ترجمات عبرية

هآرتس: غزة أصبحت ملعبا لمباريات دولية، وحماس لا تجلس كمتفرج بل ترسخ سيطرتها

هآرتس 24/10/2025، تسفي برئيلغزة أصبحت ملعبا لمباريات دولية، وحماس لا تجلس كمتفرج بل ترسخ سيطرتها

عندما سيغادر نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس المجال الجوي الإسرائيلي، ويأتي مكانه مباشرة وزير الخارجية ماركو روبيو، وعندما يحرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تلقي تقارير جارية من الميدان، فان معنى ذلك هو ان الولايات المتحدة انتقلت الى الإدارة الجزئية لقطاع غزة، وإسرائيل تحولت الى طابعة تطبع الأوامر وتنفذ طبقا لها. هذا التطور الدراماتيكي يتم تسويقه في إسرائيل كـ “تنسيق مواقف”. عمليا، هذا املاء يجسد حلم آخر لترامب، الذي في شهر شباط الماضي – عندما نشر خطة إقامة الريفييرا الفاخرة في غزة – قرر ان “الولايات المتحدة ستسيطر على غزة” و”ستكون هي مالكتها”. هذا ليس “سيطرة افراد”. مثلما في أفغانستان وفي العراق، بنت واشنطن تحالف دولي يستهدف تحمل العبء الأمني والاقتصادي الباهظ المرتبط بتطبيق خطة العشرين نقطة لترامب. ولكن الان، كما كان في أفغانستان وفي العراق، كشفت العلامات الأولى للفشل التخطيطي الذي من شانه ان يؤدي الى نتائج مشابهة.

عن العيوب البارزة سبق وكتب قدر لا بأس به. قوة دولية، عربية او غيرها، لم تشكل بعد ومثلها تغيب أيضا خطة تمويل لتشغيلها. تركيا، مصر، وربما أذربيجان واتحاد الامارات، عبرت في الواقع عن استعداد علني للمشاركة في هذه القوة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. كم من الجنود سيكون مطلوب؟ من سيترأس القوة، هل سيكون جنرال امريكي أو مصري؟ في يد من الصلاحيات لتقرير أي قوات ستدخل؟ هل ستكون إسرائيل أو الولايات المتحدة؟ إسرائيل تعارض بشدة مشاركة قوات تركية وقطرية، والولايات المتحدة تتفهم هذه المعارضة، لكن من غير المؤكد أنها ستتبناها.

هذه فقط قضايا فرعية. لان الخلاف الأساسي يدور حول توصيف مهام هذه القوات، وهو ما يتوقف عليه أيضا استعداد الدول الشريكة لارسال قواتها الى قطاع غزة. تهدف “قوة الاستقرار الدولية” كما هو محدد في خطة ترامب الى الحفاظ على الامن الداخلي في غزة والعمل كقوة رد ضد الإرهاب والتهديدات عالية الخطورة، وحماية البنية التحتية والأنشطة الإنسانية، وتدريب ومساعدة قوات الشرطة الفلسطينية التي ستدخل الى القطاع.

وكذلك، تنص الخطة على انه “سيتم تدمير جميع البنى التحتية الإرهابية ولن يعاد بناؤها، وستدار عملية نزع السلاح تحت اشراف دولي”. يبدو ان هذا وصف دقيق ومصاغ بصورة جيدة. مع ذلك، على عكس اتفاق وقف النار في لبنان، حيث تقع مسؤولية نزع سلاح حزب الله على عاتق الحكومة اللبنانية، لا تنص خطة ترامب في أي جزء منها على ان القوة الدولية في غزة ستقوم بنزع سلاح حماس.

كما يبدو، عشرات الدول التي عبرت عن دعمها للخطة، جميعها تؤيد وقف اطلاق النار وإعادة الرهائن، وتنمية غزة وإعادة تاهيلها، وتحييد حماس عن أي سيطرة على القطاع. ولكن بعد المرحلة الأولى في الخطة، التي لم تستكمل بعد حتى إعادة جميع جثث الرهائن القتلى، يتضح ان جغرافيا سياسية جديدة تتشكل في غزة، وقد تهدد الخطة كلها وتذكرنا بدروس أفغانستان.

بعد الانسحاب الأول، إسرائيل تسيطر على 53 في المئة من أراضي قطاع غزة، لكن غالبية سكانه يعيشون في الـ 47 في المئة المتبقية، وحماس تسيطر بالتدريج على المنطقة. لقد كتب المحلل والباحث الأمريكي – اللبناني وليد فارس، الذي كان مستشار ترامب في ولايته السابقة وشارك في حملته الانتخابية للولاية الأولى في مقال نشره في موقع “اندبندنت عربية”، وهو موقع اخباري سعودي ينشر بالتعاون مع صحيفة “اندبندنت” البريطانية، كتب ان “حماس سترسخ وجودها في المدن الرئيسية، في الاقتصاد والاعلام، وستسعى الى الاستفادة من كل مشروع اقتصادي. اذا لم تسلم حماس سلاحها في “غرب غزة” (كما يسمي فارس المنطقة التي تسيطر عليها حماس حاليا) فتسلح إسرائيل المليشيات الفلسطينية في “شرق غزة”، واذا لم تدخل قوة متعددة الجنسيات مع قوات السلطة الفلسطينية المعتدلة والمتفق عليها، فسيتم انشاء مليشيتان وسلطتان فلسطينيتان في غزة، وقد تتعاونا مع بعضهما البعض”.

ان تفسيره له ما يستند اليه، فخطة ترامب نفسها تقول انه “اذا تاخرت حماس او رفضت الاقتراح فان الترتيبات والمساعدات سيتواصلان في المنطقة النظيفة من الإرهاب، التي ستنتقل من سيطرة الجيش الإسرائيلي الى القوة متعددة الجنسيات”. وبالتالي، الخطة تتوقع إمكانية انشاء قطاعين في غزة.

هناك بحث نشر قبل سنتين تقريبا في مجلة كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، لخص في 9 صفحات إخفاقات تدخل القوة متعددة الجنسيات في أفغانستان، وعلى راسها يشير الى ان “الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في أفغانستان حددت بصورة غير سليمة وغير مترابطة ونفذت عشوائيا وفقا لطبيعة الإدارة في كل سنة ووفقا للقيادة العسكرية المشرفة في حينه. هل كان الهدف محاربة القوات التخريبية؟ إعادة بناء البلاد؟ تقديم الاستشارة والمساعدة وبناء الديمقراطية؟. لقد تفاقمت المشكلة بسبب كثرة الحلفاء والشركاء والكيانات الأخرى (مثل المنظمات غير الحكومية)، التي جلبت معها اجندات وأساليب عملها الخاصة الى ميدان العمليات في أفغانستان.

التطورات التي يتوقعها فارس ستكون ارض خصبة لتطبيق اجندات استراتيجية خاصة، التي ستسوقها الدول التي وقعت على اعلان ترامب في شرم الشيخ في الأسبوع الماضي – مصر وقطر وتركيا – والتي ستكون ضامنة لتنفيذ الخطة، بينما ستكتفي إسرائيل بالوقوف متفرجة. قبل أسبوعين تقريبا اعلن وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي عن اعداد قائمة تضم 15 عضو في مجلس الإدارة المؤقت، وان “القائمة متفق عليها مع جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس”.

عبد العاطي لم ير في ذلك تناقض مع القول بان حماس لن تكون شريكة في إدارة غزة، ومثله أيضا قطر، وتبنوا القائمة.

ليس من نافل القول التذكير بان ترامب نفسه قال انه ليست لديه مشكلة في ان تكون حماس “بصورة مؤقتة” مسؤولة عن الامن الداخلي، وحسب تقارير في وسائل اعلام عربية فان قطر وتركيا تجريان محادثات مع الإدارة الامريكية حول “تعديلات” على خطة ترامب، التي في الواقع تامر حماس “بنزع سلاحها”، لكنها ستبقي نزع السلاح الى مرحلة متاخرة. متى ستاتي هذه المرحلة؟ ربما عندما ستقام دولة فلسطينية كما تطالب حماس.

بين تركيا ومصر

ان الصراع في غزة بين ما يبدو انه تحالف امريكي – تركي – قطري من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، ليس الا مرحلة واحدة في صراع متعدد الأطراف. وحتى بين الشركاء العرب، لا سيما بين مصر، قطر وتركيا، لا تسير الأمور على ما يرام. فهم غارقون في ذكريات مريرة شكلت علاقاتهم لسنوات، وقد يكون لها تاثير على كيفية تعاملهم مع مستقبل غزة.

من الاحداث الرئيسية التي حددت علاقات مصر مع تركيا لنحو 12 سنة، هو ما حدث في أيلول 2011، عندما وصل وفد تركي رفيع الى مصر بقيادة رجب طيب اردوغان، رئيس وزراء تركيا في حينه، قبل ان يتم تعيينه كرئيس بعد ثلاث سنوات. مصر كانت تمر في حينه في مرحلة انتقالية مضطربة، في الفترة بين الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في اعقاب ثورة الربيع العربي والانتخابات التي أوصلت محمد مرسي، ممثل حركة الاخوان المسلمين، الى الرئاسة. لقد كان الاستقبال فاخر على نحو لائق، حيث هتف الحشد المتحمس “اردوغان، اردوغان، يزعزع عروش الطغاة”. بالنسبة لاردوغان كانت هذه فرصة تاريخية لترسيخ نفوذ تركيا في مصر، لا سيما بعد الفتور الشديد الذي تميزت به علاقته مع مبارك، وليس معه فقط.

إسرائيل تصنف تركيا كدولة تابعة لحركة الاخوان المسلمين، ولكن في 2007 نشر محمد مرسي مقال مطول ومفصل شرح فيه لماذا لا يمكن لتركيا، وحزب العدالة والتنمية برئاسة اردوغان واردوغان نفسه، ان يكونوا حلفاء مع حركة الاخوان المسلمين. ليس فقط لان تركيا عضوة في حلف الناتو، المسؤول عن قتل الكثير من المسلمين والعرب. وليس فقط لانها تعترف بإسرائيل وتحافظ على علاقات دبلوماسية وامنية معها.

“حزب العدالة والتنمية اعلن عن موافقته ورضاه عن علمانية تركيا وفق التفسير الغربي. وهنا يكمن الفرق الكبير بينها وبين هدفنا الأساسي، وهو ان تكون للمسلمين دولة إسلامية، وليس دولة دينية وفق التعريف الضيق كما يفهم الغرب”، كتب مرسي وأضاف. “هذا هو الفرق أيضا بين الدولة المصرية التي يعيش فيها الاخوان المسلمون حسب دستورها الذي ينص على ان الدين الرسمي في الدولة هو الإسلام، وان الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الرئيسي… وبين تركيا التي ينص دستورها على انها دولة علمانية”.

اسلام تركيا لا يمكن أن يكون اسلام مصر أو اسلام أي  دولة مسلمة، هكذا افتى حكماء الشريعة للاخوان.

اردوغان، الذي اعتقد انه خلال زيارته في مصر في 2011 سيتمكن من رأب الصدع الأيديولوجي بينه وبين الاخوان المسلمين وجعل تركيا مرشد للحكومة الجديدة، ارتكب خطأ فادح عندما قال في مقابلة صحفية: “امنيتي هي ان تكون مصر دولة علمانية تحترم جميع مركبات المجتمع المصري… الدولة العلمانية لا تعني ان يكون الشعب علماني. انا لست علماني، ولكني رئيس دولة علمانية”.

رد الاخوان المسلمين المدوي لم يتاخر. الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة التابع للاخوان المسلمين، قال: “نحن نرحب بتركيا واردوغان كقائد استثنائي من بين قادة المنطقة. ولكن نحن لا نعتقد انه هو او بلاده يستطيعان لوحدهما قيادة المنطقة أو تشكيل مستقبلها. الدول العربية لا تحتاج الى مشاريع خارجية. هذه المشاريع يجب ان تاتي من داخل الأنظمة العربية، خاصة بعد ثورة الربيع العربي، عندما تصبح الأنظمة ديمقراطية”. هذا ما توقعه العريان الذي تم اعتقاله بعد أطاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمرسي في تموز 2013 واعلن حرب شاملة على حركة الاخوان المسلمين.

الحسابات السياسية والاقتصادية لاردوغان تحطمت في حينه بمرة واحدة، وحساب طويل ومرير فتح بينه وبين السيسي. اردوغان لم يعترف بشرعية نظامه، ونصب نفسه كمدافع عن الاخوان المسلمين وأعطى أعضاء الحركة الذين نجحوا في الهرب من مصر ملجأ آمن وحتى منحهم الجنسية. الى ان دار الدولاب السياسي في المنطقة، وبعد ان ادرك اردوغان في ذروة الازمة الاقتصادية العميقة ان شريان الحياة يكمن في دول الخليج، أعاد علاقته مع ابن سلمان، الشخص المسؤول عن قتل الصحافي جمال الخاشقجي في تركيا. ومع الامارات العربية، وأخيرا مع مصر السيسي التي وصفت حركة الاخوان المسلمين (لكن ليس حماس) كمنظمة إرهابية. في المقابل، فرض اردوغان قيود حازمة على نشاطات الاخوان المسلمين في تركيا، بل وسلم عدد كبير من النشطاء لمصر. ولكن الشكوك بين السيسي واردوغان لم تتلاشى، ولن يكون من المجازفة القول بان السيسي، مثل إسرائيل، غير متحمس تماما للتواجد المحتمل للقوات التركية في غزة، وبموطيء القدم الواسع الذي اكتسبه اردوغان في الصراع الذي استبعد منه لسنوات.

مصر تخشى من أن تُسقط الاجندة التركية – القطرية، الدولتان اللتان تعملان معا على جبهات متعددة، بدءا من سوريا وحتى ليبيا وأفغانستان، مصر من مكانتها كراعية في قطاع غزة. فطالما ان مصر كانت تسيطر على شريان الاقتصاد في القطاع وتجعل حماس تعتمد عليها فهي ستستفيد من التغييرات السياسية الإقليمية، بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل. أما الان فقد تنتقل هذه المكانة الى يد “دول تحالف ترامب” التي ستملي على مصر حدود تدخلها السياسي في القطاع وخارجه. ومثلما اتضح في أفغانستان والعراق فانه عندما تفشل دول “التحالف” الراعية في صياغة استراتيجية موحدة وملزمة وقابلة للتنفيذ، تسيطر قوى المقاومة المحلية على البلاد.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى