هآرتس: لا أحد يريد حربا في لبنان ونزع سلاح حزب الله هو ورقة المساومة السياسية
هآرتس – تسفي برئيل – 14/12/2025 لا أحد يريد حربا في لبنان ونزع سلاح حزب الله هو ورقة المساومة السياسية
التهديد بحرب في لبنان وصل الى مرحلة مطلوب فيها تدخل طوكو (ايلي وولش)، من المشهد الخالد في فيلم “الطيب والشرس والقبيح”. لقد نصح وولش وهو يجلس في حوض الاستحمام وقال: “اذا اضطررت الى اطلاق النار، فأطلق ولا تتكلم”، ثم اطلق النار على من يطارده وقتله. الامر نفسه ينطبق على لبنان، حيث لا يبدو أن أي طرف من الطرفين يرغب في استئناف الحرب. اسرائيل تواصل هجماتها الجوية مثل الهجمات الكثيفة التي استهدفت عناصر قوة “الرضوان” أمس، وما يوصف بـ “البنى التحتية للارهاب”.
حزب الله يواصل تمسكه باستراتيجية عدم الرد من اجل “احباط مؤامرة اسرائيل العمل بصورة انتقائية اكثر ضد لبنان”، كما برر الامين العام للحزب في تشرين الاول. الولايات المتحدة من ناحيتها تحذر لبنان من انه اذا لم يظهر العزم والقدرة على نزع سلاح حزب الله فان اسرائيل ستشن حرب شاملة. وقد نقل عن دبلوماسيين غربيين رسائل مشابهة للقيادة في لبنان. ولكن مشكوك فيه ان تعطي واشنطن الاشارة. فبالتوازي مع الخطاب التهديدي يتم شن حملة دبلوماسية كثيفة تشارك فيها فرنسا والسعودية ومصر الى جانب واشنطن، وتهدف الى تحديد الخطوات التالية من اجل التقدم. وقد تقرر عقد لقاء رفيع المستوى في باريس في يوم الاربعاء القادم، ويتوقع ان يشارك فيه من بين آخرين السفير الامريكي في لبنان مورغان اورتاغوس وقائد الجيش اللبناني اللواء رودول هيكل.
هيكل يتوقع ان يعرض في اللقاء بيانات حول نشاطات الجيش حتى الآن، وعدد السلاح المصادر ومنشآت حزب الله التي اصبحت تحت سيطرته، اضافة الى طلبات الجيش للمرحلة القادمة. وبعد يومين، في 19 كانون الاول، يتوقع ان يتم عقد في الناقورة نقاشات حول آلية الرقابة على تنفيذ وقف اطلاق النار بمشاركة ممثلين مدنيين من اسرائيل ورجل هيئة الامن الوطني الاسرائيلي اوري ريزنك وممثل لبنان سيمون كرم.
اللقاءات في باريس وفي االناقورة سيتم عقدها في ظل الاقرار بان لبنان لن يتمكن من استكمال مهمته التي تتمثل بنزع أو تحييد سلاح حزب الله في نهاية السنة، كما أمر الرئيس الامريكي ترامب. ويبدو ان الاطراف ستضطر الى التوصل الى اتفاق جديد حول الجدول الزمني والانجازات المطلوبة في كل مرحلة. مصادر سياسية لبنانية تحدثت لوسائل اعلام محلية اشارت الى ان الولايات المتحدة، تحت ضغط السعودية وفرنسا، ستوافق على اعطاء لبنان مهلة لمدة شهرين، لكن مشكوك فيه ان يكون هذا كاف للجيش اللبناني من اجل السيطرة على كل السلاح الموجود جنوب الليطاني، ناهيك عن شماله وفي كل ارجاء البلاد، كما ينص على ذلك اتفاق وقف اطلاق النار.
في نفس الوقت حظي تعريف “نزع السلاح” نفسه بتفسيرات مختلفة. فقبل فترة صرح المبعوث الامريكي الخاص في لبنان وسوريا توم باراك بأن “فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة هي فكرة غير منطقية. لا يمكن مطالبة لبنان بنزع سلاح أي حزب سياسي وتوقع السلام. السؤال الذي يجب ان نساله هو كيفية منع حزب الله من استخدام سلاحه”.
اقوال مشابهة اسمعها السفير الامريكي الجديد في لبنان ميشيل عيسى، الذي صرح بتصريحات مشابهة تقريبا في مأدبة عشاء اقيمت في يوم الخميس الماضي تكريما لوفد من اللوبي الامريكي – اللبناني الذي قام بزيارة بيروت. وقد سال النائب ميشيل معوض السفير عيسى اذا كان من الضروري الضغط على حزب الله لنزع سلاحه. وردا على هذا السؤال، حسب تقارير لبنانية، اجاب عيسى: “اذا لم يكن نزع السلاح امر ممكن، فيجب علينا احتواءه”.
لكن ايضا مفهوم “الاحتواء”توجد له عدة تفسيرات. اما ابقاء السلاح الخفيف في ايدي حزب الله والمطالبة فقط بنزع السلاح الثقيل – الصواريخ والمسيرات، أو القاء السلاح، أي تركه لدى حزب الله والتوصل الى اتفاق معه لتسليمه للدولة على مراحل، شريطة أن تنسحب اسرائيل من المواقع الخمسة التي تسيطر عليها في لبنان، ووقف هجماتها واطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين لديها. هذه الترتيبات تعني ان الجيش اللبناني لن يدخل الى صراع عنيف مع حزب الله، وان سلاح حزب الله سيبقى في حوزته كضمان لتنفيذ أي اتفاق بين اسرائيل والحكومة اللبنانية.
امام هذه التفسيرات فقد كان لنعيم قاسم جواب حاسم، حيث قال: “حزب الله لن يتخلى عن سلاحه حتى لو توحد كل العالم لشن حرب ضد لبنان”. ولكنه اضاف: “لقد اصبحت الدولة هي المسؤولة عن سيادة لبنان والدفاع عنه، وطرد الاحتلال وانتشار الجيش. وقد قامت المقاومة (حزب الله) بكل مهماتها لتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، وبالتالي، مساعدة الدولة”.
قاسم قال ان الاتفاق يلزم حزب الله بنزع سلاحه في جنوب الليطاني فقط، وانه يعمل بالتنسيق مع الجيش. ولكن هذه الامور تشير الى الشرك السياسي الذي سقط فيه الحزب. اذا كانت الدولة هي المسؤولة عن أمن لبنان وسيادته فلماذا يستمر في امتلاك السلاح؟. هذا ليس التناقض الوحيد في مواقف الحزب المعلنة، الذي يواجه انتقادات شعبية، ليس فقط من الخصوم السياسيين، بل من جمهوره نفسه، أي السكان الشيعة، الذين ما زال الكثير منهم غير قادرين على العودة الى بيوتهم في جنوب لبنان. ايضا التعويضات التي وعد بها الحزب عن الاضرار التي سببتها لهم الحرب تتأخر في هذه الاثناء.
هذه قضية سياسية حاسمة بالنسبة لحزب الله، الذي يستعد الان للانتخابات العامة التي يتوقع اجراءها في شهر ايار القادم. ونتائجها يمكن ان تحدد توزيع قوة الشيعة بين حركة أمل لرئيس البرلمان نبيه بري وحزب الله. هنا تكمن ايضا مصلحة ايرانية حيوية للحفاظ على الاقل على المعقل السياسي لها في لبنان، بعد ان فقدت سوريا ومعظم التهديد العسكري من جانب حزب الله.
في الاشهر الاخيرة حصلت ايران على عدة صفعات سياسية في لبنان، من بينها منع هبوط الطائرات الايرانية في مطار بيروت، ومحادثة توبيخ للرئيس جوزيف عون لسكرتير عام مجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني. آخرها كان رفض وزير الخارجية اللبناني جوزيف راجي دعوة نظيره الايراني عباس عراقجي لزيارة ايران. راجي اوضح بانه “في الظروف الحالية” لا يمكنه زيارة ايران. واضاف بانه سيكون مسرور بالالتقاء مع عراقجي في بيروت أو في دولة اخرى. يصعب تذكر متى اجرت حكومة لبنان مع ايران حوار فظ وشبه وقح كهذا.
في لبنان يوجد الان من يعتقدون بان جهود ايران بالتحديد للاحتفاظ بالسيطرة على الدولة هو ما قد يدفع طهران الى اصدار اوامر لحزب الله باظهار المرونة بشان مسالة السلاح، خشية أن يؤدي التصميم، الذي سيؤدي الى استئناف الحرب، الى مزيد من التآكل، ليس فقط في القوة العسكرية لحزب الله، بل ايضا في فرصة بقائه السياسي.
ايضا اسرائيل يمكن ان تجد نفسها على شفا معضلة نزع السلاح. فموقفها العلني هو انها لن توافق على أي اتفاق لا يشمل نزع سلاح حزب الله بشكل كامل وشامل، أو تدميره أو تسليمه بالكامل للجيش اللبناني. ولكن مصادر اسرائيلية تخشى ان تظهر الادارة الامريكية مرونة في محاولة لدفع العملية السياسية قدما، والبدء في المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية واقامة منطقة منزوعة السلاح بين نهر الليطاني وحدود اسرائيل (باستثناء الجيش اللبناني)، وضم لبنان الى اتفاقات ابراهيم.
قد يكون لذلك تاثير مباشر على موقف الادارة الامريكية من نزع سلاح حماس. فمثلما هي الحال في لبنان، وايضا الحال في قطاع غزة، يبدو ان الادارة الامريكية لم تعد تعتبر السلاح الذي تمتلكه هذه التنظيمات تهديد امني ووجودي لاسرائيل، ومثلما هي الحال في لبنان فقد تتبنى في غزة ايضا موقف يفيد بأن “نزع السلاح بالكامل غير منطقي”. لذلك فانه يصعب اعتبار طلب نزع السلاح بالكامل عائق امام التوصل الى حل سياسي.
خطة العمل الامريكية للايام والاسابيع القريبة القادمة تدل على ان نزع سلاح حماس لم يعد شرط ضروري للدفاع قدما بخطة اعادة الاعمار. ويبدو ان القوة متعددة الجنسيات، اذا تم انشاءها ونشرها في غزة، لن يطلب منها مواجهة حماس أو الانشغال في نزع سلاحها، بل فقط حماية قوات الشرطة الفلسطينية والادارة المدنية الفلسطينية. ومثلما هي الحال في لبنان فانه يدور الحديث في غزة عن حلول مثل “القاء السلاح” و”منع استخدامه”، وهذه مصطلحات قد تعني السعي الى التوصل الى اتفاق مع حماس بشان سلاحها، مع الموافقة على سيطرتها في غرب غزة.



