هآرتس: عملاء اسرائيل في غزة وفي الضفة لا يمكنهم قيادة الفلسطينيين

هآرتس – جاكي خوري – 8/7/2025 عملاء اسرائيل في غزة وفي الضفة لا يمكنهم قيادة الفلسطينيين
مؤخرا تظهر في الاخبار قصص عن معارك السيطرة في الفضاء الفلسطيني، التي تظهر مهمة، ولكنها تدل على درس لم تتعلمه اسرائيل بعد. نشرت تقارير عن مبادرة محلية في الخليل تهدف الى الانفصال عن السلطة الفلسطينية واقامة امارة مستقلة والانضمام الى الاتفاقات التي توجد بين اسرائيل والدول العربية. في نفس الوقت نشرت مقابلة مع شخص يطلق على نفسه اسم “رئيس مليشيات أبو شباب” في غزة. هو يتعهد بمحاربة حماس وتمثيل مصالح الفلسطينيين في القطاع.
في الخليل سارع وجهاء عائلة الجعبري، التي احد ابناءها يقول بانه صاحب المبادرة، الى التنصل من هذه الخطوة. يبدو ان هذه المبادرة دفنت في المهد. في حين انه في غزة فان كل من يعرف المنطقة يعرف أن “أبو شباب” يعمل فقط في رفح، التي توجد تحت السيطرة الاسرائيلية، وأنه يعتمد كليا على الجيش الاسرائيلي والشباك من اجل بقائه. مشكوك فيه أن يكون له تأييد شعبي، ومن المؤكد انه سيختفي مع أي تغيير تكتيكي أو أي انسحاب اسرائيل من المنطقة. هذه الحالات هي امثلة آنية على ان اسرائيل تواصل محاولة استنساخ نماذج سابقة فاشلة. هي تؤمن ان قيادة “بديلة” تؤيد اسرائيل يمكنها السيطرة على السكان في غزة، الذين يعتبرون اعداء لاسرائيل، لكن هذا وهم. التاريخ يظهر مرة تلو الاخرى بان العملاء، حتى لو ظهر انهم يوفرون الاستقرار في المنطقة، إلا انهم وصفة للانفجار آجلا أو عاجلا.
في الثمانينيات تفككت روابط القرى في الضفة الغربية عندما اعتبرت ذراع للاحتلال، في الوقت الذي حاولت فيه اسرائيل ايجاد بديل للفصائل الفلسطينية وم.ت.ف. في لبنان المليشيا التي تسمى “جيش لبنان اللبناني” لم تبق بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي في ايار 2000. قبل عقدين من ذلك حاولت اسرائيل عقد تحالف في لبنان مع زعيم الكتائب والقوات المسيحية برئاسة بشير الجميل من اجل ابعاد م.ت.ف. ولكن اغتيال بشير الجميل ومذبحة صبرا وشاتيلا لم تجلب الاستقرار ولم توفر الامن لاسرائيل. وبدلا منها ظهر حزب الله الذي اصبح اللاعب الذي يسيطر في لبنان الى ما قبل بضعة اشهر.
انهيار هذه النماذج لا يعتبر خاص باسرائيل. فالولايات المتحدة تبنت نفس الاسلوب في افغانستان عندما قامت برعاية الرئيس حامد كرزاي واعتمدت على جيش فاسد ومفكك، الى ان انهار بين عشية وضحاها، وعاد طالبان الى الحكم. في العراق حدث فراغ في اعقاب الغزو الامريكي بدون بديل مدني موثوق، وهو الوضع الذي استغلته القاعدة والمليشيات الشيعية وداعش. ايضا في سوريا ازدادت الفوضى في اعقاب انهيار اجهزة الحكم ومحاولة الدفع قدما بـ “قوى معتدلة”، التي مهدت الارضية لصعود داعش في ظل نظام الاسد. بعد تفكك النظام دخلت قوات اسلامية كبيرة، التي وصفها بأنها “ديمقراطية” ما زال حوله علامة استفهام كبيرة.
بكلمات اخرى، محاولة هندسة قيادة من الخارج، مزروعة وتعتمد على اسرائيل، ربما توفر الشعور الآني بالسيطرة، ولكن على المدى البعيد هي تغذي الفوضى. القيادة غير الشرعية ستتحطم، والفوضى التي ستنشأ ستكون الوقود للعدو القادم. نتيجة محاولة بناء عملاء لا تنتهي بتحطمها، بل هي تواصل اثارة سفك الدماء حتى بعد سنوات. مثلما فتحت اسرائيل المجال لحزب الله عند انهيار جيش لبنان الجنوبي، فان الولايات المتحدة فتحت باب الشرق الاوسط لايران عند انهيار نظام صدام حسين. الفشل لا يبقى محليا، بل يخلق موجة اقليمية.
محاولة الدفع قدما بأبو شباب كنموذج لغزة ما بعد حماس هي بالضبط نفس الاسلوب: حل سهل وسريع وسطحي لمشكلة معقدة تحتاج الى عملية عميقة وبطيئة، فيها المجتمع الفلسطيني يحدد من جديد قيادته، لا أن يوافق عليها كمفروضة من الخارج. اسرائيل، مثل دول كبيرة سابقة، يجب عليها استيعاب القاعدة الاساسية وهي انه لا يمكن هندسة الشرعية وفرض القيادة، وبالتاكيد ليس على الشعب الفلسطيني. القيادة الشعبية يجب أن تنمو من اوساط الشعب وبارادته، وإلا فان مكانها سيكون سلة قمامة التاريخ.