابل 4500 دولار قبل الأزمة. يقول القضاة والمدعون العامون لوسائل الإعلام في لبنان بأنه إضافة إلى انخفاض الراتب، فإن معظم المزايا الاقتصادية التي كانوا يتمتعون بها مثل الخدمات الصحية ونفقات السفر، تبخرت. من أجل التسليم بهذه الإهانة اكتشفوا أن عليهم أن يشتروا بأنفسهم أدوات الكتابة؛ لأنه لا كهرباء في قاعات المحاكم لا مياه في الحمامات.

لم تجد جهود القضاة والمدعين العامين إلا وعوداً فارغة من وزارة العدل. بين حين وآخر يوافق قاض على المجيء إلى المحكمة لحل قضية لا يمكن تأجيلها، أو لمساعدة أحد أبناء عائلته للحصول على القليل من العدل. في غضون ذلك، يختلف المجرمون، فعندما يتم اعتقالهم يعرفون أنه لا يوجد من يمدد اعتقالهم، والشرطة تعرف بأنه لا حاجة لتسريع التحقيق معهم، لأن موعد تقديمهم للمحاكمة غير معروف في الأصل.

في الوقت الذي يواصل فيه القضاة إضرابهم، انضم إليهم هذا الأسبوع المعلمون في جهاز التعليم، الذين أعلنوا في الإثنين الماضي عن إضراب مدة أسبوع، وقد يمدد إلى أكثر من ذلك. المعلمون أيضاً سئموا من الوعود العبثية التي حصلوا عليها حتى الآن من وزير التعليم. هم يطالبون بإصلاحات شاملة في الرواتب، وتعويض مناسب عن نفقات السفر التي ارتفعت بعشرات النسب المئوية هذه السنة. ثمة إهانة أخيرة ألقيت في وجوههم عندما اقترحت عليهم وزارة التعليم زيادة تبلغ 5 دولارات لكل يوم عمل، أي 130 دولاراً بالمتوسط، التي يجب عليهم فيها تغطية نفقاتهم الشهرية.

قررت وزارة التعليم في هذا الأسبوع وقف التعليم في النوبة الثانية للطلاب غير اللبنانيين. والمعنى أن نحو 50 ألفاً من أولاد اللاجئين السوريين الذين يشكلون معظم طلاب النوبة الثانية، لن يتمكنوا من التعلم. ولكن ليسوا هم فقط، إذ يتعلم في هذه الصفوف أيضاً أبناء اللبنانيين الفقراء وأبناء اللاجئين الفلسطينيين.

“إذا كان الأولاد اللبنانيون لا يمكنهم التعلم (بسبب الإضراب)، فإن أولاد الأجانب أيضاً لن يتعلموا”، قال وزير التعليم، عباس حلبي. الهدف الحقيقي الذي يقف وراء هذا القرار هو إجبار مؤسسات الإغاثة الدولية والدول المانحة على زيادة المساعدات للبنان، من خلال استخدام اللاجئين للحصول على التمويل. ولكن هذه المؤسسات لا تنوي الموافقة على هذا الطلب. فهي تشير إلى أن الحكومة اللبنانية لم تستغل حتى الآن كل أموال المساعدات التي حصلت عليها أو أنها استخدمت جزءاً منها لتمويل نشاطات حكومية أخرى. في هذه الأثناء، يضطر كثير من الطلاب، الذين يتعلمون في المدارس الخاصة باهظة الثمن ولكنها أكثر جودة، إلى ترك المدرسة والتعلم في جهاز التعليم الحكومي الأقل جودة، وبذلك يفقدون فرصة مواصلة التعليم العالي.

       أزمة سياسية

مشكلات لبنان تجتمع في رزمة كبيرة. إذا كان السياسيون والجنرالات في إسرائيل هددوا بإعادة لبنان إلى العصر الحجري إذا فتح “حزب الله” جبهة ضد إسرائيل، فاليوم يظهر أن العصر الحجري لا يعتبر التهديد الأفظع الذي يجب على لبنان أن تخاف منه؛ فهو قريب جداً منه. في الوقت الذي تحولت فيه المحاكم والمدارس إلى مفاهيم نظرية، ترسو في ميناء بيروت ثلاث ناقلات نفط منذ ثلاثة أسابيع، محملة بالوقود المخصص لمحطة الكهرباء التابعة لشركة الكهرباء اللبنانية. كل يوم تأخير في إنزال الشحنة يكلف نحو 18 ألف دولار لكل ناقلة. بالإجمال، تراكم حتى الآن دين يبلغ 300 ألف دولار مقابل رسوم الرسوم والغرامات.

سبب تأخير إنزال حمولة الناقلات الفوري والمباشر هو نقص الأموال لدفع ثمن الوقود، لكن كما هي الحال دائماً، يستند هذا النقص إلى خلاف سياسي شديد. المبلغ الذي هو بالإجمال 62 مليون دولار، يمكن لرئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، أن يأمر بدفعه بأمر إداري. ولكن ميقاتي يريد من كل الحكومة أن تتخذ هذا القرار، ويطالب أيضاً أن تقدم شركة الكهرباء ضمانات لتسديد هذا القرض.

موقف ميقاتي يستند، ضمن أمور أخرى، إلى القانون الذي ينص بأن هذه المخصصات تتخذ بقرار من الحكومة، لكنها تستند بالأساس إلى رغبة رئيس الحكومة في إظهار الزعامة وإجبار الحكومة على عقد جلسة. في هذا الأسبوع، نشر رسالة خاصة للوزراء طلب فيها منهم الاجتماع، وقدم بالتفصيل جدول أعمال الجلسة الذي تضمن من بين أمور أخرى المصادقة على المخصصات لشركة الكهرباء والمصادقة على التوقيع على اتفاق استيراد النفط من العراق وتسوية رواتب المعلمين واعتماد التعيينات في الجيش.

لكن الجلسة تأجلت بسبب الحداد على موت حسين الحسيني، الذي كان رئيس البرلمان في التسعينيات واعتبر مهندس اتفاق الطائف من العام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت 15 سنة تقريباً. اليوم يتوقع أن تجتمع الحكومة، من غير الواضح إذا كان هذا سيحدث حقاً. بدون مصادقة الحكومة، ستبقى شركة الكهرباء مع 6 آلاف طن من الوقود فقط، وهي كمية تكفي لإنتاج ساعة كهرباء واحدة في اليوم للمنازل، وتزويد الكهرباء للمستشفيات والمطار.

هناك سبب آخر مهم لتصميم ميقاتي. فوزارة الطاقة، المسؤولة ضمن أمور أخرى عن شركة الكهرباء، أديرت بشكل تقليدي من قبل وزراء في حزب “التيار الوطني الحر”، الذي قاده الرئيس المنصرف ميشال عون، والذي يقف على رأسه الآن صهره جبران باسيل. راكمت الشركة خلال سنين خسارة وديوناً تبلغ 40 مليار دولار تقريباً، وهي تشكل الشريحة الأكبر من الدين الوطني اللبناني. صندوق النقد الدولي، الذي يطلب منه لبنان قرضاً بمبلغ 10 مليارات دولار، سيكون مستعداً للمساعدة. ولكن أحد الشروط الأساسية الذي يطلب الصندوق تنفيذه قبل المصادقة على القرض هو إجراء إصلاحات عميقة في بنية شركة الكهرباء، تشمل تعيين هيئة جديدة لإدارة الشركة وإدارة مجال الكهرباء.

معنى ذلك من ناحية الحزب وعائلة عون، هو أن هذه البقرة الحلوب، التي تحولت إلى بقرة هزيلة مع مرور السنين، ستؤخذ من بين أيديهم. وافقت حكومة لبنان مبدئياً على شرط صندوق النقد، لكنها منذ بضعة أشهر لا تنجح في تشكيل سلطة جديدة للكهرباء. الآن يحاول ميقاتي إجبار الحكومة، لا سيما خصمه باسيل، على المشاركة في جلسة الحكومة والمصادقة على السلفة، لكن بشروط يحددها رئيس الحكومة. وإذا رفض باسيل، فيمكن لميقاتي أن يحمله المسؤولية. وإذا لم يشارك آخرون في الجلسة فيمكن لباسيل التملص من المسؤولية الحصرية عن الضرر الذي حدث.

في هذه الأثناء، باسيل هو العامل الأساسي الذي يمنع عقد جلسة الحكومة. ولكن ليس بسبب قضية شركة الكهرباء. فبعد استقالة صهره من الرئاسة في تشرين الأول، عرض باسيل نفسه كمرشح، لكن سرعان ما أدرك بأنه لا يمكنه توقع تأييد معظم أعضاء البرلمان، كما هو مطلوب حسب الدستور. لذلك، أعلن عن سحب ترشحه، ولكن ليس بشكل نهائي. وهدفه الآن هو منع انتخاب أي رئيس آخر كي يتمكن في نهاية المطاف من الترشح. منذ ذلك الحين حاول البرلمان أن ينعقد 11 مرة لانتخاب رئيس جديد ولكن بدون نجاح، ليس بسبب غياب أعضاء البرلمان الذين يمثلون التيار الوطني الحر، فـ “حزب الله” أيضاً يساهم بنصيبه في هذا الصراع، حيث يؤيد ترشح سليمان فرنجية الذي يعارضه باسيل. في حين أن الحزب الدرزي برئاسة وليد جنبلاط وأعضاء البرلمان المستقلين الذين يفضلون ميشال معوض، الذي يعارضه “حزب الله” بسبب تاريخ العلاقات بينهم وكراهيته للحزب.

وثمة مرشح آخر قد يكون مقبولاً لدى معظم الأطراف هو قائد جيش لبنان، الجنرال جوزيف عون (لا توجد علاقة بينه وبين عائلة الرئيس ميشال عون). ولكن حتى يكون مرشحاً، يجب تغيير القانون الذي يمنع ضباطاً في الخدمة من الترشح لمناصب سياسية. في الظروف العادية، لم يجد لبنان يوماً ما صعوبة في تغيير القانون، ولا حتى الدستور، عندما تخدم هذه التغييرات مصالح النخب، ولكن أي تغيير كهذا اليوم قد يصطدم بسور منيع من السياسيين الذين يخافون من فقدان مصدر قوتهم. لا يوجد للبنان في هذه الأثناء رئيس، ومن غير الواضح في معركة لي الأذرع هذه متى سيتم انتخاب رئيس جديد. ولإجبار البرلمان على انتخاب الرئيس (الصحيح) تدير الأطراف المتخاصمة الحرب عبر مقاطعة الحكومة، أي على حساب المواطنين اللبنانيين.

يتوقع في هذا الشهر أن يلتقي ممثلون عن السعودية وقطر وفرنسا وأمريكا في باريس لبلورة نصيحة حول كيفية إنقاذ لبنان من الأزمة السياسية. لم تتم دعوة أي ممثل عن لبنان وكأن الأمر لا يتعلق بالدولة المعلقة على الحبل. ولكن يبدو أنه لا أي سبب لحبس الأنفاس قبل هذا اللقاء. الولايات المتحدة والسعودية تعارضان تعيين رئيس يكون حليفاً لــ ”حزب الله”، وقطر وفرنسا تتأثران بصورة أقل من هذه الصعوبة. بالنسبة لهما، تعيين رئيس حتى لو جاء من المريخ هو أمر حيوي كي يستطيع لبنان البدء في ممارسة مهماته. في الوقت نفسه، يبدو أن “حزب الله” لا يتأثر بأي طرف. سيكون القرار النهائي له، سواء أحبت السعودية وأمريكا ذلك أم لا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى