ترجمات عبرية

هآرتس – شبان الدرج يمثلون الملل  الفلسطيني

هآرتس – بقلم عميره هاس – 26/4/2021

” حتى لو تم اجراء الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني كما هو مخطط له، فليس من المؤكد أن الشبان الذين سئموا من قيادتهم كانوا ينوون التصويت من البداية. ورفع الحواجز من باب العامود لن يعيد بالضرورة الوضع الى سابق عهده الهش “.

       الشبان الذين تصادموا في باب العامود مع الشرطة الاسرائيلية تقريبا في كل مساء منذ بداية شهر رمضان، يمثلون ولا يمثلون باقي أبناء مدينتهم الفلسطينيين. موقف المقدسيين من المواجهات هو موقف داعم ومتحفظ. في حي المصرارة تجري حرب، وعلى بعد بضعة شوارع، داخل البلدة القديمة أو في حي شعفاط، الحياة تسير كالحالة المعتادة غير العادية. التوتر القابل للاشتعال والسائد في القدس منذ اسبوعين تقريبا يمكن أن يخبو في أي لحظة، ويمكن أن يتأجج في أي لحظة.

       هذه السيولة يمكن أن تندمج مع حقيقة أنه لا توجد في القدس قيادة فلسطينية يصغي اليها سكان هذه المدينة الفلسطينية ويثقون بها. لا توجد قيادة فلسطينية يثقون ويؤمنون بها، بحيث تستطيع أن ترفع الصدامات الى مرحلة أعلى وأن تصل الى عصيان عام حتى في الضفة الغربية. أو أن تقرر، لاسباب تكون مقبولة على الجميع، أنه يجب تخفيف اللهب قبيل الانتخابات. أيضا لا توجد قيادة تدعو للثقة بحيث تستطيع أن تستنكر المس بعابري السبيل اليهود.

       الفلسطينيون بشكل عام، وسكان القدس بشكل خاص، يعيشون في وضع دائم من ضبط النفس ازاء استمرار غير منقطع من التنكيلات الاقتصادية، المادية والنفسية، ضد وجودهم كشعب وكأشخاص من جانب حكومة اسرائيل ووكلائها الرسميين (الشباك، الجيش، الشرطة والادارة المدنية)، وغير الرسميين (جمعيات اليمين واليمين المسيحاني واشخاص عنصريون آخرون). في مناطق الضفة الغربية التي لا تشمل شرقي القدس، وحتى في قطاع غزة، توجد للسكان فرصة كي ينسوا لفترة معينة تواصل التنكيل، وايجاد اماكن لجوء مجازية وفترات هدنة عاطفية. وفي نفس الوقت في القدس “الموحدة”، الفلسطينيين طوال الوقت يتم التصادم معهم ومع مكانتهم المتدنية التي خلقتها اسرائيل وتخلدها بسياسة التهويد التي تتبعها.

       اليهود الذين يستوطنون في قلب الاحياء الفلسطينية مع طرد مباشر وغير مباشر للسكان الفلسطينيين؛ احباط النشاطات الثقافية والتعليمية والسياسية من قبل الشرطة بذريعة أن السلطة الفلسطينية لها يد في الموضوع؛ ضائقة السكن التي تتفاقم بسبب سياسات حكومية متعمدة ومصادرة احتياطي الاراضي الفلسطينية؛ الافقار وفرض ضرائب بلدية مرتفعة لا تتناسب مع الرواتب المنخفضة؛ رجال شرطة يكمنون لكل من لا يظهر كأنه يهودي – هذه فقط بعض الامثلة التي تفسر المحنة المستمرة التي يعيش فيها كل فلسطيني في شرقي القدس. ولأن شرقي القدس تم ضمه لاسرائيل فان الاحتكاك مع سلطات الاحتلال، حتى لو سميت بلدية، وزارة داخلية، مؤسسة التأمين الوطني والشرطة، يتم الشعور به في كل وقت. لا يوجد مكان للهرب اليه، ربما الى بيت لحم ورام الله احيانا، لكن من اجل ذلك أت بحاجة الى المال ومعارف ووقف فراغ. لذلك، ضبط النفس في القدس يحتاج الى مستوى اعلى من الانضباط الذاتي، اليأس أو خيبة الأمل، أو جميعها معا. لذلك، لا توجد أي طريقة كي نخمن ما الذي سيتمخض عن بالون ضبط النفس ومتى. هذه المرة الجدران في باب العامود كانت القشة التي قصمت ظهر الشباب. فهل رفعها الذي تقرر أمس سيعيد الوضع الى سابق عهده الهش، من ضبط النفس المعتاد.

       عدد من سكان المدينة قالوا للصحيفة بأن الانطباع السائد هو أنه لا يوجد لهؤلاء الشباب أي انتماء تنظيمي أو حزبي. ومشكوك فيه اذا كان لهم وعي سياسي يقظ. خلافا لجيل الانتفاضة الاولى الذي تربى في ثقافة يقظة للتنظيمات السياسية (رغم حظرها)، ومع نقاشاتها المبدئية والمناظرات التي كانت فيما بينهم والالهام الذي حصلوا عليه من القيادات في المنفى – هؤلاء الشباب لا يوجد لهم نُزل ايديولوجي.

       كذلك ايضا يقول عنهم سكان المدينة: “هم يدخنون، ليس فقط التبغ. هم يأكلون المكسرات ويحرقون الوقت على الدرج ويغازلون الفتيات، هم غير متدينين بشكل خاص، هم يعملون في اسرائيل، هم الذين يطلقون الموسيقى من سياراتهم. هم بسلوكهم المنفتح يحرجون الكبار. هم ليسوا النموذج المثالي للثوريين والذين يحاربون من اجل الحرية. في غزة وفي رام الله، البعيدتين، يميلون الى أن يتخيلوا الآن بأنهم طلائع في تجديد النضال الشعبي.

       في القدس يقولون بأدب: “هذا جيل مشوش”، سواء كان مشوش أم لا، هم بالطبع يشهدون تواصل التنكيل مثل الجميع ويتضررون منه. لذلك، في اندلاع غضبهم هم يمثلون الجميع. في القدس، من جهة هم راضون من أن أحد ما يواجه السلطات الاسرائيلية ويحطم وهم الطبيعية. ومن جهة اخرى، هم ممتعضون لأن كل برامج شهر رمضان تعطلت. هناك خوف من الخروج الى الشوارع بعد الافطار وأن تجد نفسك عالق في مكان تجري فيه مواجهات وتطلق الشرطة قنابل الصوت وقنابل الغاز. المحلات والمطاعم في وسط المدينة اغلقت خوفا من أن يقوم أحد الاشخاص باتلاف البضائع.

       الى داخل هذا الوضع المائع والمشوش ينزلق سؤال هل هذا الوضع سيعزز موقف الذين يريدون في حركة فتح الغاء الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطينية أو أنه سيحسم موقف معظم التنظيمات الاخرى التي تطالب باجراء الانتخابات في 22 أيار القادم.

       عند نزول هذا المقال للطباعة، لجنة فتح المركزية اجتمعت في رام الله تحت نفس الشعار الذي يمكن أن يفهم بوجهين، الذي أسمعه رؤساء الحركة في الاسابيع الاخيرة وهو: “بدون القدس لا توجد انتخابات”. هل القصد هو أنه لن يتم اجراء الانتخابات لأن اسرائيل لا تظهر أي علامات على أنها ستسمح باجرائها في القدس، أم أن هناك رغبة ونية لاستخدام الانتخابات كفرصة للعصيان المدني العام، الذي  سينعكس في طرق تصويت غير رسمية مثل الانتقال من بيت الى بيت مع صندوق الاقتراع؟ هذا مثلا ما اقترحه أمس احمد غنيم، عضو فتح الذي انضم الى قائمة “الحرية” بقيادة مروان البرغوثي وناصر القدوة. وهما الشخصان الكبيران في فتح اللذين تحديا حكم الفرد لمحمود عباس.

       غنيم ومرشحون مقدسيون آخرون في القوائم الانتخابية للبرلمان الفلسطيني، أجروا أول أمس نوع من الاعتصام أمام بيت الشرق المغلق والفارغ، الذي كرروا فيه شعار أنه لا توجد انتخابات بدون القدس. تحت قيادة فيصل الحسيني هذا المبنى كان مركز لنشاط سياسي وبحثي ودبلوماسي فلسطيني في بداية الانتفاضة الاولى (الى أن تم اغلاقه بشكل مؤقت) في التسعينيات. بنيامين نتنياهو أمر باغلاقه في آب 2001، بعد مرور شهرين على موت فيصل الحسيني.

       الاعتصام الذي شارك فيه عدد قليل من الاشخاص أول أمس ذكر بأن أي قيادة لم تملأ الفراغ في العشرين سنة الاخيرة، ايضا لو تم اجراء الانتخابات فليس من المؤكد أن شبان الدرج الذين يمثلون الآن مشاعر التبرم الفلسطيني كانوا ينوون من البداية التصويت. هل المواجهات الاخيرة والثناء الذي حصل عليه الشبان، من رفح وحتى جنين، ستساعد على تسييسهم هم وأبناء جيلهم في القدس؟ هل سيفعل هذا انتصارهم على الشرطة الذي اصبح يثير موجات من السرور؟ هذا ما زال سؤال مفتوح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى