ترجمات عبرية

هآرتس: طيش نتنياهو: أضرار عميقة يصعب إصلاحها

هآرتس 2023-04-14، بقلم: الون بن دافيد: طيش نتنياهو: أضرار عميقة يصعب إصلاحها

قبل لحظة من غدو دولة إسرائيل ابنة 75 سنة تصبح مشابهة اكثر فأكثر في طابعها لشخصية زعيمها، الأصغر منها بقليل: متنازعة مع نفسها ومع محيطها، مليئة بالاستياء والكراهية، قلقة، عديمة الاتجاه ومفعمة بإحساس بالنقمة.

تجلب الشيخوخة معها أحيانا النضج، طول النفس والتسليم، لكن هناك الكثيرون ممن تطلق الشيخوخة لديهم قيودا سلوكية، ومزايا طبيعية سلبية كانت موجودة دوما لكنها كبتت تستيقظ وتتعاظم مع ضعف قوة مقاومة الروح.

بعد 100 يوم من الاندفاع في رحلة تدمير عديمة الكوابح، يبدو رئيس الوزراء في الأيام الأخيرة كمن يحاول إجراء رقابة أضرار وإبطاء التدهور إلى هوة الضياع. في زمن أقصى نجح نتنياهو في أن يفكك الأمن القومي والشخصي عندنا ويحول إسرائيل من قوة عظمى إقليمية يدق كل العالم بابها سعيا وراء قدراتها إلى دولة ممزقة يرى أعداؤها فيها فريسة سهلة فيما ينظر أصدقاؤها إليها كمن تعاني من الضياع.

يبدو نتنياهو في الأيام الأخيرة كمن يجتهد لأن يرتدي مرة أخرى عباءة الراشد المسؤول الذي يتخذ قرارات متوازنة، بل حتى نجح في أن يتحدث عن الوحدة في ظل تغلبه على طبيعته للتحريض ولاتهام الآخرين. من السابق لأوانه بعد أن نعرف إذا كان هذا يبشر بعودة نتنياهو السابق، الحذر والدقيق، في شؤون الأمن أم أن هذه طبقة زينة طليت على عجل وسرعان ما ستذوب ما أن يعود الابن إلى قربه.

لكن حتى لو افترضنا أن نتنياهو صادق في رغبته في الإصلاح وأن هذه ليست حيلة مخادعة أخرى امتشقت من كمه فثمة أضرار لم يعد ممكنا إصلاحها. من أحب أن يرى نفسه كـ”سيد الأمن” فقد ثقة القيادة الأمنية في إسرائيل. معظم قادة أجهزة الأمن عندهم شكوك عميقة بتفكير نتنياهو وبقدرته على اتخاذ قرارات عقلانية. في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي لم يهدؤوا بعد من اللقاء المشحون معه عشية الفصح. وقد رأينا مقطعا مصورا يتحدث فيه وزير الدفاع يوآف غالانت والى جانبه يجلس نتنياهو في ما تدور عيناه بعدم ارتياح في مجال الغرفة.

بعد أن خرجت الكاميرا، نشب تراشق قاس للكلام: “رجال الاحتياط لديكم يهددون بالإضراب”، عاد واتهم نتنياهو الحاضرين وكأن من يخدم في الاحتياط ليسوا منا، ليسوا منا جميعنا. تحدث عن رفض رجال الاحتياط إلى أن أبدى له احد الجنرالات ملاحظة بأنه لم يسبق أن كانت حالة واحدة من الرفض، ومجرد اختيار استخدام تعبير “الرفض” هو قول سياسي. وسرعان ما اسكت الجنرال، لكن يخيل أن رئيس الأركان هرتسي هليفي هو الآخر فهم بأن استخدام تعبير “الرفض” يزيد فقط الاحتمال في أن يتحقق.

الأشخاص الذي يتحدثون عن وقف التطوع إذا ما أجيزت قوانين الانقلاب النظامي هم أناس قاتلوا، طاروا وهاجموا تحت خمس حكومات نتنياهو السابقة. وحتى لو لم يكونوا تماثلوا في الماضي مع سياسة الحكومة فهم لم يشككوا أبدا بشرعيتها ووضعوا الرسمية والالتزام تجاه دولة إسرائيل فوق كل شيء. أما الآن فهم يحاولون التحذير من أنه بات هناك وضع مختلف، إذا كفت الدولة عن أن تكون ديمقراطية مثلما يعترف حتى وزير العدل فلن نتمكن من المواصلة في خدمتها.

صورة الوضع التي عرضت على نتنياهو مخيفة: إذا ما أجيزت قوانين الانقلاب بالقراءة الثالثة، فإن عدد الطيارين الذين سيتوقفون عن التطوع كفيل بأن يصل إلى ألف، وهو معظم قوة سلاح الجو. في الجيش الدائم أيضا سيكون ضباط كثيرون سيسعون إلى فسخ العقد والتسرح، وحتى في النظامي يتوقع هجران للوحدات التطوعية. والى جانب جهاز القضاء فإن التشريع سيصفي الجيش أيضا.

“على مدى السنين اخدم الدولة، تحت حكومات مختلفة”، قال احد الطيارين في لقاء مع وزير الدفاع ورئيس الأركان. “كنت اعرف دوما بأني عندما القي قنبلة كفيلة بأن تقتل الكثيرين، بمن فيهم أبرياء أيضا، لا تزال توجد خلفي دولة ستساندني، ليس فقط قانونيا، بل وأخلاقيا أيضا. إذا ما أجيز التشريع فإني افقد هذا الإسناد ولن أتمكن من الاستمرار”.

منذ ثماني سنوات وعلاقات نتنياهو مع القيادة الأمنية مصابة بالشك. منذ انتخب في المرة الأولى كرئيس وزراء شاب ووقف أمام أمنون لبكين شاحك الراحل، وهو رئيس أركان قديم ومجرب، لم يخف عدم تقديره له، نتنياهو كان دوما يرى في رجال الجيش والأمن خصوما محتملين. حتى بعد عشرات السنين في الحكم، فيما أنه هو الذي عين كل قيادة الأمن، فإن الشك لا يزال هناك.

كل رؤساء الأركان الذين عينهم، كل رؤساء “الشاباك” و”الموساد” (باستثناء واحد)، خرجوا دائما ضده. رغم الخدمة العسكرية، رغم سقوط الأخ، رغم كل سنواته كقائد – نتنياهو لا يزال يشعر بالغربة أمام قادة أجهزة الأمن في إسرائيل. ثقافة التحقيق الصادق، ثقافة اختبار النتيجة وليس الأقوال ومجرد وجود ضمير قيمي – كل هذه غريبة عليه. ولعله أيضا يشعر بأن هؤلاء الأشخاص، اكثر من الجميع، يرون مواضع ضعفه.

النائب دافيد بيتان، باستقامته التي يتميز بها، قال ذات مرة، إن “شيئا ما في الخدمة في (الشاباك) وفي (الموساد) يحول قادتهما إلى يساريين”. هذا الشيء ما هو ضرورة النظر إلى الواقع كما هو، دون التأثر بالتغريدات في الخلفية أو بالتصريحات العليلة في البث الحي والمباشر. هؤلاء الأشخاص يقولون له الآن، إنه يقودنا إلى مصيبة، وليس فقط أمنية.

يحتمل أن شيئا ما من هذا يتسلل. فقرار نتنياهو إلغاء إقالة وزير الدفاع كان لازما وسليما، حتى وإن تغلف بخطاب تحريض آخر وهروب من المسؤولية. فحقيقة أنه قاد “الكابنيت” إلى قرارات محسوبة حيال سورية وغزة وامتنع عن الانجرار خلف الهامل الذي عينه كـ”وزير الأمن القومي” في القرار عن الحرم هو مؤشر مشجع.

في المقابل، فإن قطيع أبواقه وأبواق ابنه يواصل الحديث عن “انقلاب عسكري” وعن طيارين ورجال احتياط “لا حاجة لهم”، ويشعلون النار في الجمرات الملتهبة في أوساط خادمي الاحتياط. إن الاختبار الأهم لنتنياهو هو: وقف قوانين الانقلاب. هذا هو المفجر الذي يهدد بتدميرنا جميعا. لو أن “حزب الله”، “حماس” وإيران، يمكنهم أن يشاركوا في التصويت – لوقفوا بحماسة إلى جانب لفين وروتمان.

أيام الذكرى القريبة ستكون هذه السنة حزينة على نحو خاص. فالانقسام والانشقاق اللذان فرضا علينا سيكونان حاضرين أيضا في المقابر وفي الصافرة. هذه السنة، حين سنتذكر من كانوا “طبق الفضة” سنعرف أنهم بموتهم منحونا ليس فقط الحياة، بل وأيضا واجب مواصلة الكفاح في سبيل استقلالنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى