هآرتس–لاعائق سيمنع سيطرة طالبان بعد مغادرة امريكا لافغانستان
هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 15/8/2021
” احتلال طالبان السريع لافغانستان واستسلام الجنود الافغان اثبت أنه رغم التمويل، إلا أن الولايات المتحدة لم تنجح في بناء جيش افغاني قوي “.
طالبان لم ينتظروا نهاية فيلم الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترامب، الذي بدأ بعرضه قبل سنة ونصف. فقد قاموا في هذا الاسبوع بالضغط على زر التقديم السريع وتقدموا بسرعة نحو العاصمة كابول ودفعوا واشنطن الى زاوية ضيقة وخطيرة، التي فيها الآن تدير صراع اخير في محاولة لمنع تكرار صورة النهاية المخيفة التي كانت في العام 1979. في حينه احتل الثوار الايرانيون المسلمون السفارة الامريكية في افغانستان.
في الشهر الماضي اطلق الرئيس الامريكي جو بايدن نسيم متفائل عندما قال إنه يثق بقدرة الجيش الافغاني وأن “احتمالية أن تسيطر طالبان على كل الدولة هي احتمالية ضئيلة جدا”. ومشكوك فيه أن تكون اقواله هذه تستند الى معلومات استخبارية بعد أن نجحت طالبان في السيطرة في السابق على اكثر من 60 في المئة من اراضي الدولة، بعد فشل المحادثات معهم بشكل كامل والتي جرت حتى اللحظة الاخيرة في قطر. الآن يمكن لبايدن أن يأمل فقط بأن الثلاثة آلاف جندي الذين ارسلهم الى افغانستان لانقاذ طاقم السفارة والمدنيين الامريكيين الذين بقوا في الدولة سينجحون في مهمتهم دون تسجيل قتلى آخرين من أبناء الولايات المتحدة، في الحرب الاطول التي شنتها بعد الحرب العالمية الثانية. خلال سنوات الحرب العشرين فقدت آلاف الجنود واستنفدت حوالي تريليون دولار.
هذه هي الجولة الثانية التي تتخلى فيها الولايات المتحدة عن افغانستان. في المرة الاولى ساعدت المتمردين الافغان المجاهدين، في محاربة الاحتلال السوفييتي الذي بدأ في العام 1979 والذي انتهى عند انسحاب القوات السوفييتية في العام 1989. عند هزيمة موسكو انتهت ايضا الذريعة لاستمرار دعم المتمردين رغم أنها واصلت تزويدهم بالسلاح والتدريب بواسطة باكستان. واشنطن بقيادة جورج بوش الأب ادارت ظهرها للدولة التي اعتبرت بالنسبة لها معقل حيوي في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، وخلال فترة قصيرة بدأت حرب اهلية مدمرة وفتاكة بين رؤساء القبائل، وهذه الحرب استمرت حتى العام 1996، وهي السنة التي سيطرت فيها طالبان على الدولة وحولتها الى انقاض، وفرضت عليها الاسلام المتطرف ودمرت أسسها الثقافية، وطبقت فيها قوانين الشريعة حسب تفسيرها المتطرف وحرمت النساء من حقوقهن واحتضنت القاعدة.
الآن لا يوجد لدى أي أحد اوهام حول الاضرار والدمار الذي ينتظر الدولة تحت حكم طالبان. احتلال كابول هو مسألة ايام وفي افضل الحالات اسابيع. حكومة اشرف غالي (72 سنة)، وهو عالم الانثروبيولوجيا والاقتصادي الذي تلقى ثقافته في الولايات المتحدة، فقد صلاحيته. جيش افغانستان الذي يضم 300 الف مقاتل، الذين تم تدريبهم على أيدي الولايات المتحدة وحلفائها، تنازل عن استمرار القتال ضد طالبان. ضباط كبار وجنود ألقوا سلاحهم وهم يبحثون الآن عن مأوى لهم. وفوق كل ذلك، اكثر من 400 الف مدني هربوا من البيوت بسبب المعارك الشديدة واعمال القتل التي تنفذها طالبان.
واشنطن من ناحيتها اوضحت بأنه لا توجد لها مصلحة في التدخل في هذه المعركة الجديدة، وأنه يجب على حكومة افغانستان أن تحل مشكلاتها بنفسها. واذا كان سيكون هناك تدخل امريكي أو دولي في المستقبل فهو سيأتي فقط اذا انبتت افغانستان مرة اخرى تهديد الارهاب الدولي، أو مست بشكل آخر باهداف الغرب. ولكن طالبان التي راكمت تجربة سياسية ودبلوماسية خلال العقدين الاخيرين لن تبقى كما هي منعزلة ومنبوذة. قيادتها ادارت في السنة الاخيرة محادثات كثيفة مع روسيا والصين؛ ممثلوها يجرون اتصالات مع ايران، رغم الفجوة الدينية – الايديولوجية فيما بينهما؛ خلال هذه السنين حصلت على الدعم الاقتصادي من السعودية ومن دول اخرى في الخليج؛ حليفتها التقليدية باكستان ستأخذ لنفسها ثمار العلاقات التي اقامتها معها على مدى سنوات مقابل النفوذ السياسي.
حسب تصريحات المتحدثين باسم طالبان، هي تأمل الحصول على الشرعية الدولية لنظامها، وبالتأكيد تجنب فرض عقوبات دولية عليها. ربما هنا تكمن القناة المحتملة للحصول على تأثير معين في سلوكها تجاه مواطني بلادها. وإن كان من الافضل أن لا نحبس الانفاس وننتظر استعدادا لتأثير الصين وروسيا أو ايران على وضع حقوق الانسان في افغانستان.
انهيار افغانستان سيدمر انجاز سياسي آخر تفاخر به ترام،. “فنان الصفقات”، الذي ترك لبايدن ارث غير محتمل. الصورة الاحتفالية التي وقع فيها في شهر شباط 2020 الاتفاق بين حكومة افغانستان وقيادة طالبان، برعاية ووساطة امريكية وقطرية، صمدت لفترة قصيرة فقط. حسب هذا الاتفاق، الولايات المتحدة تعهدت بالانسحاب من افغانستان بشكل كامل؛ الطرف الافغاني سيطرح آلية تمنع استخدام اراضي الدولة كقاعدة للعمليات ضد اهداف امريكية؛ حكومة افغانستان وطالبان ستجريان مفاوضات بينهما حول حكم مشترك؛ في اطار هذه المفاوضات سيتم وضع شروط ومواعيد لتطبيق وقف شامل لاطلاق النار.
من هذه البنود الاساسية بقي فقط بند عملي واحد وهو أن الولايات المتحدة حددت 31 آب كموعد لانسحاب قواتها. وقف اطلاق النار لم يتم تنفيذه من اللحظة الاولى؛ حتى أن المفاوضات بين طالبان والحكومة لم تبدأ؛ الوعد بمنع نشاطات مناهضة لامريكا من اراضي افغانستان يجب على الولايات المتحدة أن تفحصه في القريب. كل ذلك لم يمنع ترامب من اعتبار هذا الاتفاق وثيقة سياسية هامة جدا، الذي يمكنه أن يؤسس قراراته عليه لسحب قواته من افغانستان. بايدن يمكنه فقط أن يكون شاكرا لأن ترامب هو المسؤول عن الاتفاق الذي يسمح له ايضا باستخدامه لنفس الهدف بالضبط.
لكن ازاء النهاية القاتمة لمغامرة امريكا في افغانستان يمكن للمرء أن يسأل لماذا كان من الحيوي فعلها على مدى عشرين سنة. جورج بوش الأب، الذي احتل افغانستان في 2001، كانت له مبررات قوية اعطت الحرب الشرعية الدولية. الولايات المتحدة كانت ملزمة بالانتقام لعمليات الحادي عشر من ايلول وتدمير نظام طالبان الذي رفض تسليم اسامة بن لادن وتدمير البنية التحتية للقاعدة. إبن لادن نفسه تمت تصفيته في ايار 2011 في عهد الرئيس براك اوباما. ولكن الحرب ضد القاعدة استمرت في ارجاء العالم، حيث خفتت قوتها ازاء صعود داعش، الذي هو وليد القاعدة.
في افغانستان، للمفارقة، كان جزء من قوات طالبان شريك في النضال ضد داعش، بهذا خدموا المصالح الامريكية. وبشكل مواز ايضا مصالح ايران التي خشيت من اختراق داعش لاراضيها. هل كانت هناك حاجة الى مواصلة الاحتفاظ بقوات امريكية كبيرة في افغانستان من اجل مواصلة الحرب ضد القاعدة بعد العام 2011، أم أن الولايات المتحدة اصبحت اسيرة لسياسة، سياسة لم يتجرأ أي أحد على تغييرها، رغم أنه منذ زمن كان من الواضح أنه لا يمكنها ضمان سيطرة الحكومة المحلية. والاكثر اهمية من ذلك هو أن الانسحاب من افغانستان وبعد ذلك من العراق، يضع علامات استفهام امام نموذج الاحتلال المباشر والطويل كوسيلة استراتيجية لتأمين مصالح سياسية. يبدو أن الولايات المتحدة قد توصلت الى استنتاج.