هآرتس: عندما يتحدثون في العالم عن مذبحة، هم يفكرون في غزة

هآرتس 18/7/2024، جدعون ليفي: عندما يتحدثون في العالم عن مذبحة، هم يفكرون في غزة
عندما يتحدث الاسرائيلي عن مذبحة فهو يتحدث عن 7 تشرين الاول، فقط 7 تشرين الاول. مفهوم “مذبحة” سيطر على الخطاب وهو الآن كلمة مرادفة لهجوم 7 اكتوبر. هذا واضح، كانت مذبحة، واحدة فقط، ولن يكون غيرها ولا يوجد غيرها حتى الآن. ايضا الكارثة، خلافا لذلك، كانت هناك كارثة واحدة ووحيدة. وحقوق من اخترعوا هذا المفهوم محفوظة حصريا للشعب اليهودي ودولة اسرائيل الى أبد الآبدين، ليس ارمينيا أو رواندا. واذا حدثت، لا سمح الله، كارثة لشعب آخر فان حقوق الاختراع هي لنا. الكارثة فقط هي كارثة اليهود، بالضبط مثلما المذبحة فقط هي مذبحة الاسرائيليين
لكن في الوقت الذي فيه الكارثة في الحقيقة عرضت شيطنة غير مسبوقة، سواء بالنسبة لتخطيطها أو أبعاد قتلها، فان الحديث عن مذبحة 7 اكتوبر كمذبحة وحيدة في المحيط هو اشارة اخرى على انقطاع اسرائيل عن الواقع، والتفكير بأنه فقط دم اليهود هو المهم، وعلى غسل الادمغة وتبييض الجرائم واقصاء مذبحة الآخر الاكبر منها في غزة ونفي كارثتها.
الآن كل شخص في العالم يتحدث عن المذبحة، باستثناء رجال الدعاية الاسرائيلية، يقصد ما تفعله اسرائيل في غزة. تقريبا كل شخص في اسرائيل يعتبر استخدام كلمة “مذبحة” بخصوص غزة مظهر من مظاهر اللاسامية. اليهود لا ينفذون أبدا المذابح. هم دائما الضحايا. احيانا عندما اسمع الاسرائيليين يتحدثون ويذكرون المذبحة، يغريني التفكير في أنه أخيرا فتحوا عيونهم، وأنهم يقصدون ما نفعله في غزة. أين. خيبة الامل دائما فورية تقريبا.
في 7 تشرين الاول حدثت مذبحة فظيعة بالطبع ويجب عدم نفي ذلك. اسرائيل أوقفت الساعة منذ ذلك الحين، وهي لا تتوقف عن التمرغ فيها صبح مساء، الى درجة أنها لا تستطيع ملاحظة ما يحدث منذ ذلك الحين، وبعد ذلك حدثت مذبحة أكبر بسبعة اضعاف، اذا لم يكن اكثر. هذا ليس فيه ما يقلل من شدة مذبحة 7 تشرين الاول ووحشيتها.
لكن التسعة اشهر بعد ذلك جعلت غزة مسلخ مع خطوط انتاج للقتل الجماعي. وغلاف غزة اصبح صورة آخذة في النسيان. لم يعد يوجد يوم بدون عشرات القتلى الفلسطينيين، معظمهم من النساء والاطفال. الحد الادنى الاخلاقي هو الاعتراف بوجود هذه المذبحة. يمكن تبريرها وعرضها على أنها شر لا بد منه، هناك عدد غير قليل من الاشخاص المسرورين منها ويأملون المزيد من الذبح، لكن عدم الاعتراف بوجودها هو كذب مقرف.
من كثرة نفي الواقع فان اسرائيل ترفض الاعتراف بأنه يمكن الامرين، سواء الصدمة والانفعال من 7 تشرين الاول وايضا الانفعال مما تفعله اسرائيل منذ ذلك الحين. هكذا يتصرف كل عاقل. اسرائيل تخشى من أن اعتبار افعالها في غزة مذبحة يمكن أن يخفف شدة الافعال الفظيعة في 7 تشرين الاول ونسيانها.
في الحقيقة هذا بالضبط ما حدث في العالم. فبسبب المذبحة الثانية، الاكبر بكثير من حيث حجمها والتي لا تقل وحشية عن سابقتها، هذا اذا كان يمكن المقارنة بين وحشية ووحشية، فان ذكرى المذبحة الاولى اصبحت ضبابية، الى درجة أنها تقريبا نسيت في القلوب. هذا ليس لاسامية، هذه هي الابعاد. هذا هو سفك الدماء الذي لا يتوقف على يد دولة قوية انطلقت الى حملة انتقام ضد سكان ابرياء، الذين خرج من بينهم من نفذوا المذبحة ضدها. ولكن أي مذبحة لا تبرر مذبحة اخرى. متى سنفهم ذلك.
يصعب جدا الحديث الآن في العالم عن 7 تشرين الاول، عن القتلى وحتى عن المخطوفين. بعد 40 ألف قتيل تقريبا في غزة، 8 آلاف منهم هم من الاطفال، وآلاف الفلسطينيين المخطوفين في اسرائيل، فانه يصعب بشكل كبير اثارة التعاطف، الذي رافق اسرائيل في الايام الاولى والذي تم محوه بالذات بيدها ومن خلال افعالها. من غير الصعب فهم ذلك.
يجب فقط النظر من الخارج، من وراء غلاف الدعاية الاسرائيلية اللزج، في الايام الاكثر اهانة وخجلا في تاريخها. غزة مدمرة وسكانها معوزين واسرائيل تستمر في ذبحهم بدون رحمة. عندما يقولون في تموز 2024 كلمة “مذبحة” فهم يقصدون ذلك بالضبط. الآن فقط اصبحوا يقصدون ذلك.