ترجمات عبرية

هآرتس: قمة طهران: الخلافات تحول دون وجود كتلة معادية لأميركا

هآرتس 2022-07-24، بقلم: تسفي برئيل

“تؤكد الدول الثلاث تصميمها على مواصلة التعاون المستمر لمحاربة إرهاب الأفراد، والجماعات، والمبادرات، والكيانات”، هذا ما ورد في البيان الختامي المشترك للقمة الثلاثية التي عُقدت في طهران، وشارك فيها كلٌّ من فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان. من المفترض أن تدلل الصورة المشتركة للزعماء الثلاثة، وهم يلوحون بأيديهم بحركة الأخوة والنصر، على الوحدة. لكن إذا كان هناك من تخوف من نشوء حلف استراتيجي جديد في طهران، من شأنه تهديد الـ”التحالف العربي” الذي فشل بايدن في تشكيله خلال زيارته إلى السعودية، الأسبوع الماضي، فإن عليه أن ينتبه إلى الفجوات العميقة التي تفصل ما بين زعماء المعسكر المقابل.

لكلّ زعيم من الزعماء تعريفه الخاص للإرهاب والإرهابيين الذين يجب محاربتهم. بالنسبة إلى تركيا، فإن “الإرهاب الكردي” الذي يقوده حزب العمال الكردستاني والقوات الكردية في سورية هو العدو الحصري الذي يتوجب عليها محاربته من خلال عملية عسكرية واسعة تجتاح الأراضي السورية، بهدف إقامة منطقة عازلة تمتد إلى عمق نحو 30 كيلومتراً، تطرد منها كل القوات الكردية.

من جانبها ترى إيران في الاجتياح التركي خطراً كبيراً على أمنها، وبصورة خاصة على مكانتها في سورية. ومرشدها الأعلى علي خامنئي حذّر أردوغان من أن “اجتياح سورية سيضر بها وبأمن المنطقة”، وفي الغرف المغلقة حذرت إيران تركيا من احتمال أن تلتقي القوات التركية بالقوات الإيرانية إذا قررت الاجتياح. أما روسيا، فلديها في سورية إرهابيوها. وهؤلاء هم المتمردون السوريون، وبصورة خاصة جبهة تحرير الشام، الصورة الجديدة لجبهة النصرة، أحفاد تنظيم القاعدة وميليشيات أُخرى تتمركز في محافظة إدلب ومدعومة من تركيا. وبحسب الاتفاق الذي تم توقيعه ما بين روسيا وتركيا في سنة 2018، فإن محافظة إدلب يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح خاضعة لرقابة تركية روسية. منع هذا الاتفاق في اللحظة الأخيرة خطة روسية سورية لاحتلال محافظة إدلب، عملية كانت ستؤدي إلى قتل الآلاف وهروب عشرات آلاف اللاجئين إلى تركيا، وكان الشرط الروسي هو أن تقوم تركيا بتفريغ المحافظة من جميع الميليشيات المسلحة وتنزع سلاحها. ولم تقُم تركيا بذلك حتى اليوم. وعندما تقوم تركيا اليوم بطلب الدعم الروسي لخطواتها العسكرية في سورية فإن روسيا تذكّرها بالاتفاق فيما بينهما، الذي لم تطبّقه تركيا.

لقد انضمت روسيا إلى البيان المشترك الذي جاء فيه أن “الدول الثلاث ترفض كل محاولة لفرض أمر واقع جديد بذريعة محاربة الإرهاب، ومن ضمنه مبادرات لحكم ذاتي”، وهو تصريح موجه ضد مناطق الحكم الذاتي الكردي، لكن في الوقت ذاته ضد “فرض وقائع على الأرض” وهو موجه ضد تركيا، لمنعها من اجتياح سورية وخلق مناطق نفوذ تحت سيطرة الأتراك. وإذا كان هناك شكوك في نية أردوغان التراجع عن خطته باجتياح مناطق سورية، فإن وزير خارجيته مولود شاويش أوغلو أوضح أن “تركيا لن تطلب أبداً التصريح من أحد، ما إذا كانت ستجتاح أم لا”. وبعد ذلك بأيام معدودة، قامت تركيا بقصف موقع سياحي في محافظة دهوك في المنطقة الكردية العراقية الملاصقة لتركيا، وهو ما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين، ولا يزال مجلس الأمن القومي التركي يدفع قدماً بخطته العسكرية للاجتياح. كما أن تركيا تنسب إلى الميليشيات الشيعية، التي اندمجت بالجيش العراقي-وتعمل برعاية وتوجيهات إيران-بعض العمليات الهجومية التي استهدفت القاعدة التركية في العراق، وتتهم إيران بحماية قوات حزب العمال الكردستاني التي هربت من القصف التركي في جبال قنديل إلى الأراضي الإيرانية.

وفي الوقت ذاته، لا تزال تركيا تتابع عن قرب وبحذر نشاط العملاء الإيرانيين والنشطاء على أراضيها، بعد فضيحة محاولة تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي وصل إلى تركيا بسرعة في 27 حزيران، صحيح أنه اعتذر ووعد بأن إيران ستمنع أي عمل عدائي في الأراضي التركية، لكن الثانية لا تسارع إلى الاطمئنان. وقال مسؤول تركي لـ”هآرتس” إنه ومن دون علاقة للعلاقات التي تتطور ما بين إسرائيل وتركيا فإننا “لا نعتمد على أن في استطاعة وزارة الخارجية الإيرانية كبح قيادات فيلق القدس (الجهة المسؤولة عن العمليات العسكرية خارج حدود إيران). سمعنا الكثير من هذه الوعود سابقاً”.
كذلك في المحور الإيراني-الروسي لا يوجد الكثير من الحب. نجحت روسيا في طرد إيران من كل الأرصدة الاقتصادية المهمة في سورية، في الوقت الذي حصلت فيه من بشار الأسد على جميع العقود المستقبلية للبحث عن النفط في البحر المتوسط، في حين اكتفت إيران بوعود بأن يكون لها حصة في إعادة إعمار سورية بعد انتهاء الحرب، وعقود لترميم البنى التحتية، جزء منها بدأ فعلاً، من دون مصادر تمويل ثابتة. كما أن إيران لم تنجح حتى اليوم في إقناع روسيا بوقف الهجمات الإسرائيلية في الأراضي السورية، كما أن أجهزة إعلام إيرانية تتهم موسكو بالتنسيق مع إسرائيل ضد إيران، كجزء من “مؤامرة دولية”.

على هامش القمة الثلاثية، تم توقيع ورقة تفاهُم ما بين روسيا وشركة “غازفروم” الروسية لاستثمارات بحجم 40 مليار دولار لتطوير حقول النفط، إلا إن روسيا، كما إيران، تفتقد حالياً فائض دولارات في خزينتها. وأكثر من ذلك، فبحسب الاتفاق المتعدد الأعوام بين إيران والصين، فإن الصين، وليس روسيا، هي التي ستكون المسؤولة عن النفط الإيراني. تفاصيل الاتفاق لا تزال سرية، لكن وبحسب التسريبات في إيران، فإن الصين ستحصل على جميع حاجاتها النفطية بأسعار خاصة في مقابل استثمارات يصل حجمها إلى نحو 400 مليار دولار على مدار 25 عاماً. وحتى تطبيق هذا الاتفاق فإن إيران ترى، بقلق، كيف تسرق روسيا منها السوقين الصينية والهندية بأسعار منخفضة جداً في مقابل النفط الذي تبيعه لهم بهدف تخطّي العقوبات المفروضة عليها. وهنا، من المهم الإشارة إلى أن روسيا وإيران تحاولان منذ أعوام رفع حجم التبادل التجاري بينهما من دون نجاح يُذكر. والتبادل التجاري بينهما استقر على 3-4 مليارات دولار في العام، وهو مبلغ أقل بثلاثة أضعاف التبادل ما بين إيران والعراق.

وسائل الإعلام الإيرانية تنتبه إلى تصريحات عدوانية تصدر من مسؤولين روس تجاه إيران أكثر مما تنتبه إلى البيانات الصديقة التي يُصدرها الزعماء. ففي مقابلة أجراها السفير الروسي المخضرم لدى إيران ليفان جاغاريان، لموقع “حبار” الإيراني في الآونة الأخيرة، سُئل عن انقطاع الكهرباء الذي يؤدي إلى تزويد الكهرباء بشكل غير منتظم من المفاعل النووي الذي قامت روسيا ببنائه في بوشهر. جاغاريان الذي استفزه السؤال، أجاب بأن “إيران مَدينة لنا بمئات ملايين الدولارات على هذا المفاعل”. وفي المقابلة ذاتها، شرح أن “روسيا وقفت دائماً إلى جانب إيران، لكن الغرب يحاول إدخال قيمه غير المحتملة، كالمثلية الجنسية وأمور أُخرى، نحن نعارض هذا”. أعضاء برلمان، نشطاء حقوق إنسان، وحتى وسائل إعلام حكومية، وقفوا وطالبوا الحكومة بالرد على هذا التدخل الوقح في الشؤون الداخلية الإيرانية.

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي أدت فيها أقوال السفير المباشرة إلى عاصفة. سابقاً، قال إن السياح الروس لا يأتون إلى إيران بسبب “الحجاب الإلزامي وعدم وجود الكحول”. حينها، كان رجال الدين مَن اعترض على الكلام.

في شباط اندلع خلاف علني حاد بين روسيا وإيران، بعد أن طالب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بألا تتضرر المصالح الروسية في إيران نتيجة توقيع الاتفاق النووي مع الأخيرة، بشكل يسمح باستمرار التعاون الاقتصادي الإيراني-الروسي، حتى ولو استمرت العقوبات المفروضة على روسيا. إيران ردت بغضب، قائلةً على لسان مسؤول كبير لـ “رويترز” إن “روسيا تريد ضمان مصالحها في مناطق أُخرى من خلال الاتفاق النووي… وحتى إذا قامت روسيا بتغيير اتجاهها، أو حاولت إحباط الاتفاق، فإن إيران ستفضل مصالحها. لماذا علينا التضحية بمليارات الدولارات من أجل تحالُفنا مع روسيا”. وبعد ذلك بشهر حصلت روسيا على تعهُّد أميركي مكتوب يضمن أن العقوبات المفروضة عليها لن تضر بالتعاون المشترك بينها وبين إيران، في حال توقيع الاتفاق النووي، لكن الشكوك الإيرانية تجاه روسيا، التي عرّفت إيران قبل عدة أعوام كشريكة وليست حليفة استراتيجية، لا تزال تحدد السياسة الإيرانية الخارجية.

الذين سارعوا إلى وصف القمة الثلاثية بأنها “حلف طبيعي بين كارهي أميركا”، وتهدف إلى إبراز العضلات مقابل الحلف العربي-الإسرائيلي-الأميركي، شاهدوا أمامهم بوتين ورئيسي، لكن يبدو أنهم نسوا حقيقة أن تركيا عضو في حلف الناتو، وفي الوقت ذاته، هي عضو جديد في النادي العربي-الإسرائيلي، ولا تزال تنتظر التصريح الأميركي بشراء 40 طائرة F-16 جديدة و80 أداة لتجديد لطائراتها القديمة.

هناك الكثير من الخلافات الجدية والصعبة ما بين بايدن وأردوغان، لكن تركيا تعرف كيف تستغل علاقاتها مع واشنطن في لعبة القوة التي تديرها مقابل روسيا، ولا مصلحة لديها في التنازل عن مكانها في “الناتو”، أو العلاقة بالولايات المتحدة. يبدو أن القمة في طهران، كما القمة في جدة، تقوّي الادعاء القائل إنه ليس بالضرورة أن يؤدي كل لقاء بين زعماء إلى معسكر، أو حلف، أو تحالف يتطلب تحضيراً استراتيجياً جديداً، أو تجهيزات عسكرية تنهك الأعصاب.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى