ترجمات عبرية

هآرتس: سيبقى الاحتلال ما بقي نتنياهو في الساحة السياسية

ديمتري شومسكي – هآرتس 1-07-2022

كل من يفهم أن عار الاستعباد الوطني للشعب الفلسطيني في يد إسرائيل هو المشكلة الأساسية الوجودية للدولة سيجد صعوبة في أن لا يتوافق مع جدعون ليفي، المندهش من الحقيقة المحيرة بأنه بينما القمع العسكري وإرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين يصل كل يوم الى آفاق جديدة فإن الموضوع الواحد والوحيد الذي تنقسم بشأنه إسرائيل هو مسألة عودة نتنياهو الى الحكم (“هآرتس”، 23/6). نعم، ليست لديك رؤية سياسية شاذة أكثر من وجود “ميرتس” في حكومة يمينية في جوهرها، على حساب التخلي عن مبادئ أساسية جدا، فقط من أجل وقف عودة عائلة نتنياهو الى مقر إقامة رئيس الوزراء في شارع بلفور.
ولكن بالتحديد إزاء المركزية الحصرية تقريباً، المرضية بدرجة معينة، لـ “قضية نتنياهو” على جدول الأعمال السياسي الإسرائيلي، فانه من الواجب الاعتراف بأنه من اجل جعل الواقع السياسي الإسرائيلي طبيعيا – وفي غضون ذلك اعادة مسألة إسرائيل/ فلسطين الى مركز الخطاب السياسي في إسرائيل – فلا مناص من إبعاد نتنياهو عن حياة الدولة السياسية.
أيضاً المعارضون الايديولوجيون الأشد لنتنياهو ملزمون بالاعتراف بأنه زعيم له مستوى تاريخي، وترك بصماته، ويواصل ترك بصماته، تلك التي لا يمكن محوها من تاريخ الدولة. فمنذ بداية حياته السياسية أسهم إسهاماً غير مباشر ولكن أساسي بشكل واضح وله تأثير تاريخي كبير، في تصفية العملية السلمية الإسرائيلية – الفلسطينية، في الوقت الذي قاد فيه حملة التحريض منفلتة العقال ضد اسحق رابين، والتي انتهت بقتله. بعد ذلك، بثبات فكري وحنكة سياسية غير عادية، تمكن نتنياهو من أن يخفي بصورة شبه مطلقة تقريباً المسألة الفلسطينية، ليس فقط عن جدول الأعمال الإسرائيلي، بل أيضاً عن جدول الأعمال الدولي.
في موازاة ذلك، وبمساعدة خطاب ديماغوجي متهكم وكاذب ولكنه إبداعي بصورة لا مثيل لها، نجح نتنياهو – وهو ابن لبروفيسور أشكنازي من جامعة كورنيل – في تطوير شخصيته كضحية للنخبة الأشكنازية. وبذلك، كسب محبة الكثيرين جداً من الشرقيين الذين هم أحفاد ضحايا التمييز الاستشراقي، والذين ما زالت إهانة التمييز العنصري ضدهم من جانب المؤسسة “الأوروبية المركزية” في العقود الأولى لقيام الدولة، تواصل تشكيل الذاكرة الجماعية لهم. وبسبب ظروف تاريخية معقدة، المكان هنا غير مناسب لتفصيلها، فإن أجزاء واسعة من هذا الجمهور مصابة بالتطرف القومي اليهودي المتعصب وكراهية العرب، حيث إن الحرب الضروس لنتنياهو ضد العملية السلمية زادت إعجابهم به. هكذا وجدت الصلة الدائمة بين خطاب التحريض القومي وبين خطاب تقسيم الهويات، الأمر الذي أدى الى ولادة الحركة الاجتماعية الشعبية الاصيلة في إسرائيل الآن، والتي تستحق أن تسمى “البيبية”؛ حركة تضم جمهورا من اليهود الإسرائيليين من مختلف الطوائف.
كلما ازداد وتوسع التقدير الأعمى من قبل أجزاء كبيرة في أوساط الشعب تجاه الزعيم الشعبوي الناجح بدأ نتنياهو في تطوير أنماط حياة وسلوك لديكتاتور منفلت العقال أكثر فأكثر.
ولأنه في دولة قانون فإن العوائق الرئيسية أمام اندفاع نزوات الديكتاتور توجد في منظومات القضاء وإنفاذ القانون، فانه من الطبيعي أن نتنياهو والحركة البيبية قد شنوا هجوماً جبهوياً ضد هذه المنظومات. هذا الهجوم أثار بطبيعة الحال ردوداً مضادة من قبل مواطني الدولة هؤلاء، الذين تُعتبر أجهزة الدفاع من الديكتاتورية مهمة بالنسبة لهم. هكذا فتحت في السنوات الأخيرة معركة إسرائيلية داخلية واسعة بين الذين يعتقدون أنه يجب على الدولة أن تخدم الزعيم المبجل وبين الذين يؤمنون بأنه يجب على الدولة أن تخدم مواطنيها.
يعتبر ليفي نتنياهو، وبحق، زعيماً شعبياً كبيراً، محبوباً ويجد الإعجاب. ويرفض، مرة أخرى وبحق، تقزيم شخصيته وأفعاله. ولكن بالتحديد لأن الأمر يتعلق حقاً بشخصية تاريخية مؤسسة في تاريخ الدولة، أثرت بشكل عميق على كل مجالات الحياة في الواقع الإسرائيلي، فانه من غير الصحيح أن نقزم معاني الاحتجاج المدني ضد هذه الشخصية وتأثيرها. والطابع الشمولي لحركة “فقط ليس بيبي” هو نتيجة طبيعية للطابع الشمولي لحركة “فقط بيبي”. هذه الشمولية، التي هي نتاج الحضور القوي لنتنياهو في حياة الدولة والمجتمع الإسرائيلي، لا تترك أي مجال لأي قضية سياسية أو اجتماعية عدا عن قضية مكانة نتنياهو في مستقبل الدولة القريب.
يجب على من يعارضون الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي، عرباً ويهوداً، أن يروا الواقع كما هو. من ناحية أيديولوجية مبدئية يجب عليهم مواصلة القول ليس “قضية نتنياهو”، بل قضية الاحتلال والأبرتهايد، هي القضية الحاسمة في كل ما يتعلق بمستقبل هذه البلاد وسكانها. ولكن من ناحية سياسية واقعية يجب عليهم الاعتراف بأنه في الظروف السياسية الاستثنائية والعبثية التي نشأت الآن في إسرائيل، وإزاء أهمية بنيامين نتنياهو التاريخية، الذي يعتم على القضايا الوجودية الأخرى للدولة، فإن الشرط الأساسي والحيوي لإعادة قضية فلسطين الى مركز الخطاب الجماهيري والسياسي في إسرائيل هو طرد نتنياهو الى الصحراء السياسية والى الأبد.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى