هآرتس/ ذي ماركر – بقلم سامي بيرتس – ما الذي يقتل الناس أكثر، الفيروس أم الازمة الاقتصادية؟

هآرتس/ ذي ماركر – بقلم سامي بيرتس – 19/3/2020
“ محاولة السيطرة على احصاء انتشار الفيروس تكلف احصائيات عالية في عدد من تمت اقالتهم ومن تم ارسالهم الى اجازة بدون راتب والمصالح التجارية التي ستعلن الافلاس والديون التي ستتراكم في نظام البنوك. في كل العالم توجد ازمة صحية واقتصادية، أما عندنا فتوجد ازمة ثالثة وهي الازمة السياسية “.
في احدى الجلسات المسائية التي عقدت هذا الاسبوع بمشاركة جميع الجهات الاقتصادية، سمعت تقديرات حول تكلفة ازمة الكورونا للاقتصاد، التي تتراوح بين 30 – 100 مليار شيكل. هذا على افتراض أن الجزء الشديد من الازمة سيكون في شهري نيسان – ايار. وقبل انتهاء الربع الثاني من السنة سنشهد اضمحلال.
من أين جاء التقدير بأن هذا ما سيحدث؟ وهكذا، ليس هناك من يعرف ماذا سيحدث، لكن الافتراض يعكس الحاجة الانسانية والمهنية للامساك بسيناريو معين لاعطاء رد مؤقت على الحاجات الفورية. المدى البعيد جدا الذي يمكننا النظر اليه في هذه الاثناء وأن نعطي مساعدة مالية، هو بعد عيد الفصح بقليل. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لا يوجد لدى أحد أي اجابة. في النقاشات يجلس اقتصاديون وخبراء سبق لهم وشهدوا ازمة أو ازمتين في حياتهم. وربما مدى تقدير الاضرار يرتبط بحقيقة أن ازمة كهذه لم يشهدها أحد. ليس بالسرعة التي وصلت فيها وانتشرت أو بخطورة الخطوات القاسية التي تم فرضها على الجمهور والتي تمس بشكل خطير بالطلب والعرض – أو عدم اليقين المطلق فيما يتعلق بمسألة متى يمكن السيطرة على الازمة وكم هو عدد القتلى بسبب الفيروس حتى ذلك الوقت، في قطاع الاعمال وفي اوساط العمال.
احصائيات المصابين بالكورونا تشغل جدا الجمهور ويتم تحديثها كل بضع ساعات، لكن الى جانبها هناك احصاء مخيف بدرجة لا تقل عن ذلك وهو احصاء الشركات التي تم اغلاقها والعمال الذين تمت اقالتهم أو الذين سيخرجون الى اجازة بدون راتب – بأبعاد ضخمة وبسرعة اصابة مخيفة.
من اعتقد قبل اسبوعين بأن هذه مشكلة للفنادق وشركات الطيران سرعان ما اكتشف أن هذا سيصل الى كل الفروع تقريبا – التجارة والصناعة والخدمات والاتصالات والمواصلات والطاقة والقطاع العام. لا يوجد أي فرع محصن امام هذه الازمة. وكلما طالت ستشمل عمال اكثر وشركات اكثر. التأمين الوطني يقدر بأننا سنصل الى 400 ألف عاطل عن العمل حتى نهاية الشهر الحالي.
من هنا، وايضا من سؤال ماذا سيكون حجم الاغلاق على الجمهور، تنبع الفجوات في التقديرات حول الضرر الاقتصادي. مسؤولة الاقتصاد الاولى في وزارة المالية، شيرا غرينبرغ، قدرت هذا الاسبوع بأن الضرر الذي سيلحق بالانتاج يبلغ 45 مليار شيكل. وفي مقابلها سمعت تقديرات تصل الى 30 مليار شيكل من قبل رئيس المجلس القومي للاقتصاد، البروفيسور آفي سمحون. وتقديرات تصل الى 100 مليار شيكل من قبل محافظ بنك اسرائيل، البروفيسور امير يارون. فمن منهم على حق؟ الجواب يتعلق بما يسمى “السيناريو المرجعي” – أي عن أي سيناريو يدور الحديث فيما يتعلق بالتأثيرات الاقتصادية للكورونا على العالم وعلينا؟.
غرينبرغ تستند في تقديرها على سيناريو وسطي لـ “OECD” للاضرار بالناتج القومي – ليس الاشد وليس الافضل. في المرحلة الحالية كل سيناريو يظهر ممكنا. ومن اجل الاعتماد على سيناريو مرجعي معين مطلوب المزيد من الوقت والفهم من اجل القدرة على السيطرة على انتشار الفيروس.
القلق الوجودي يضاف الى القلق من الفيروس
شعار “الاساس هو الصحة” وجه وزارة الصحة منذ بداية هذه الازمة، وفعليا أملى الخط الحكومي لمعالجة الازمة. ولكن الضرر الاشد والاسرع على الاقتصاد وعلى سوق العمل ادخل الى هذا الشعار المزيد من العناصر. لأنه من الواضح أن نسبة بطالة مرتفعة وصعوبات اقتصادية شديدة تخلق قلق وجودي يضاف الى القلق الصحي، وهنا صوت الاقتصاديين الذين يعارضون الاغلاق الشامل للاقتصاد، باستثناء توفير المواد الغذائية والادوية، سمع حتى الآن بشكل جزئي.
وزير الاقتصاد ايلي كوهين الذي يعارض اغلاق شامل للاقتصاد، قال في هذا الاسبوع: “يتحدثون عن عدد الوفيات المحتمل بسبب الكورونا، وايضا الحديث عن سؤال كم عدد الذين سيموتون نتيجة الضغط والنوبات القلبية والاكتئاب بسبب الازمة الاقتصادية والبطالة؟”. محافظ بنك اسرائيل يعارض ايضا بشدة اغلاق شامل للاقتصاد. في هذا الاسبوع تنقل كثيرا بين بنك اسرائيل ومكتب رئيس الحكومة الذي يوجد في المبنى المقابل من اجل صد الضغط الذي تستخدمه عليه وزارة الصحة من اجل اغلاق الاقتصاد بشكل تام تقريبا.
وقد قال هناك بأن تشديد الحصار على الجمهور والمصالح التجارية سيؤدي الى أن يكون “من الصعب جدا” الخروج من الازمة الاقتصادية. يارون وكبار رجال وزارة المالية يدركون أن هذا الاغلاق يمكن أن يكلف الاقتصاد اموال باهظة، وخلق اوضاع لا يمكن الرجعة عنها في شركات كثيرة، التي ستؤدي الى ركود عميق وطويل. عمليا، تكفي هذه الازمة من اجل ادخال القليل من المصالح التجارية الى اوضاع لا يمكن الرجوع عنها. المعنى هو أنها ستغلق الآن ولن يتم فتحها مجددا. كل اسبوع من الحصار باحجام كهذه يدخل المزيد من المصالح التجارية الى هذا الوضع.
من الواضح أن هذا سيدخل في مرحلة ما ايضا النظام المالي الى مشكلة. لقد دخل هذا النظام حقا الى هذه الازمة في وضع جيد، مع الكثير من الفوائض المالية وسنوات طويلة من خسائر اعتماد قليلة جدا. ولكن بضعة اسابيع من هذا الحصار تعني هبوط حاد في النشاط الاقتصادي، وعشرات آلاف المصالح التجارية ومئات آلاف الزبائن الذين لن ينجحوا في تسديد ديونهم – هذا سيحتاج تدخل بنك اسرائيل وعملية انقاذ.
نحن لا نزال بعيدين عن هناك. ولكن توسيع الحصار كما تطلب وزارة الصحة يعني الانتقال من سيناريوهات اقتصادية معقولة الى سيناريوهات اكثر خطورة. هذا سيجبر الحكومة وبنك اسرائيل على الدخول الى نظام ادارة مخاطر – مفهوم مخفف لمحاولة فهم هل فيروس الكورونا أم الازمة الاقتصادية العميقة هي التي ستقتل عدد أكبر من الناس. واذا كانت الصحة هي الاساس فما هي النقطة التي فيها ازمة اقتصادية من شأنها أن تؤدي ايضا الى ازمة صحية خطيرة؟.
خطوات محدودة في عهد حكومة انتقالية
احدى المشكلات الرئيسية التي تميز الازمة الحالية عن ازمات اقتصادية معيارية هي حقيقة أنه في هذه المرة الحكومة هي التي تقمع الطلب. فهي التي تقول للجمهور لا تسافروا، لا تستهلكوا، لا تستجموا. وهذا يؤدي الى اقالات جماعية. بشكل عام، في الازمات وفي اوقات الركود، الحكومة تشجع الطلب وهكذا ايضا البنك المركزي. وفي هذه المرة العكس هو الصحيح. لذلك، ايضا الحلول المطروحة الآن هي شاذة. مثلا، اعطاء منحة تبلغ 6 آلاف شيكل لاصحاب المصالح التجارية الصغيرة، واخراج عشرات آلاف العمال الى اجازة بدون راتب، وفهم أن القطاع العام، الذي هو بشكل عام لا يتضرر في الازمات، سيضطر الى تحمل عبء هذه الازمة. والمدفوعات لخمسين ألف من اصحاب المصالح التجارية المستقلين استهدفت تمكينهم من تجاوز الازمة حتى عيد الفصح. ويوجد لها ايضا جانب نفسي يستهدف ارسال رسالة بأن الحكومة قد غيرت القرص، وأنها مستعدة لتحمل العبء وأن تقوم بخطوات غير مسبوقة لم تستخدم في السابق، الاسهام في تحمل العبء.
هذا يحدث في الوقت الذي فيه درجات حرية الحكومة الانتقالية منخفضة نسبيا. لأنها تعمل حسب ميزانية استمرارية، لذلك هي تلقي على التأمين الوطني مسؤولية معالجة مئات آلاف العاطلين عن العمل والعمال الذين سيخرجون الى اجازة بدون راتب. وهي تطلب ايضا من جهات مثل سلطة الضرائب وشركة الكهرباء والسلطات المحلية وشركات المياه السماح بتأجيل الدفع من اجل تسهيل ضائقة السيولة لدى المستهلكين. في المستقبل سنرى بالطبع جميع هذه الجهات تطالب الدولة بدفع تعويضات عن هذا الوضع الطاريء.
الى جانب الحاجة الى تقليل عدم اليقين وتوفير حلول ميزانية لمشكلات تدفق المقاولين والعاملين لحسابهم الخاص الذي فقدوا مداخيلهم، دائما يطرح سؤال سوء استغلال الوضع. الخطر هو أن هذا الخوف سيزيد الغموض والبيروقراطية ويمنع معالجة سريعة للمتضررين.
كل العالم يواجه الآن في نفس الوقت ازمة 1 + 1: ازمة صحية وازمة اقتصادية. وعندنا هذه ازمة 1+ 1+ 1. لأنها تشمل ايضا ازمة سياسية، كنتيجة لثلاث جولات انتخابية لم تؤد الى حسم واضح وتشكيل حكومة مستقرة. عدم الثقة والشك في الساحة السياسية هي تهديد خطير للقدرة على مواجهة الازمة الاقتصادية المقتربة منا. في أي تشكيلة حكومية، سيكون لها الكثير من المتضررين بمستويات شديدة مختلفة، سيؤدي الى انخفاض مستوى المعيشة وسيضع التضامن في الاختبار والضمانات المتبادلة وايضا مشاعر عدم العدالة الاجتماعية. يمكن ان يخرج من ذلك امور جيدة. وهذا يرتبط بدرجة كبيرة بالقيادة السياسية والاقتصادية والصحية لدينا. ولكن لا يقل عن ذلك، قدرة الدول العظمى اقتصادية مثل الولايات المتحدة والصين على تحريك الاقتصاد العالمي في أسرع وقت ممكن.