هآرتس: في مخيم اللاجئين شعفاط لا يصدقون أن السلطات ستحل محل “الاونروا”

هآرتس 30/10/2024، نير حسون: في مخيم اللاجئين شعفاط لا يصدقون أن السلطات ستحل محل “الاونروا”
خلافا للصورة السائدة التي ترسخت في الجمهور الاسرائيلي فان شوارع مخيم اللاجئين شعفاط نظيفة جدا، بالتأكيد مقارنة مع شوارع الاحياء الفلسطينية القريبة. بجانب معظم المنازل والحوانيت توجد سلات صغيرة للقمامة، و20 عامل نظافة يعملون على الكنس وجمع القمامة، وفي وسط المخيم تعمل منشأة لجمع القمامة. خلف منشأة القمامة توجد ثلاث مدارس اساسية، اثنتان للاناث وواحدة للبنين، يتعلم فيها 600 طالب يرتدون الزي الموحد. مدارس كبيرة وتحظى بصورة ايجابية في اوساط الآباء. أمام الزقاق الذي يؤدي الى مدخل المدارس تعمل عيادة مجتمعية وصيدلية. كل هذه المنظومة – خدمات النظافة وجمع القمامة، المدارس، العيادة والصيدلية، يتم تشغيلها من قبل “الأونروا”. حسب القانون الذي تمت المصادقة عليه أول أمس في الكنيست فان كل هذه النشاطات ستصبح غير قانونية خلال 90 يوم.
القانون ينص على أنه يحظر على “الاونروا” العمل في “اراضي دولة اسرائيل السيادية”. ولأن الضفة الغربية وقطاع غزة لا تعتبر ارض سيادية لاسرائيل فانه هناك يمكن للاونروا مواصلة العمل. وان كان قانون آخر تمت المصادقة عليه ايضا أول أمس يحظر على سلطات الدولة اقامة علاقات مع الاونروا ويتوقع أن يؤثر ذلك على العلاقات بين الادارة المدنية والاونروا. سكان المخيم الذين يرون كيف أن السلطات الاسرائيلية تفشل في توفير الخدمات الاساسية للمخيم منذ 56 سنة، لا يعرفون كيف ستنجح السلطات في استبدال الاونروا خلال ثلاثة اشهر. ولكن ما يقلقهم بدرجة على تقل عن ذلك ليس الخدمات، بل مسألة هويتهم كلاجئين.
القدس الموحدة هي مكان للشذوذ. فهذه مدينة العاصمة الوحيدة في العالم التي 40 في المئة من سكانها، الذين هم ايضا مواليد المدينة، ليسوا من مواطني الدولة. 1 من بين عشرة من السكان الذين يعيشون وراء جدار من الاسمنت بارتفاع 9 امتار، يمرون كل يوم في حاجز عسكري. في الحي الاكبر فيها لا توجد في معظم ايام الاسبوع مياه. عشرات آلاف السكان يعيشون في بيوت بنيت بدون رخص بناء وما شابه.
الامر الشاذ والاكثر غرابة في المدينة هو حقيقة أن أحد الاحياء في القدس، اضافة الى رحافيا والقطمون وغيلو، هو مخيم اللاجئين الذي تديره الامم المتحدة. مخيم اللاجئين شعفاط اقامته الامم المتحدة والحكومة الاردنية في العام 1965، قبل حرب الايام الستة بسنتين. السكان الاصليين فيه هم لاجئون فلسطينيون سكنوا في حارة اليهود في البلدة القديمة منذ العام 1948. في حزيران 1967 عندما رسمت الحكومة حدود القدس الموحدة تم شمل المخيم داخل حدود المدينة. هكذا اصبح مخيم شعفاط مخيم اللاجئين الوحيد الذي يوجد داخل اراضي اسرائيل وحي من أحياء عاصمة اسرائيل.
ضم المخيم كان أمر خيالي. سكانه حصلوا في الواقع على هوية مقيم اسرائيلية. ولكن بلدية القدس تقريبا لم تدخل الى المخيم ولم توفر الخدمات له. وكالة الاونروا هي التي جمعت القمامة ووفرت المياه والتعليم والخدمات الصحية. الوضع كان مريح للجميع. الفلسطينيون شعروا أنهم جزء من تجمع اللاجئين الكبير في الضفة الغربية، والامم المتحدة اصبحت عامل مهم في المنطقة واسرائيل وفرت على نفسها ميزانيات ضخمة كان يمكن أن تستثمر في شرقي القدس.
الجدار الذي فصل المخيم عن المدينة
قبل عشرين سنة عندما تمت اقامة جدار الفصل، ايضا تم فصل المخيم عن اجزاء المدينة الاخرى. بين عشية وضحاها تركت السلطات الاسرائيلية المكان بالكامل والوضع في المنطقة تدهور بسرعة. مراقبو البناء والشرطة هم ايضا لم يأتوا، المقاولون قاموا ببناء على التلال التي توجد في محيطه ابراج كبيرة بدون مخططات ورخص بناء. هذه الابراج وفرت حل سكني لعشرات آلاف سكان شرقي القدس، وعصابات عنيفة وتجار مخدرات دخلوا الى الفراغ الذي خلفته الشرطة والمخيم اصبح متماهيا اكثر فأكثر مع مشكلات السلاح والمخدرات والعنف والفقر والارهاب. خلال فترة طويلة لم تكن مياه في المخيم، في المقابل، مياه المجاري تدفقت بشكل حرب.
في داخل كل ذلك استمرت الاونروا في العمل ووفرت الخدمات لمن لديه بطاقة لاجيء، التي اصدرتها الوكالة، ولكن الى جانب الخدمات الاونروا منحت الفلسطينيين عامل الهوية ايضا. بطاقة الاونروا هي رمز لحالة فلسطينية عامة، ترمز الى المطالبة بحل مشكلة اللاجئين كجزء من تسوية سياسية. “المشكلة ليست المدارس والعيادات، بل هي أنهم يسرقون من الناس حلم أن يكونوا جزء من الحل والحصول على التعويض أو العودة الى بيوتهم. الناس يسألون انفسهم لماذا عاشوا كل هذه المعاناة كلاجئين اذا كانوا سيعاملون اليوم كأي شخص آخر”، قال أمس احد سكان المخيم.
اليوم مسجل في مخيم شعفاط 17.500 لاجيء، الذين في معظمهم من الجيل الثاني والثالث أو حتى الرابع للاجئين من العام 1948. عدد مشابه من اللاجئين مسجل في اجزاء القدس الاخرى. الاونروا، مثل وكالات الامم المتحدة الاخرى ودول العالم لا تعترف بضم شرقي القدس. لذلك فانه من غير المتوقع أن تلغى مكانة اللجوء للاجئين المقدسيين. ولكن توفير الخدمات لهم من قبل الاونروا يتوقع أن يتضرر.
اضافة الى المدارس في المخيم فان الاونروا لديها ايضا ثلاث مدارس صغيرة في مناطق اخرى في شرقي القدس. بالاجمال الحديث يدور عن حوالي ألف طالب يجب استيعابهم الآن في مدارس البلدية. في بلدية القدس وفي وزارة القدس اعلنوا أمس بثقة بأنه يمكنهم استيعاب هؤلاء الطلاب. وحسب الخطة الآخذة في التبلور فان جزء منهم سيتم استيعابهم في مبان متنقلة في ساحات المدارس القائمة، لكن دون الحاجة الى استيعاب ألف طالب آخر جديد فان بلدية القدس ووزارة التعليم تجد صعوبة في مواجهة مشكلة النقص في الصفوف في شرقي القدس. هناك ينقص حسب تقرير جمعية “عير عاميم”، 2477 صف.
في المحكمة العليا تتم مناقشة منذ فترة طويلة التماس قدمه الآباء من اجل توفير الصفوف لاولادهم. القضاة أمروا الدولة ببلورة خطة لحل هذه المشكلة. ولكن في السنتين الاخيرتين الدولة قدمت مرة تلو الاخرى طلبات تأجيل، التي تفسر الحاجة الى فترة اخرى من اجل بلورة الخطة. على هذه الخلفية تسمع تصريحات وزارة القدس وبلدية القدس حول الاستعداد لاستيعاب طلاب مدارس الاونروا في القدس، وكأنها مقطوعة عن الواقع. في بلدية القدس رفضوا أمس القول اذا كانت البلدية ستحصل على ميزانية من وزارة المالية لاستيعاب طلاب مدارس الاونروا وعن كيفية العمل في كل المجالات التي تتولاها الاونروا. من مكتب مئير بوروش، وزير شؤون القدس، جاء بأن الوزارة “تتحدث مع وزارة المالية من أجل تخصيص الميزانيات المطلوبة”.
سكان مخيم شعفاط لا يصدقون بأن البلدية ستعمل على توفير الخدمات لهم التي توفرها الاونروا الآن. على سبيل المثال العيادة في المخيم توفر العلاج الدائم لمرضى السكري وكبار السن، الذين يجدون صعوبة في الحصول على مثل هذه الخدمات في جهاز الصحة في اسرائيل بسبب سكنهم خارج جدار الفصل. “الامور التي هم الآن مسؤولون عنها لا ينجحون في حلها، فكيف سيتحملون المزيد من المسؤولية”، قال شاهر علقم، العضو في لجنة المخيم. عندما تم سؤال السكان عن مشاركة موظفي الاونروا في الارهاب، هم يرفضون الادعاءات الاسرائيلية ويقولون بأنه حتى لو كان هذا الامر صحيح فانه يتعلق بحفنة من الموظفين المؤقتين في منظمة كبيرة جدا تشمل آلاف الموظفين.
عرض مزيف للسيادة
مركز نشاط مهم آخر للاونروا في القدس، الذي هو ايضا سيضطر الى الاغلاق خلال الثلاثة اشهر القادمة، هو المقر الاقليمي للاونروا الموجود قرب حي رمات اشكول، ويوفر الخدمات لفروع الاونروا في ارجاء الضفة الغربية. المقر الذي يوجد في المبنى التاريخي، مدرسة الشرطة، اقامه البريطانيون وكان في حرب الايام الستة جزء من منشأة “تلة الذخيرة”. منذ اندلاع الحرب الحالية فان مقر الاونروا هو هدف ثابت لنشطاء اليمين المتطرف. عدة مرات تم القاء الزجاجات الحارقة عليه وتسبب بحرائق فيه. أمس تم وضع على سور المدخل كيس فيه حلوى ولافتة طلب فيها من الجمهور أن يأخذ الحلوى بمناسبة توديع الـ “أونروا”، وتم توقيعها من قبل “شباب الصهيونية الدينية”.
مثلما في قرارات كثيرة تتعلق بالقدس منذ 1967، ايضا قانون طرد الاونروا لم يأت على خلفية الرغبة في حل مشكلة، والتخفيف على سكان القدس أو تحقيق مستقبل أفضل. ومثل قانون القدس من العام 1980 ايضا التصريحات الفارغة حول وحدة المدينة الأبدية، ومثل قانون آخر تم تمريره أمس، يمنع فتح قنصليات اجنبية مخصصة للعرب في المدينة، ايضا القانون بشأن الاونروا استهدف فقط وضع اصبع في العين، وتقديم عرض مزيف للسيادة وصياغة بيانات لامعة لوسائل الاعلام. حتى لو كانت هناك مشكلات في الاونروا فان الحديث لا يدور عن منظمة ارهابية، بل عن منظمة تقدم خدمات حيوية لمئات آلاف الاشخاص، بعضهم من سكان عاصمة اسرائيل.
من بين اعضاء الكنيست الـ 92 الذين صوتوا في صالح القانون لم يتجرأ أي عضو على النظر مباشرة الى المشكلات الحقيقية في القدس. ولا أحد من بينهم ايضا تجرأ على قول الحقيقة للجمهور الاسرائيلي بأنه بعد 56 سنة على الاحتلال والضم فان القدس ليست موحدة أكثر وليست اسرائيلية اكثر مما كانت في حزيران 1967، أننا أقرب الى دولة ضم عنصرية ودولة منبوذة في العالم اكثر من دولة يهودية وديمقراطية. بدلا من ذلك هم يأملون بالاكتفاء بالحلوى التي يوزعها على سور مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين للامم المتحدة.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook