هآرتس: غزة ما بعد الحرب: سؤال الشريك الفلسطيني ومـسـارات الـتصـادم الأمـيـركـي – الإسـرائـيلـي
هآرتس 2023-12-20، بقلم: تسفي برئيل: غزة ما بعد الحرب: سؤال الشريك الفلسطيني ومـسـارات الـتصـادم الأمـيـركـي – الإسـرائـيلـي
“نحن لسنا على مقاس أي أحد. شرعية القيادة الفلسطينية تأتي من الشعب، وصوت الجمهور سيُسمع في الانتخابات”، هكذا أوضح أمس رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، في ختام الجلسة الأسبوعية للحكومة في رام الله. غضب اشتية جاء في أعقاب التقارير التي نشرت للمرة الأولى في موقع “آكسيوس” حول مضمون المحادثات التي اجراها مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان مع الرئيس محمود عباس في يوم الجمعة الماضي. وحسب هذه التقارير فان سوليفان بحث مع محمود عباس الحاجة الى “ضخ دماء جديدة” في السلطة الفلسطينية وتعيين شباب لديهم دافعية وموثوقين، في مناصب رفيعة. وحسب تقرير آخر نشرته “رويترز” فان سوليفان اقترح على محمود عباس تعيين له وأن ينقل جزءا من صلاحياته اليه.
لكن الموضوع الرئيس الذي طرح في المحادثات هو استئناف نشاطات قوات الشرطة والامن التابعة للسلطة في قطاع غزة. الحديث يدور عن بضعة آلاف من رجال الشرطة والامن المسجلين في سجل القوة البشرية التابع للسلطة والذين يحصلون على رواتبهم وحتى أنهم تدربوا على السلاح. ولكن منذ احتلال غزة من قبل حماس في 2007 فان عددا كبيرا منهم هربوا الى الضفة الغربية.
غضب اشتية لا يجب أن يفاجئنا. فمن يريد تأسيس سلطة فلسطينية “مجددة” تتحمل المسؤولية عن ادارة قطاع غزة بعد الحرب، لا يمكنه في نفس الوقت القضاء على بقايا الشرعية الجماهيرية لها ويحولها الى جهاز يتم تشكيله حسب نموذج تقني، أميركي أو إسرائيلي. “السلطة المجددة كما تريدها إسرائيل وحلفاؤها ليست سلطتنا. إسرائيل تريد سلطة أمنية – ادارية، في حين أننا سلطة وطنية تناضل من اجل تحقيق الدولة الفلسطينية والاستقلال وإنهاء الاحتلال”، أوضح اشتية.
بخصوص اقتراح تعيين نائب لمحمود عباس قال المستشار محمود الهباش: “نحن لن نوافق على طلب تقليص صلاحيات الرئيس”. سوليفان، وقبله وزير الخارجية انطوني بلينكن الذي التقى مع محمود عباس في تشرين الثاني، تحولا في الاسابيع الاخيرة الى ضيوف دائمين في السلطة الفلسطينية، سواء بلقاءات مباشرة أو بمحادثات هاتفية مطولة. هدف هذه المحادثات واضح. فبعد مشاورات بين واشنطن ومصر والاردن وبعض دول الخليج تبلور اتفاق يقضي بأنه لا يوجد أي مرشح آخر لادارة القطاع بعد انتهاء الحرب باستثناء السلطة الفلسطينية.
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قال في مقابلة مع “سي.ان.ان” قبل اسبوع بأنه “يجب اعطاء السلطة الفلسطينية الصلاحية لادارة الامور في القطاع وفي الضفة الغربية”، لكنه على الفور اضاف بأن النقاشات حول هذا الامر ما زالت سابقة لأوانها، وأنه أولا وقبل كل شيء يجب العمل على وقف اطلاق النار. الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، طرح افكارا محددة اكثر. فحسب تقارير في وسائل الاعلام العربية طلب من الرئيس الأميركي الضغط على اسرائيل لاطلاق سراح مروان البرغوثي كي يتمكن من اقامة سلطة فلسطينية تحظى بتأييد واسع من الجمهور، في حين يصبح الرئيس محمود عباس رئيسا فخريا. ولكن السيسي ايضا يدرك، حتى أنه اوضح ذلك للأميركيين، بأنه لن يكون مناص من دمج حماس في هذه السلطة الفلسطينية. رئيس الحكومة الفلسطيني السابق، سلام فياض، توجد له أفكار خاصة به حول الطريقة التي يجب فيها على السلطة الفلسطينية تحديث نفسها. هذه الأفكار تشمل تشكيل “حكومة خبراء” تعمل لمدة ثلاث سنوات وتعد للانتخابات للرئاسة والمجلس التشريعي. يبدو أن الولايات المتحدة غارقة الآن عميقا في الطاولة على رسم اطار اليوم التالي. مع ذلك، بدون شريك اسرائيلي فان الهندسة المعمارية الأميركية ترسم مسار تصادم.
اسرائيل ما زالت عالقة في مستنقع المعارضة الحازمة لأي احتمالية أو حتى أي تلميح، بأن تحصل السلطة الفلسطينية على أي مسؤولية في ادارة القطاع. والسلطة الفلسطينية، لا سيما حركة فتح، تشترط الاستعداد لتحمل المسؤولية عن ادارة القطاع بعملية سياسية شاملة. شرطها الاساسي، على الاقل حسب محمود عباس، هو عقد مؤتمر دولي لمناقشة حل الدولتين. ولكن عقد هذا المؤتمر تحت العنوان الذي يطلبه الفلسطينيون يعني شرخا سياسيا مكشوفا وشديدا مع حكومة اسرائيل، حتى قبل أن يكون واضحا من هو الشريك الفلسطيني في المفاوضات السياسية.
النتيجة هي أنه من الآن واشنطن اسيرة في طريق مسدود، الذي يحول طلبها بنقل ادارة القطاع الى يد السلطة الى أمر غير ممكن عمليا، ليس فقط بسبب موقف اسرائيل المتصلب. فواشنطن لم توفر انتقادها الشديد لاسرائيل حول طبيعة العملية العسكرية في القطاع، وحتى أنها تعمل على املاء جدول زمني لانهاء العملية وتحديد اطار لها. وشرعية طلبها هي نتيجة المساعدات العسكرية والسياسية غير المسبوقة لاسرائيل. ولكن أميركا تجد نفسها الآن مقيدة بشكل كبير عندما تريد املاء على اسرائيل طبيعة ادارة القطاع بعد الحرب، بالاساس لأنها لا تستطيع حتى طرح بديل فلسطيني، أو أي بديل آخر، عن سيطرة اسرائيل المدنية في القطاع.
بدون مشاركة السلطة الفلسطينية فان الولايات المتحدة يمكن أن تجد نفسها في وضع سيكون فيه عليها الموافقة على احتلال إسرائيل المباشر والكامل للقطاع فترةً طويلة. عندها ستضطر الى الاكتفاء بدور المسؤول عن سلوك إسرائيل الإنساني، والوسيط لتوفير الغذاء والأدوية بالكمية وبالحجم المطلوب. احتمالية اخرى هي أن تقوم بالانتقال الى العمل الناجع بروحية اقتراحات سوليفان على محمود عباس، مثل البدء في تأهيل قوة شرطة فلسطينية ونقل ميزانيات للسلطة من اجل تمويل الاجهزة الامنية في الضفة الغربية وبعد ذلك في القطاع، واجراء مفاوضات مستعجلة مع مصر ودول الاتحاد الاوروبي حول استئناف اتفاق المعابر الذي وقع في 2005، وترتيب النشاطات في معبر رفح في الطرف الغزي والمصري، والبدء في العمل مع السلطة الحالية بالبنية الحالية لها، بدون انتظار اجراء الاصلاحات المطلوبة من اجل تلبية ما عرفه الرئيس الأميركي بـ “السلطة المجددة”.
الولايات المتحدة عملت وتعمل مع حكومات كثيرة في الشرق الاوسط وخارجه، حتى عندما كانت هذه الحكومات لا تمتثل لطلباتها في اجراء الاصلاحات، باستثناء اظهار الاخلاص للمصالح الأميركية. مثلا واشنطن تقوم بمساعدة لبنان وتمول رواتب الجيش وتوقع على اتفاقات مع الحكومة اللبنانية المؤقتة، الفاسدة والتي لا تحصل على دعم الجمهور، كل ذلك في الوقت الذي في هذه الحكومة يوجد اعضاء يمثلون حزب الله. يمكن القول بأنه اذا وافقت هذه الحكومة على البدء في المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية بينها وبين إسرائيل كخطوة قبل تطبيق القرار 1701، فان الولايات المتحدة لن تطلب منها أجراء أي إصلاحات أو أن تشكل في البداية “حكومة محدثة”. بنفس الطريقة الولايات المتحدة تدفع قدما بعملية سلمية بين الحوثيين والسعودية وبين شطري اليمن، وهي لا تضع أي شرط لهذا الدعم، أن يبدأ الحوثيون بارتداء البدلات أو أن يتوقفوا عن هجماتهم على السفن في البحر الاحمر.
توجد طريقة اخرى لتجاوز الشرط الاساسي للسلطة الفلسطينية، التي تطلب عملية سياسية على اساس حل الدولتين قبل تولي المسؤولية عن قطاع غزة. الولايات المتحدة يمكنها التعهد من الآن باطلاق هذه العملية حسب الطريقة التي تم فيها ترتيب مؤتمر مدريد في 1991. ولكن في هذه المرة فان مهمة واشنطن يمكن أن تكون اكثر سهولة. بعض الدول العربية اصبحت موقعة على اتفاق سلام مع اسرائيل، والسعودية ستكون الكأس الذهبية التي ستعطي لاسرائيل الثمن السياسي الذي تطمح اليه. كل هذه القنوات تضمن التصادم المباشر بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن هكذا ايضا سيستمر احتلال القطاع.



