ترجمات عبرية

هآرتس: رغم التهديد على إسرائيل، ايران في موقف انتظار

هآرتس 30/6/2024، تسفي برئيل: رغم التهديد على إسرائيل، ايران في موقف انتظار

التهديد الذي نشرته البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة على حسابها في شبكة “اكس” في يوم الجمعة تمت صياغته بعناية كبيرة. “ايران ترى في دعاية النظام الصهيوني عن نيته مهاجمة لبنان حرب نفسية، لكن اذا شن هجوم عسكري شامل فان النتيجة ستكون حرب مدمرة. جميع الخيارات، بما في ذلك تدخل جميع جبهات المقاومة، ستكون موضوعة على الطاولة”.

صائغو التهديد كانوا حذرين من الإعلان بأن ايران نفسها ستشارك في مثل هذه الحرب، لكنهم أشاروا الى أن التطور المهدد اكثر هو تدخل كل وكلاء ايران في المعركة. معنى الرسالة الذي يتضح من التهديد هو زيادة هجمات المليشيات الشيعية على إسرائيل وعلى اهداف أمريكية اذا كانت الولايات المتحدة متورطة في الحرب، وتوسيع حجم الهجمات من قبل الحوثيين، وبالطبع هجوم شامل من قبل حزب الله على إسرائيل.

يطرح سؤال هل ايران نفسها في الحقيقة ستشارك في الهجمات بشكل مباشر؟ في الحقيقة “كل الخيارات مطروحة”، لكن بيان ايران يخلو من اعلان صريح كهذا. حتى الآن ايران ما زالت تتعامل مع تهديدات إسرائيل ومع التهديدات الامريكية على أنها “حرب نفسية”، بما في ذلك التي تم نقلها اليها والى لبنان في قنوات دبلوماسية أمريكية وأوروبية. من ناحية ايران فان الحديث ما زال يدور عن ضغط سياسي استهدف أن يفرض على حزب الله وقف اطلاق النار حتى لو لم يتحقق الشرط الأساسي للمنظمة، وقف اطلاق النار بين إسرائيل وحماس.

التشدد في تصريح ايران يكمن في الأساس بأنها تتحمل المسؤولية العلنية عن قدرتها على تشغيل جميع جبهات المقاومة. حتى الآن ايران تبنت “موقف المراقب عن كثب” الذي طرحت فيه نفسها كمن لا تبادر أبدا أو تشغل أو تنسق نشاطات الحوثيين في اليمين والمليشيات الشيعية في العراق أو حزب الله نفسه في اطار “وحدة الساحات”. ايران ردت بشكل مباشر فقط عندما تمت مهاجمتها كما حدث في شهر نيسان، بعد تصفية إسرائيل لرضا محمد زاهدي. اغتيال قائد قوة القدس للبنان وسوريا بواسطة تفجير مبنى قرب القنصلية الإيرانية في دمشق تم تنفيذه في المكان الذي تعتبره ايران منطقة توجد تحت سيادتها. ايران أكدت دائما بأن “كل جبهة مقاومة” إقليمية تعمل بشكل مستقل وفقا للظروف والمصالح لكل دولة من الدول التي تعمل فيها.

الأكثر أهمية هو أنه امام تهديد إسرائيل بشن حرب ضد لبنان، وليس فقط ضد حزب الله، فان ايران تلعب دور الدولة العظمى الإقليمية، وتهدد ليس فقط إسرائيل بل أيضا الدولى العظمى العدوة، الولايات المتحدة، اذا انضمت للحرب بأي شكل من الاشكال. من خلال اتخاذ الموقف فان ايران تحدد بشكل جديد دورها. فهي ليست فقط تحارب من اجل الفلسطينيين أو من اجل وقف اطلاق النار في غزة، بل هي تهدد أيضا بتفعيل “وحدة الساحات” من اجل لبنان اذا اندلعت الحرب. هذا الموقف يستهدف أيضا ايقاظ الدول العربية من اللامبالاة الواضحة إزاء مهاجمة دولة شقيقة.

لكن الى حين حدوث ، هذا اذا حدث، تطور جديد على الأرض فان مفهوم “الحرب النفسية” ما زال ساري المفعول – ليس فقط حسب تفسير ايران. هذا المفهوم استخدمه أيضا رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، عندما زار أمس قيادة قطاع جنوب الليطاني التابع للجيش اللبناني في مدينة صور. “التهديد الذي نشاهده الآن هو نوع من الحرب النفسية”، قال اثناء زيارته. وقد قال شيء آخر مهم بدرجة لا تقل عن ذلك: “نحن جئنا الى هنا (الى جنوب لبنان) من اجل معرفة كيف تسير الامتحانات النهائية الرسمية. الحقيقة المفهومة ضمنيا هي أنه لو أن الجيش لم يكن متشر في جنوب لبنان لما كان يمكن اجراء الامتحانات. نحن نؤكد مرة أخرى في كل مكان بأن الجيش هو الركيزة والسور الواقي للشعب، بكل معنى الكلمة”. ميقاتي قال إن الجيش وليس حزب الله، هو السور الواقي للدولة. هذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها انتقاد علني لسلوك حزب الله بهدف سحب منه الشرعية التي ينسبها حسن نصر الله للمواجهة مع إسرائيل، وكأن الامر يتعلق بحرب دفاعية عن لبنان.

على أي حال “الحرب النفسية” هي في هذه الاثناء افتراض، ليس فقط لإيران بل أيضا للبنان. ربما هي تستند الى احاطات حصل عليها ميقاتي مؤخرا من جهات أمريكية وفرنسية، التي ما زالت تعتقد أنه رغم تصعيد خطاب التهديد إلا أن جميع الأطراف، إسرائيل وحزب الله وايران، ما زالت غير موجودة في مرحلة فيها هم مستعدون أو يريدون اندلاع حرب شاملة.

المصادر السياسية التي تحدثت مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية نشرت هي أيضا أنه “في المنطقة نفسها حتى الآن لا تظهر علامات بأن الطرفين قد وصلا الى مرحلة الاستعداد العليا، وهذه حقيقة غابت عن الأنظار بسبب التهديدات اللفظية العالية فيما بينهم”. هذه التهديدات، حسب تقدير هذه المصادر، استهدفت تمهيد الأرض قبيل المفاوضات السياسية بين إسرائيل ولبنان التي يتوقع أن تبدأ فورا بعد دخول وقف اطلاق النار في غزة الى حيز التنفيذ، “بهدف تحسين شروط المفاوضات لكل طرف من الأطراف عندما سيبدأ الوسيط الأمريكي في نشاطاته في اليوم التالي”. حسب هذه المصادر فان حزب الله سبق وابلغ قوة الأمم المتحدة “اليونفيل” في لبنان بأنه في شهر آب يتوقع اتخاذ قرار حول تمديد الانتداب لنشاطاتها في لبنان، وأنه لا ينوي توسيع المعركة. حسب رؤيته فانه في هذه الحرب حزب الله حقق معظم أهدافه، العلنية وغير العلنية. فقد اظهر شراكته الكاملة في “وحدة الساحات” من اجل نضال الفلسطينيين، حسب تفسير حسن نصر الله. أيضا اشغل الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية وبذلك قيد قدرته على العمل في غزة بشكل كامل، وتسبب في اخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من بيوتهم. كل ذلك، حسب معادلة حزب الله، تحول الدمار وضحايا حزب الله ولبنان الى أمور جديرة مقارنة مع الإنجازات. لم يكن أي شيء ذهب عبثا.

رغم الانتقاد الشديد لحزب الله من قبل الخصوم السياسيين في لبنان، إلا أنه يستغل المواجهة مع إسرائيل كأداة لزيادة قوته السياسية التي تمكنه من التمسك بـ “الموقف الصلب” في قضية تعيين الرئيس في لبنان. إضافة الى ذلك أيضا الخصوم التقليديين مثل وليد جنبلاط، رئيس التيار الدرزي الرئيسي ومن ترأس الحزب التقدمي الاشتراكي، على استعداد للتفاوض مع حسن نصر الله حول تعيين الرئيس. أيضا من الواضح أنه عندما سيحين الوقت لاجراء المفاوضات بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البرية فان حزب الله هو الذي سيحدد الشروط.

للوهلة الأولى يبدو أنه سواء حزب الله أو ايران قد استنفدوا الحرب، وأن أي دخول الى حرب أوسع يمكن أن يقضم الإنجازات التي ينسبها حزب الله لنفسه، ولا نريد القول بأنه سيحطمها من الأساس. ولكن حزب الله وايران وإسرائيل أيضا مقيدين بنفس القيد الفولاذي الذي قام بصنعه حسن نصر الله، الذي يعطي حماس وإسرائيل الحق في رفض صفقة التبادل، وفي الأصل وقف اطلاق النار في غزة. الآن أيضا يتبين أنه رغم الرؤية التي بحسبها حماس هي منظمة تخضع لإيران وتنسق مع حزب الله، إلا أن الأخير لا يملك أدوات ضغط كهذه، يمكن أن تجعل السنوار يوافق على صفقة تبادل تنقذ لبنان من تهديد الحرب الشاملة وتنقذ ايران من المخاطرة بفقدان ثرواتها ومن مواجهة مباشرة وخطيرة مع الولايات المتحدة، وتنقذ إسرائيل من حرب لبنان ثالثة.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى