هآرتس: سياسة التصفيات تهديد منفلت العقال

هآرتس 12/9/2025، يوسي فيرتر: سياسة التصفيات تهديد منفلت العقال
في ظهيرة يوم الثلاثاء، بالضبط في موازاة الصواريخ التي اطلقتها طائرات سلاح الجو على فيلا قادة حماس في الدوحة، اطلق مكتب رئيس الحكومة صلية أكاذيب نحو الجمهور الإسرائيلي: “جميع رؤساء جهاز الامن ايدوا بدون استثناء العملية”؛ “قيادة حماس السياسية هي بالتحديد العائق امام عقد الصفقة”. وقد تم التلميح أيضا الى ان العملية هي رد صهيوني مناسب على عملية اطلاق النار في القدس.
الأكاذيب تم دحضها بسرعة. رئيس الموساد، رئيس الأركان ورئيس هيئة الامن القومي، اعتقدوا انه يجب استنفاد المفاوضات قبل عملية القصف. ولكن نتنياهو لا يريد الاستنفاد، بل هو يريد القصف. وقد برز في هذا الموقف ايال زمير، الذي يجب تقديره بشكل خاص على تمسكه بقضية إعادة المخطوفين. بذلك هو يواصل الخط الأخلاقي والقيمي لسلفه هيرتسي هليفي، بالأساس وهو يعرف ان تحذيره بخصوص المس باحتمالية عقد الصفقة سيسقط على آذان صماء. زمير صمم على اسماع رأيه مع المعرفة بان اعتبارات نتنياهو مختلفة كليا، وان هذه الفترة فقط ستعكر العلاقات المتعكرة أصلا.
الرؤساء احتفلوا بالنجاح. “أنا أمرت الجيش الإسرائيلي بتنفيذ العملية التي نفذت بشكل دقيق، التي تدوي في ارجاء العالم”. ان تبجح نتنياهو في خطابة في متحف التسامح، قبل ان يكون لديه أي دليل عن وضع اهداف الهجوم. “لقد انقضت الأيام التي كان فيها قتلة شعبنا يحظون بالحصانة”، زأر بغضب مناعطاهم هذه الحصانة. “الأعداء يجب عليهم معرفة شيء واحد وهو أنه منذ إقامة دولة إسرائيل لم يعد دم اليهود مشاع”. نعم، نحن رأينا ذلك.
في لحظة تحولت قطر، “دولة معقدة، غير بسيطة وكثيرون يمدحونها، وكونها دولة غير معادية”، الى شيطان بحد ذاته. في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال، عندما تبين ان رقصة النصر كانت سابقة لاوانها ومبالغ فيها، نشر نتنياهو فيلم غاضب نبح فيه باللغة الإنجليزية وتحدث عن “دول تستضيف الإرهاب”، التي اذا لم تقم باعتقال من يزورونها فنحن “سنفعل ذلك”.
تهديد صريح وفارغ من المضمون (الا اذا كان قد أصيب بالجنون تماما) لمصر وتركيا. هذا الحوار المتطاول، الذي بث بالأساس خيبة أمل مما ظهر في ذلك الوقت كفشل كامل أو جزئي للعملية، اثبت الى أي درجة تشوش رأي رئيس الحكومة. والى أي درجة هو غير مؤهل. منفلت العقال، متغطرس، تحركه فقط الغرائز والدوافع، ويوجه كلامه لـ “القاعدة” الأكثر تطرفا. خطر واضح وفوري على أمن الدولة ومكانتها الدولية.
الذراع السياسية” لحماس يجب بترها. لكن كل شيء يوجد له وقت وشكل. عملية “غضب الله” لقتل أعضاء وقادة المنظمة الإرهابية “أيلول الأسود”، الذين كانوا المسؤولين عن مذبحة الرياضيين في أولمبياد ميونيخ في 1972، استمرت لعقدين. لقد نفذها عملاء الموساد في ارجاء العالم. لو كانت لنتنياهو ذرة من المسؤولية وحكمة غولدا مئير فانه، وللدقة الكابنت، كان سيستنسخ الأوامر التي صدرت في حينه. ولكن في السنتين الأخيرتين هو احب صورة ازعر الحي، صورة “صاحب البيت أصيب بالجنون”، الذي يطلق الصواريخ في كل الاتجاهات ويقصف ويهدم بيوت في طهران، بيروت، دمشق وصنعاء – وبالطبع، في قطاع غزة.
لقد رافق اغتيال قادة حماس أو قادة حزب الله دائما “التقدير” الحكيم الذي يقول بان قتلهم سيكون عامل إيجابي في محاولة التوصل الى صفقة لاطلاق سراح الرهائن. وهذا الامر لم يثبت أبدا.
أبراج في الهواء
في هذه المرحلة من الحرب، وقبل لحظة من اكتمال سنتين على بدايتها، فان كل شيء يجب اشتقاقه من مسالة واحدة فقط: مصير الـ 48 مخطوف ومخطوفة الذين يوجدون في الانفاق، القبور الارتجالية والثلاجات المنتشرة في القطاع. وكيف ستتم اعادتهم الى إسرائيل قبل موت الاحياء بألم واختفاء الشهداء الى الأبد. لا يوجد أي عاقل لن يقول بان العملية في الدوحة، سواء نجحت أو لم تنجح، ستلين موقف قيادة حماس، العسكرية في القطاع والسياسية في قطر، وتجعلها تصرخ: “اريد هذا”. ما اصبح معروف من شهادات المخطوفين المحررين هو ان أي عملية كهذه تجلب عليهم موجة من التعذيب القاسي، الجسدي والنفسي، والتي تضاف الى عذابهم اليومي منذ 707 يوم.
نتنياهو يعيش بارتياح مع معاناتهم. سياسة التصفية التي يتبعها غير موجهة فقط لحماس والاعداء الآخرين في الشرق الأوسط. ففي موازاة ذلك هو يعمل بجدية كبيرة على اغتيال مرة تلو الأخرى، وبنجاح، صفقات لإنقاذ المخطوفين، سواء بنفسه بشكل صريح أو من خلال التسريب على لسان “مصدر سياسي”؛ سواء بواسطة الوكلاء مثل بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير أو بعملية عسكرية متبجحة ولها صوت كبير مثل التي نفذت في قلب الدوحة، والتي قضت على ما كان يبدو كمفاوضات على وشك الاستئناف، حسب مبادرة الرئيس ترامب.
الآراء والانباء بخصوص الجانب الأمريكي في هذا الشأن متناقضة. ما الذي عرفوه، متى عرفوا وهل صادقوا على ذلك. دونالد ترامب، الذي يحب ان يكون فقط متعهد الانتصارات وليس زميل في الإخفاقات، ابعد نفسه بسرعة عن الحدث. الثمن السياسي الذي تدفعه إسرائيل، الذي من غير الواضح اذا حصل على المقابل العسكري، باهظ جدا – هي فقط بدأت في الدفع. ليس فقط في دول اتفاقات إبراهيم التي في الأسبوع القادم ستظهر تضامنها ودعمها لقطر، بل أيضا في دول أوروبا، التي كثير من زعمائها يعتبرون رئيس حكومة إسرائيل نوع من بوتين الشرق الأوسط.
بعد الدوحة ستشخص الأنظار نحو قطاع غزة. الأسبوع الماضي تميز باسقاط أبراج في مدينة غزة على يد الجيش الإسرائيلي. عمليات القصف التي تؤجل الدخول البري الكثيف الى المدينة – عملية لا جدوى لها لان لا احد يعرف كم بيان مرعب بدأ بـ “سمح بالنشر” سيكون في نهايتها. مشاهد الأبراج المدمرة كانت مرضية لقاعدة نتنياهو، ووفرت مادة لعروض وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الغريبة والصبيانية، في الشبكات الاجتماعية؛ ومن جهة أخرى، هي تمنح رئيس الأركان ايال زمير لحظة للتنفس، حيث يؤكد ان العملية ستنفذ بوتيرة مدروسة ودقيقة، وفقا للمعايير التي تحددها القيادة المهنية، أي الجيش. زمير يبحث عن المنقذ الذي سيمنع العملية من الاستمرار ويؤدي في النهاية الى عمل سياسي (الذي تتجنبه الحكومة بشدة)، بعنوان “اطلاق سراح الرهائن”. في الأسبوع القادم يمكن توقع تصعيد إضافي في مواجهته مع مجلس الوزراء الذي سيتهمه بالتأكيد بالتباطؤ وعدم الشجاعة.
الدائرة التي فتحت باعطاء أمر تنفيذ العملية في الدوحة، يمكن ان تغلق هنا بالضبط، مع ترامب الذي اضطر أيضا في هذا الأسبوع الى امتصاص الشكاوى التي جلبها عليه نتنياهو، من شركائه في قطر وزعماء الشرق الأوسط وحتى مؤيديه في الداخل. مبدأ نتنياهو هو مواصلة الحرب طالما أن ترامب يسمح له بذلك، وطالما أننا بعيدين عن موعد الانتخابات. عملية الاغتيال كان يمكن ان تخلق له صورة النصر المامول التي تحمل الرقم الذي لا احد يعرفه، والتي معها كان يمكن ان يعلن “نحن قتلنا، حققنا وانهينا”. في الوضع الحالي هي من شانها ان تجلب له صورة نهاية أخرى: حامضة وخالية من أي بهجة. قد يقوده الإحباط المتاجج في داخله الى مناطق بالغة الخطورة، لن يدفع هو ثمنها – هو لا يدفعه أبدا كما نعرف – بل الجنود والرهائن وعائلاتهم.
توأم التحريض
أيضا أعضاء اليمين وجدوا صعوبة في هضم انقضاض ايتمار بن غفير وبنيامين نتنياهو على المحكمة العليا في ساحة العملية في القدس. “الدم لم يجف بعد”، وهذان الفاشلان المتسلسلان، اللذان انهار من الدماء تسيل تحت ارجلهم وعلى أيديهم، يحرضان ضد قضاة المحكمة العليا، الذين كل ما قضوا به هو انه يجب تطبيق السياسة القانونية بخصوص السجناء الأمنيين في السجون الإسرائيلية.
الان لا يوجد أي سبب للتفريق بين الازعر والكهاني الأصلي، وتقليده. نتنياهو سمع بن غفير، الى جانبه، يتطاول بصورة وحشية على المحكمة العليا وسارع الى الانضمام وتوبيخ القضاة لانهم لا يفهمون ان إسرائيل في حالة حرب. هو لن يسمح لأي احد بتطويقه من اليمين، حتى لو كان الكهاني الأكثر حقارة.
ما ظهر في تلك اللحظة كعمل تلقائي هو جزء من استراتيجية نزع الشرعية عن قضاة المحكمة العليا قبل الانتخابات. الحملة الانتخابية الآخذة في الاقتراب ستشغل جدا المحاكم. خلال الحملة الطويلة، في يوم الانتخابات وربما أيضا بعده. ان الصاق لقب خونة، الذين ليس فقط لا يساعدون الدولة التي تحارب اعداءها بل يتعاونون معهم، استهدف تمهيد الأرضية لخرق جماعي وتجاهل ورفض تنفيذ قرارات المحكمة التي ستصدر في هذه الأشهر. هذا هو الهدف الحقير.
ان المشهد المريض لوزير الفشل القومي، وللمتهم الذي هرب من المحكمة ووصل الى مكان الحدث، حيث كان وجوده غير ضروري ومزعج جدا – يمكن تلخيص الامر في قصة واحدة من الميدان حدثتني عنها مراسلة قامت بتغطية الحدث. عندما وصل بن غفير الى مكان الحدث تم ارسال الشرطة لدفع المراسلين والمصورين الى الخلف بذريعة وجود “متفجرات مشتبه فيها”، وان التجمع يتعارض مع عملهم. عندها بادر مصور وقال للشرطة: “لكن بن غفير طلب منا التقاط صورة له”. في تلك اللحظة تنحى رجال الشرطة جانبا وفتحوا المجال لوسائل الاعلام. بالنسبة لهم كان هناك شخص واحد فقط يدير الحدث، وهو لم يكن القائد.