هآرتس: في مواجهة نهج “عدم الازعاج” الذي يتبناه ترامب، على اسرائيل وضع خطوط حمراء
هآرتس 7/12/2025، الداد شبيط: في مواجهة نهج “عدم الازعاج” الذي يتبناه ترامب، على اسرائيل وضع خطوط حمراء
تغريدة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، التي بث فيها توقع واضح بان اسرائيل “لن تزعج” تطور سوريا، ليست صدفية. فقد كشفت في عدة سطور التصادم الآخذ في التعمق بين رؤية ترامب للشرق الاوسط وبين الاحتياجات الامنية لاسرائيل، في سوريا، غزة، السعودية وغيرها. حسب رأي ترامب فان الشرق الاوسط ليس ساحة لنزاعات تاريخية، بل هو فضاء للصفقات. في عالمه الاستقرار يتم تحقيقه ليس من خلال عمليات سياسية، بل بواسطة “صفقات” بين زعماء اقوياء. بدلا من اتفاقات اطار متعددة البنود هو يفضل بنية اقليمية ضعيفة: محور واشنطن – الرياض في الوسط، وحوله اسرائيل، مصر، الامارات، وبدرجة معينة تركيا وسوريا.
بهذه الصيغة للشرق الاوسط فان الاقتصاد يسبق الامن. مشروع بنى تحتية، طاقة وشراكة تكنولوجية، يمكن ان تنتج اعتماد متبادل يجبر الجميع على الحفاظ على الهدوء. الفلسطينيون، لبنان وسوريا، وحتى حماس، يمكن ان تندمج في المنظومة التجارية – الامنية الجديدة. من سيلعب حسب القواعد سيحصل على المساعدة، الشرعية ورفع العقوبات، ومن سيزعج سيجد نفسه خارج اللعبة.
لكن ما يبدو جيد على لوحة الرسم في واشنطن يظهر اقل تفاؤل بكثير عند النظر اليه من القدس. مثلا، سوريا. بالنسبة لترامب فان وجود نظام جديد في دمشق مستعد للابتعاد عن ايران والانضمام للمحور الامريكي – السعودي يعتبر ميزة كبيرة، حتى لو كان قادته السابقين على راس قائمة الارهاب، وهي فرصة لتقديم “قصة نجاح”. من هنا جاء الطلب من اسرائيل بعدم تعقيد الامور.
بالنسبة لاسرائيل سوريا ليست رؤيا، بل حدود. في السنوات الاخيرة كانت حرية العمل في سوريا احد ركائز الاستراتيجية الاسرائيلية. وعندما يعلن البيت الابيض “لا تزعجونا” فهذا يعني تقليص حرية العمل، بينما لا يزال التهديد من وجهة نظر اسرائيل بعيد عن أن يتلاشى.
غزة هي الجانب المكمل للقصة نفسها. منذ وقف اطلاق النار وعملية اطلاق سراح الرهائن، تسعى الادارة الامريكية الى دمج القطاع في الخطة الاقليمية الجديدة: شراكة سعودية، تدخل لمصر وتركيا وقطر، وآليات اعادة اعمار وأمن متعددة الجنسيات. يرى ترامب ان اسرائيل قد “نالت حقها”: دعم سياسي غير مسبوق خلال القتال وعودة الرهائن. من هنا تاتي توقعات واشنطن بالهدوء الاسرائيلي. أما اسرائيل فترى ان هذا خطر مزدوج: الخوف من المس بالقدرة على استكمال تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس، فقدان الشرعية الدولية لأي عمل في المستقبل.
السعودية تدخل، التي هي حجر الزاوية في رؤية ترامب، الى داخل هذه المعادلة. من وجهة نظر البيت الابيض فان دمج وترسيخ الرياض في المعسكر الامريكي يعتبر هدف استراتيجي رئيسي. اما اسرائيل فهي شريكة مهمة في افضل الحالات. وبينما يمكن لاسرائيل ان تستفيد من انخراط سعودي اكبر في الحملة ضد ايران، الا ان هناك ثمن لذلك: اذ يتحول التطبيع مع اسرائيل من هدف محوري الى اضافة غير ضرورية، وسيتم الضغط على اسرائيل من اجل قبول صيغ كانت تعارضها في العادة. ومثلما هي الحال في سوريا وفي غزة، هنا ايضا سيكون الخط الاحمر الامريكي هو “عدم تعريض الاتفاق مع الرياض للخطر”، مهما كان الخطر الامني على اسرائيل.
فوق كل ذلك يحلق سؤال ما الذي ترامب مستعد “لاعطائه” لنتنياهو كي يضمن ان تندمج اسرائيل في الخطة. دعوات للبيت الابيض، صور مبتسمة وخطاب علني عن العفو، كل ذلك يخلق الشعور بـ “رزمة محفزات” الموجهة ليس فقط لدولة، بل ايضا لشخص. يصعب تجاهل الطريقة التي فيها من شان هذه الديناميكية ان تؤثر الى اتخاذ القرارات في القدس. يثور الخوف من ان الاعتبارات السياسية والشخصية لرئيس الحكومة ستختلط بالقضايا الامنية.
لا يوجد خطر من تصادم اسرائيل مع الولايات المتحدة. فالتحالف مع واشنطن هو ذخر استراتيجي هام. المشكلة تكمن في الانزلاق الى علاقة راعي – عميل، حيث يتم النظر الى اسرائيل بانها مسؤولة عن التصديق على قرارات امريكا، واخضاع حرية عملها لـ “الصفقة الكبيرة” والاكتفاء بوعود عامة لامنها. اذا كان هناك درس من تغريدة ترامب فهو بسيط: يجب على اسرائيل تحديد خطوط حمراء واضحة لنفسها وللولايات المتحدة، والاهم من ذلك الحفاظ على حرية عملها في مواجهة ما تعتبره تهديدات محتملة لها. هذه ليست قضايا للتفاوض، بل مصالح وجودية.
لا يمكن تجاهل رؤية ترامب الاقليمية بجرة قلم. فهي تنطوي على عناصر قد تخدم اسرائيل ايضا، البارز منها هو تعزيز المعسكر المناهض لايران وتعميق التعاون مع الدول العربية المعتدلة. ولكن مسؤولية اسرائيل تكمن في الانضمام اليه بوعي تام. فالشراكة الاستراتيجية مع امريكا تعني القدرة على قول “نعم” عندما يخدم ذلك امننا، و”لا” عندما يكون الثمن المطلوب هو التنازل عن الضروري لحماية امننا.



