ترجمات عبرية

هآرتس: فقط لا تقل أن اليهود يقتلون بسبب الاحتلال

هآرتس 2023-08-23، بقلم: تسفي برئيل::فقط لا تقل أن اليهود يقتلون بسبب الاحتلال

في كل مرة تأبى الآذان والعيون التصديق. قُتلت أم شابة من سكان “بيت حجاي” في جنوب الخليل على يد “مخربين” أطلقوا عشرات الرصاصات على السيارة التي كانت تسافر بها. أب وابنه سافرا فقط لغسل سيارتهما في حوّارة قُتلا أيضاً. كيف يعقل أنه بعد 56 سنة على الاحتلال ما زال الفلسطينيون يرفضون الاعتراف بحق اليهود في العيش بأمان في “المناطق”؟

تدل الإحصائيات على أن هناك ما يستند إليه هذا الاستغراب الإسرائيلي. حسب معطيات “بتسيلم” فإنه حتى حزيران قُتل في هذه السنة 22 إسرائيلياً، في الواقع أكثر بخمسة أشخاص مما في السنة الماضية، لكن أقل 10 في المئة مما قتل في سنة الذروة في 2002، حيث قتل في حينه 269 إسرائيلياً. في المقابل، حتى حزيران الماضي قتل 160 فلسطينياً مقابل 183 فلسطينياً في السنة الماضية و1021 في العام 2002. بالمناسبة، لم تكن السنة الأكثر قتلاً بالنسبة للفلسطينيين، هذه الصفة محفوظة للعام 2014، سنة “الجرف الصامد”، التي قتل فيها 2271 فلسطينياً. هذه الإحصائية مهمة لأنها تدل على أنه رغم المآسي الشخصية التي أصابت عائلات القتلى إلا أن الاحتلال ما زال رخيصاً حقاً، بسعر التصفية.

من هنا يأتي الخوف الذي يظهر في كل مرة من جديد حول سؤال: هل يدور الحديث عن انتفاضة أم “فقط” عن موجة؟ هل هذا “أرهاب أفراد” أم تقف وراءه بنية تحتية تنظيمية؟ هل هذه فقط “حماس” و”الجهاد الإسلامي” أم أن إيران هي التي توجه وتمول وتنفذ؟

محللون عسكريون وخبراء في الشؤون الفلسطينية يقومون بشقلبات في الجو من أجل حل تناقضات غير قابلة للحل. هذه ليست انتفاضة، يقولون، لأن الانتفاضة كانت فقط مرة واحدة. وقد نسوا ربما أنه كانت هناك فترتان حصلتا على وصف انتفاضة. الأولى أثارتها اتفاقات أوسلو، والتي اعتبرت الجريمة السياسة الأكثر فظاعة والتي مكنت حكومة إسرائيلية من تنفيذها، ومجرموها حتى الآن لم يدفعوا الحساب. الانتفاضة الوحيدة التي تستحق الإشارة إليها هي فقط الانتفاضة الثانية، وكأنها كانت رواية لانتصار إسرائيل الذي هدأت البلاد بعده. منذ ذلك الحين لا توجد انتفاضة، توجد فقط “موجات”، ظواهر طبيعية قصيرة وغير مسيطر عليها، تقاس بأجهزة لقياس الزلازل، لكن لا أحد مسؤول عن حدوثها.

اعتبرت الانتفاضة حدثاً لمرة واحدة. وأي مقارنة بينها وبين سلسلة عمليات ستمس بمكانتها الفريدة كحدث صادم من المحظور أن يخطر بالبال حدوثه مرة أخرى. لأنه إذا تجددت الانتفاضة فهي ستكشف الكذبة التي بحسبها نجحت إسرائيل في قمع طموحات الانتفاضات الفلسطينية. هي ستقضي على الأسطورة التي تقول إنه يمكن إدارة الاحتلال لعشرات السنين دون دفع الثمن.

طالما أن التمرد الفلسطيني لا يعتبر انتفاضة فإنه يمكن الإمساك بالعصا من الطرفين. إغداق “بادرات حسن نية إنسانية” من أجل “الحفاظ على نسيج الحياة” وأيضاً قتل صاحب الأرض الفلسطيني الذي أراد الدفاع عن أرضه من الغزاة اليهود. يمكن السماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، لكن يحظر عليهم اجتياز بضع عشرات الأمتار لفلاحة أراضيهم. فجأة يتبين أن آلاف الفلسطينيين، الذين لديهم الجنسية الأميركية يمكنهم المرور عبر إسرائيل من أجل أن يستطيع الإسرائيليون الذين يرغبون في زيارة الولايات المتحدة الحصول على إعفاء من تأشيرات الدخول. هكذا، الإسرائيليون يمكنهم إصلاح سياراتهم في حوّارة وكأنه لا يوجد احتلال، وعندما لا يكون احتلال فلا يوجد ما نخشى منه.

لكن الانتفاضة هي حالة وعي لا تقل عن كونها ظاهرة عنف. هي ستتواصل طالما تستمر ذرائعها الأساسية في الوجود. والجهود التي تبذل لحبسها بتعريفات تقنية وإحصائية وتنظيمية أو جغرافية، فقط تؤكد إلى أي درجة إسرائيل غارقة في الخدعة التي تخلقها، في محاولتها البائسة للفصل بين جرائم الحرب التي ترتكبها في “المناطق” وبين نتائجها. هذه هي الأكاذيب التي تمكنها من مواصلة البناء في المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية الإجرامية وكأنه لا يوجد بينها وبين “إرهاب الأفراد” أي صلة، والتصديق بأن الثمن ما زال يستحق.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى