ترجمات عبرية
هآرتس: رغم الانجازات في غزة وفي لبنان، النهاية لا تبدو في الأفق
هآرتس 7/10/2024، عاموس هرئيل: رغم الانجازات في غزة وفي لبنان، النهاية لا تبدو في الأفق
في يوم السنة الاولى للمذبحة في بلدات غلاف غزة، الحرب التي غرقت فيها اسرائيل آخذة في الاتساع ونهايتها لا تبدو في الافق. في غزة، الجيش الاسرائيلي يجتاح مرة اخرى شمال القطاع ويستعد لدحر عشرات آلاف السكان الفلسطينيين جنوبا بهدف تشديد الضغط على قيادة حماس. في لبنان، طواقم القتال اللوائية تمشط القرى والمناطق الحرشية بهدف تدمير المجالات القتالية لحزب الله. وفي ايران، تهدد اسرائيل بالرد على الهجمة المكثفة بالصواريخ البالستية التي تعرضت لها في الاسبوع الماضي. كدنا نعتاد على البشائر اليومية في اخبار الصباح: صواريخ الى الجليل، صواريخ الى منطقة حيفا والسهول، جنازات قتلى المعارك الاخيرة، صفر تقدم في المفاوضات على صفقة مخطوفين.
لقد كانت هذه سنة رهيبة بدأت بفشل رهيب، القصور الاكبر في تاريخ الدولة. مع نهايتها كان يخيل أن ميل الامور بدأ ينقلب، على الاقل في الساحة الشمالية. سلسلة نجاحات مدوية للجيش الاسرائيلي وأسرة الاستخبارات رجحت الكفة في لبنان، الحقت بحزب الله هزيمة نكراء وحسنت الوضع الاستراتيجي لاسرائيل حيال ايران ووكلائها. لكن القصة بعيدة عن النهاية. الحرب ستستمر عميقا الى سنتها الثانية، والواقع الاقليمي الجديد والعاصف سيؤثر على كل الشرق الاوسط في السنوات القادمة.
اسرائيل ليس فقط لم تحل المشاكل التي طلت عليها في اعقاب هجمة حماس – أولا وقبل كل شيء، مصير الـ 101 مخطوفا في القطاع – بل تنشأ الآن مخاطر وتعقيدات اخرى. النجاحات حيال حزب الله لا تعد بعد باستقرار الوضع الامني، بشكل يسمح باعادة السكان على طول حدود لبنان الى بيوتهم. المواجهة المباشرة، الاولى من نوعها مع ايران، من شأنها أن تسرع قرار النظام للاندفاع الى الامام مع مشروع النووي وتعريفها على الاقل كدولة حافة نووية. والمنطقة كلها كفيلة بأن تقف امام هزات لم تشهد لها مثيلا منذ اندثار احداث الربيع العربي، في نهاية العقد السابق.
بخلاف تام مع ترهات النصر المطلق، التي يطلقها احيانا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المسؤول الرئيس عن الكارثة التي وقعت في اثناء سنوات حكمه الطويل جدا، اسرائيل لا تقترب من حسم المواجهة مع اعدائها. معقول اكثر الافتراض بأن هذه حرب ستدار على التوالي وبقوة متغيرة، على مدى السنوات التالية. الضربة التي تلقيناها في 7 اكتوبر العام الماضي فتحت المواجهة بفشل مدو من شأن الانتعاش منه أن يستغرق عقودا عديدة. ومع ذلك، من الافضل أن نذكر بأن حتى خطط الطرف الخصم تشوشت، بالذات بعد نجاح هجمة حماس. زعماء المنظمة في القطاع، يحيى السنوار ومحمد ضيف، أوقعا على الفلسطينيين كارثة كفيلة بأن تتبين بأنها اخطر من نكبة 1948.
أما ايران التي بدأت في السنوات الاخيرة تستعد بجدية لـ “خطة الابادة” التي هدفها انهيار اسرائيل حتى العام 2040، فتكتشف أن التحدي اكثر تعقيدا مما اعتقدت. “طوق النار” الذي بناه الجنرال قاسم سليماني بكد حول اسرائيل، من خلال تسليح حزب الله وحماس، تضرر بشدة كنتيجة لاجراءات الجيش في غزة وفي لبنان. ترسانة الصواريخ الهائلة كانت معدة لردع اسرائيل عن الهجوم على مواقع النووي الايرانية. أما الآن فان ايران تجد نفسها بدون قسم هام من بوليصة التأمين التي خلقتها لنفسها وبعد أن اعطت هجمتا الصواريخ والمسيرات اللتين بادرت اليهما من اراضيها نحو اسرائيل، في نيسان وفي الاسبوع الماضي، نتائج هزيلة. فايران لم تتورط فقط بشكل مباشر في مواجهة فضلت أن تخوضها ضد اسرائيل من بعيد من خلال وكلاء، لم يعد يمكنها أن تستبعد امكانية هجوم اسرائيلي ضد مواقعها النووية، وبخاصة اذا ما انتخب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في الشهر القادم.
انهيار الفكرة التأسيسية
الانجازات في القتال في غزة واساسا في لبنان لا يمكنها أن تمحو الانطباع الرهيب لـ 7 اكتوبر الذي سيشعر به هذا الصباح كل مواطن اسرائيلي. لكن لا توجد هنا فقط مسألة المشاعر، مهما كانت قاسية. ففي حفلة “نوفا”، في كيبوتسات الغلاف، في سدروت وفي اوفكيم، انهارت مسلمات اساسية للحياة في البلاد. أسرة الاستخبارات التي تباهت على مدى السنين بقدرتها على أن تقتحم وتتنصت لاجهزة العدو وتجمع عنه كميات هائلة من المعلومات، امسك بها بعدم اكتراث مطلق (ولاحقا تبين أن خطة هجوم حماس، “سور اريحا”، كانت لدى شعبة الاستخبارات على مدى اكثر من سنة). قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة احتفظتا بقوة قتالية بالحد الادنى على مقربة من الجدار بحكم ذاك الاستخفاف بالفلسطينيين.
عندما حل التسونامي، على شكل آلاف المخربين وبعدهم الرعاع الغزي، انهارت المنظومة العسكرية الاسرائيلية في غضون دقائق. الجدار اقتحم، الاستحكامات احرقت بموجات اثر موجات والقوات انشغلت بدفاع يائس عن نفسها بدلا من الانطلاق لنجدة المواطنين. في البلدات قاتلت ببطولة ثلل التأهب، من شرطة ومتطوعين، لكنهم اضطروا الى أن ينتظروا على مدى ساعات طويلة حتى وصول قوات التعزيز والانقاذ من الجيش الاسرائيلي. لم ينهار خط الدفاع فقط، بل انهارت الفكرة التأسيسية للدولة؛ تلك التي اعتقدت بأن كل مواطن يعلق في ضائقة امنية يمكنه التعويل على الانتظام السريع لانقاذه حتى لو كان يوجد في عنتيبة. هنا الامور حصلت في داخل اراضي اسرائيل، على مسافة كيلومترات قليلة من قيادة الفرقة، لكن الجيش الاسرائيلي لم يظهر.
المناورة البرية التي بدأت بعد ثلاثة اسابيع من المذبحة غيرت صورة الحرب. حماس لم تنجح في وقف فرق المدرعات والمشاة ورجالها انسحبوا في كل مكان تقدمت فيه قوة اسرائيلية. لكن المنظمة لم تستسلم، بل غيرت صورة عملها وقتالها. اكثر من 40 ألف من سكان القطاع قتلوا (الجيش يقدر بأن 15 ألف منهم على الاقل هم نشطاء حماس) ونحو 90 في المئة منهم نزحوا من بيوتهم، توجد عائلات اضطرت الى أن تنزح من مأوى الى مأوى عشر مرات حتى الآن. معظم المباني في القطاع تضررت ودمرت، في قصف سلاح الجو وفي العمليات البرية.
د. ميخائيل ميلشتاين، خبير في الشؤون الفلسطينية من جامعة تل ابيب، يقول إن “الديمغرافيا والطبوغرافيا في القطاع تغيرتا كنتيجة للحرب. نحو 8 في المئة من السكان، الكثيرون منهم متعلمون وميسورون اقتصاديا، غادروا القطاع الى أن سيطرت اسرائيل على محور فيلادلفيا في أيار. معظمهم يوجدون في مصر”. على حد قوله، تركوا خلفهم اقليما دمرت فيه اسرائيل معظم البنى التحتية المدنية، الجامعات والمباني العامة.
ومع ذلك، حماس تنجح في الابقاء على حوكمة فاعلة جدا في معظم ارجاء القطاع، فيما أن قوات الجيش تسيطر في فلادلفيا، في محور نيتساريم وفي قاطع عرضي بمسافة نحو كيلومتر على الجدار الحدودي. وبالذات دخول القوات أمس الى شمال القطاع يشدد على أن الحرب لم تحسم. الجيش الاسرائيلي يهاجم هناك، على أمل أن لعل الضغط يشجع السنوار على العودة الى المحادثات على صفقة المخطوفين. أما عمليا، فلا تقدم في المفاوضات. المخطوفون الذين تركوا لمصيرهم في 7 اكتوبر يتركون لمصيرهم مرة اخرى في هذه الاشهر والحكومة لا تكترث.
في يوم السنة على المذبحة يستعد الجيش والشباك لمحاولات تسلل الى الغلاف والجهود لاختطاف جنود الى داخل القطاع. العملية الاجرامية في بئر السبع أمس تقدم اشارة مقلقة اخرى. شدة الارهاب من الضفة الغربية هي الاخطر منذ الانتفاضة الثانية. السنوار الحق بالاسرائيليين ضررا اكبر؛ سواء في انعدام الثقة الواضحة الناشئة بقدرة سلطات الدولة على مساعدتهم أو في تكيفنا مع التدهور في انماط قتال الجيش الاسرائيلي، على خلفية فظائع المذبحة والحرب المتواصلة في غزة.
بدون ذرة مسؤولية
نشرت “واشنطن بوست” أمس تحقيقا شاملا عن هجمة اجهزة البيجر واجهزة الاتصال في لبنان، في 17 و18 ايلول. وحسب الصحيفة هذه حملة من الموساد استغرقت قرابة عقد، تحققها تسارع بعد أن قرر حزب الله أن ينقل بعضا من الاجهزة للفحص في ايران، وثار تخوف من أن ينكشف الذخر الاستخباري ويضيع هباء اذا لم يستغل بسرعة.
اذا كانت رواية الصحيفة صحيحة فان الشكل الذي عرضت فيه الامور على الجمهور في البلاد وكأنه اتخذ قرار عاقل بتغيير سلم الاولويات الاستراتيجي وتفضيل ساحة لبنان على غزة، بعيد عن أن يكون دقيقا. لقد كان تفعيل اجهزة البيجر اضطرارا ومثله تفجير اجهزة الاتصال التي كان من شأنها أن تنكشف بعد موجة التفجيرات الاولى. امين عام حزب الله، حسن نصر الله، وجد صعوبة في تنسيق الخطوات دون شبكات اتصال آمنة واجرى لقاء مع مسؤولين كبار في منظمته. هذا هو اللقاء الذي كشفته الاستخبارات الاسرائيلية، بشكل سمح باغتياله في 27 ايلول.
بكلمات اخرى، فان سلسلة الاحداث هنا ظرفية جدا – ونهايتها تصعيد، حتى نار صواريخ حزب الله الى حيفا وغوش دان (التي فشلت في معظمها) ودخول عسكري بري الى جنوب لبنان. النتيجة هي أن اسرائيل تخرج في الشمال الى حرب عادلة وصحيحة، لكنها لا تفعل هذا انطلاقا من فهم استراتيجي واضح، ومرة اخرى لم تتكبد عناء أن تحدد لنفسها صورة النهاية السياسية.
مثل السنوار في غزة، نصر الله هو المذنب الاساس في الوضع الصعب الذي علق فيه لبنان. فالمنظومة المهددة التي بناها ضد اسرائيل تضررت، والمواطنون اللبنانيون بقوا بلا حماية في ضوء الهجمات الاسرائيلية، التي تخلف دمارا واسعا اكثر بكثير مما خلفته كارثة ميناء بيروت في 2020. قراره الانضمام الى هجمة حماس من خلال اطلاق الصواريخ ومضادات الدروع الى الجليل ادى في النهاية الى تصعيد فقد فيه حياته ايضا. بالتعريف، ايران والولايات المتحدة ايضا تورطتا في مواجهة انزلقت الى حرب اقليمية، رغم أن هذه تجري بهدن وبقوة محدودة.
رد الايرانيون بالنار على اسرائيل بعد اغتيال نصر الله، وحسب منشورات اجنبية ضد مسؤول حماس اسماعيل هنية وقبلهما الجنرال الايراني حسن مهداوي. ووجدت الولايات المتحدة نفسها ترسل قوات مهمة كبرى، في الجو وفي البحر، كي تحمي سرائيل. ومؤخرا فقط بدأوا في البنتاغون يشتبهون بتأخر بما كان واضحا جدا لدول المنطقة: فقد اعتقد الامريكيون بأنهم يلجمون سرائيل من خلال اطلاق قواتهم، أما عمليا فقد وفروا لنتنياهو ريح اسناد، تتيح له اخذ مخاطر اعلى. بعد الصواريخ التي طلقتها طهران الاسبوع الماضي، توجه الى الشعب الايراني بدعوة لاسقاط النظام، وصحافيون – مقربون – هددوا بالهجوم على مواقع النووي وصناعة النفط التي يعتمد عليها الاقتصاد المتعثر للنظام.
هذا لا يعني أن اقتصاد اسرائيل في وضع لامع. فالتصنيف الائتماني ينخفض المرة تلو الاخرى، الاقتصاديون في فزع وحركة الطائرات الى اسرائيل محصورة الآن بالشركات المحلية اساسا. تجاه الخارج، رئيس الوزراء يبث ثقة بالذات وغرور، بينما ينثر التهديدات تجاه السنوار من حماس، الزعيم الاعلى الايراني علي خامنئي وكل من سيكون امين عام حزب الله في الاسبوع القادم. عمليا، يمكن الافتراض بأن نتنياهو القديم والمجرب يفهم بأنه تورط هنا الى اكثر مما قدر في البداية.
الرجل الذي في محاولته الافلات من القانون ادخل اسرائيل الى الازمة الدستورية والسياسية الاكبر في تاريخها، الذي قاد حملة تحريض سامة ضد رجال الاحتياط الذين تجرأوا على الاحتجاج، الذي تجاهل مرة تلو الاخرى تحذيرات كبار رجال الجيش عن المس الخطير بأهلية الجيش الاسرائيلي – زرع الريح وحصد العاصفة. لقد فوتت الاستخبارات تماما معنى استعدادات حماس للهجمة، لكنها شخصت جيدا تفسير ايران، حزب الله وحماس، للشرخ الداخلي في اسرائيل. نتنياهو تجاهل والتقطت له الصور مع زوجته في الصيف ما قبل سنة وهو يضع نظارات وردية ويدعو المواطنين الى الاستمتاع بالحياة تحت قيادته.
في رفضه المتواصل أن يأخذ على نفسه منذ سنة حتى ولا ذرة مسؤولية، يواصل نتنياهو فيضيف الخطيئة الى الجريمة. فلا يمكن الاستخفاف بمسؤولية كبار رجالات جهاز الامن – رئيس الاركان هرتسي هليفي، رئيس الشباك رونين بار، وزير الدفاع يوآف غالنت (الذي بشكل ما يتلقى اعفاء جارفا من وسائل الاعلام بسبب عدائه لنتنياهو) وجنرالات الجيش. الحقيقة هي أن المستويات المهنية قللت من خطورة التهديد المحدق من حماس، وبالتالي فشلت بشكل مأساوي في تحليل اشارات الاستخبارات التي وصلت من القطاع في الليلة بين 6 و7 اكتوبر (غالنت مثل نتنياهو، لم يتم اشراكه في المشاورات؛ هذا ايضا جزء من فشل الاشخاص تحتهما).
توجد تعليلات جيدة لابقاء بعض من الاشخاص في مناصبهم، في ضوء انتشار المعركة الى لبنان والى ايران ونوايا نتنياهو أن يعين بدلا منهم أناس من جماعته. ولا يزال لا يمكن ألا نتساءل كيف أنه بمرور سنة، الحرب لا تنتهي، اكثر من ثلث المخطوفين يذوون في الانفاق ومعظم المسؤولين عن القصور لا يزالون باقين في اماكنهم. لعله مدهش اكثر من أي شيء آخر عدم الاكتراث الجماهيري. فالمواطنون لم يعتادوا هذا فقط، بل بعضهم اقتنع بالحملة السلطوية وكأن الامور بعامة تجري كما يجب. هذا وضع امور خطير من شأنه أن يؤدي باسرائيل الى اخفاقات اخرى.



