ترجمات عبرية

هآرتس: ساحات القتال التي تبطن الخزائن التركية

هآرتس 8-9-2022م، بقلم تسفي برئيل

أكثر من 50 طائرة مسيرة حربية باعتها تركيا لأوكرانيا حتى الآن. خلال بضعة أشهر منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حصلت هذه المسيرات على اسم “تغيير اللعبة” بسبب إسهامها المهم في القدرة الدفاعية والهجومية للقوات الأوكرانية. قادة في أوكرانيا قالوا بأنه لولا هذه المساعدة التركية لوجدوا صعوبة كبيرة في مواجهة القوافل الروسية، والدبابات والمركبات المدرعة. رئيس الأركان الأوكراني، فاليريه زاوجني، كشف هذا الأسبوع عن أن الطائرات المسيرة التركية هدمت خلال ثلاثة أيام معدات وسلاحاً روسياً بحجم يبلغ حوالي 26 مليون دولار.

روسيا طلبت من تركيا عدم بيع المسيرات لأوكرانيا، لكنها ووجهت بموقف تركي حازم ورئيس تركي أوضح بأنه مستعد للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ولكنه لن يتوقف عن تزويد المسيرات وسلاح آخر لأوكرانيا. “بيع المسيرات لأوكرانيا لا يعتبر مساعدة من الحكومة التركية، بل هو صفقات لشركات خاصة”، هذا ما أوضحه في مقابلات مع وسائل الإعلام. هذا المبرر المختلق استهدف امتصاص ضغط روسيا، وكأنه لا توجد أي علاقة بين منتجي السلاح الأتراك والحكومة.

ولكن في تموز الماضي، قال أردوغان بأن بوتين توجه إليه وطلب بناء مصنع مشترك لإنتاج الطائرات المسيرة. وقبل فترة قصيرة من الإعلان عن طلب بوتين، أجرت شبكة “سي.إن” مقابلة مع خلوق بيرقدار، المدير العام لشركة “بايكار” التي تنتج الطائرات المسيرة، وقال في المقابلة بحزم: “لن نعطيهم (الروس) شيئاً، ولن نفعل هذا الشيء أبداً. نحن نؤيد أوكرانيا وسيادتها ومقاومتها للاحتلال الروسي، ونؤيد استقلالها أيضاً. نحن فخورون جداً ونتأثر من كوننا أحد رموز هذه المقاومة الكبيرة لأوكرانيا التي تتعرض للاعتداء الشديد”.

بيرقدار ظهر وكأنه سياسي أكثر مما هو منتج سلاح، يسمح لنفسه بالتحدث بشكل رسمي: خلوق هو شقيق سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس أردوغان (في العام 2016 تزوج سمية ابنة سلجوق)، ومن يترأس التطوير التكنولوجي في الشركة. الشقيقان هما أبناء مؤسس الشركة، وقد عبرا بشكل صحيح عن موقف أردوغان. يعرفان مصالح تركيا، ليس فقط السياسية والعسكرية، بل الاقتصادية أيضاً.

شركة بيرق هي المسؤولة عن القفزة في حجم التصدير الأمني لتركيا بعشرات النسب المئوية. حتى قبل الحرب في أوكرانيا شاركت الطائرات المسيرة للشركة، “بيرقدار تي.بي2” في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورنو قره باغ. تم بيع بعضها للسلطات الإثيوبية التي استخدمتها كما يبدو ضد المدنيين. مع هذه التجربة الحربية والثمن الرخيص نسبياً، بضع عشرات من ملايين الدولارات مقابل مئات الملايين التي تكلفها المنظومات الأمريكية والقدرات التكنولوجية، التي تمكن المسيرة من الوقوف في السماء أكثر من 24 ساعة وخلالها تشغل 250 كم من بعد، لم يكن من الصعب على الشركة تلبية ملف الطلبيات الذي قدم لها. وهي الآن تخطط لمضاعفة قدرة الإنتاج، من 200 طائرة مسيرة في السنة إلى 500 طائرة.

المسيرات التركية هي العلامة التجارية التي تضفي الجودة على كل الصناعات العسكرية التركية. التي كانت مهملة قبل عقدين تقريباً، سواء من ناحية اقتصادية أو تكنولوجية. ما زال المؤرخون يذكرون صفقة شراء المسيرات من نوع “هارون”، التي وقعت بين تركيا وإسرائيل في 2005، وانتهت بضجة بسبب عدم التطابق بين مواصفات التسليم والمنتج الذي تم تسليمه. في السنة الأخيرة، صدرت تركيا سلاحاً ووسائل قتالية أخرى مثل مركبات مدرعة وطائرات مروحية قتالية وسفن دورية وحربية بمبلغ 3 مليارات دولار تقريباً. والتوقع هو أنه حتى نهاية السنة سيزداد التصدير وسيصل إلى 4 مليارات دولار.

في الواقع هي بعيدة عن حجم تصدير الصين والولايات المتحدة وفرنسا، أو إسرائيل التي تصدر تقريباً أربعة أضعاف تصدير تركيا. ولكن عندما يكون طموح أردوغان هو أن يتم تضمين تركيا في قائمة العشر اقتصادات الأقوى في العالم، فإن تصدير السلاح التركي قد يشكل الرافعة الاقتصادية الأساسية. حسب معطيات نشرها اتحاد الصناعات العسكرية، فإن حجم الإنتاج الأمني هو نحو 60 مليار دولار، في حين أن نصيب ميزانية الدفاع في الدولة متواضع نسبياً، نحو 20 مليار دولار، منها مليار ونصف مخصصة للأبحاث والتطوير. الزبائن الأكبر للصناعات التركية هم في قطر وباكستان وبنغلاديش والفلبين وفي عدد من دول إفريقيا، لكن عند استئناف العلاقات بين تركيا والإمارات والسعودية فمن المتوقع أن تحصل سوق السلاح التركية على نمو كبير سيشمل التعاون الإنتاجي بينها وبين دول الشرق الأوسط.

في هذه السنة، نشر أردوغان بأن تركيا تنتج الآن 70 في المئة من استهلاكها مقابل أقل من 30 في المئة قبل عقد. حسب تقرير لـ “اس.آي.بي.آر.آي” فإنه بين الأعوام 2016 – 2020 تقلص استيراد تركيا للسلاح 59 في المئة مقارنة مع الخمس سنوات السابقة. هذه تعتبر قفزة بعدة درجات في دولة استثمرت في العام 2002 نحو مليار دولار فقط في تطوير الصناعات العسكرية، والتي اضطرت إلى استيراد معظم معداتها العسكرية وسلاحها.

مع ذلك، ما زالت تركيا تعتمد على الاستيراد العسكري، لا سيما الطائرات والمروحيات ومنظومات الدفاع الجوي. وهي تجري مفاوضات مع الإدارة الأمريكية حول شراء طائرات “إف 16” ومنظومات لتحسين طائرات “إف 16” القديمة التي لديها. وقد اشترت أجهزة رادار وصواريخ متقدمة من نوع “اس 400” من روسيا.

تقليص استيراد السلاح ليس فقط نتيجة زيادة الإنتاج وتصدير الوسائل العسكرية التركية، بل ينبع أيضاً من تجميد مشروع تطوير وإنتاج طائرة “إف 35” الأمريكية، الذي كانت تركيا شريكة فيه. إبعاد تركيا عن المشروع بسبب شراء منظومات الدفاع الروسية أضر كثيراً ببرنامج التطوير العسكري لتركيا، وأوضح لها ضرورة الاستثمار في بدائل إنتاج محلية. في كانون الثاني الماضي، بشر أردوغان بتدشين خطة لتطوير طائرة قتالية متقدمة من إنتاج تركيا باسم “تيركش فايبر” (المقاتلة التركية). حسب أقوال الرئيس، ستحل هذه الطائرة محل طائرات إف 16 القديمة. وحسب الخطة، هذه الطائرة ستكون الطائرة القتالية التركية “الوطنية” في العام 2029.

إنتاج وتصدير السلاح التركي ليس فقط مصدر دخل جديداً وطموحاً، بل هو أيضاً مصدر له منافع سياسية بالنسبة لها. فمشاركتها في الحرب في أوكرانيا تمنح وساطتها وزناً آخر بسبب أنها مزودة لسلاح أثبت فعاليته في ميدان المعركة وحقق إنجازات لأوكرانيا. وسفن الدورية التي باعتها لمصر تدعم الجهود السياسية لاستئناف العلاقات بين الدولتين. هكذا تنجح تركيا بأن توجد لنفسها طريق وصول إلى دول إفريقية ودول في شرق آسيا، وهي الدول التي تجد صعوبة في شراء السلاح الأمريكي أو الأوروبي المتقدم. وهي ليست بحاجة إلى القدرات التكنولوجية الأكثر تطوراً.

مشكلة أردوغان هي أن التصدير الأمني الآخذ في التطور لا يقلل نفقات تركيا العسكرية الضخمة التي تنبع من حربها في سوريا، وتكلفة استضافة نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، الذين تنوي تركيا إقامة مخيمات استيعاب لعدد منهم في سوريا. وتمويل المليشيات السورية التي تعمل في سوريا باسمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى