ترجمات عبرية

هآرتس – ذي ماركر – بقلم تسفي برئيل – كرة القدم الثمينة لسوريا

هآرتسذي ماركر – بقلم  تسفي برئيل – 8/10/2020

كيف يمكن لدولة في وضع سوريا أن تواصل البقاء من ناحية اقتصادية، وحتى أن تدفع رواتب جيدة للاعبي كرة القدم فيها؟“.

نحن نقف امام “قربة مثقوبة”، هكذا تذمر مدير فريق كرة القدم في مدينة حمص. هو لم يقصد الكارثة الاقتصادية التي تحل بسوريا منذ تسع سنوات أو اسعار السلع الاساسية التي قفزت بمئات النسب المئوية في السنتين الاخيرتين.

اياد السباعي، مدير نادي الوثبة في مدينة حمص، يشتكي من أن نجوم كرة القدم يطالبون الان باسعار عالية جدا قبل افتتاح الدوري وموسم انتقال اللاعبين. “في الماضي وقعنا على اتفاقات اجور معقولة مع اللاعبين. الآن هم يطالبون بثلاثين الف دولار على الاقل للموسم”، قال في المقابلة. وحسب قوله فان كلفة بيع لاعب من النخبة لمجموعة اخرى كانت 70 – 80 الف دولار للموسم. في حين أنه الآن تكلفة الشراء يمكن أن تصل الى مبالغ خيالية، تبلغ مليون دولار للموسم. الفرق الممتازة في سوريا هي بملكية الحكومة، لكن جزء كبير من ميزانياتها تأتي من متبرعين ومشجعين هم انفسهم تلقوا ضربات اقتصادية بسبب التخفيض الدراماتيكي في سعر الليرة السورية.

لاعبو كرة قدم كبار يعترفون حقا بأن اجرهم اعلى بكثير من الاجر المتوسط في الاقتصاد – 25 دولار في الشهر – لكنهم يفسرون ذلك بأنهم يطالبون الآن بمبالغ اعلى لأن عليهم الاهتمام بمستقبلهم، سواء بسبب الزمن المهني القصير نسبيا أو بسبب الحاجة الى التوفير والاهتمام باليوم الاسود. ولكن السبب الرئيسي هو بسبب أنهم يستطيعون المطالبة بمبالغ عالية وحتى أن يحصلوا عليها.

الفقاعة الاقتصادية التي تغلف فرق كرة القدم لا تختلف عن التي تحمي مقربي النظام، الموظفون الكبار وبالاساس الوسطاء الذين مهمتهم هي توفير المنتجات الاستهلاكية التي لا تستطيع الدولة استيرادها بسبب العقوبات التي فرضت عليها. كل واحد منهم يقتطع نصيبه حسب قدراته. الماهرون والمقربون من هؤلاء الوسطاء يخضعون في كل مرة الى اختبار جديد يجبرهم على العثور على شروخ في العقوبات أو الاتصال مع شركات ورجال اعمال خارج سوريا. منذ حزيران، الذي فيه بدأ تطبيق “قانون قيصر” الامريكي – الذي يفرض عقوبات على كل شركة أو رجل اعمال يعقدون صفقات مع النظام السوري – فان هؤلاء الوسطاء يقفون امام تحديات جديدة، وكالعادة، بقدر حجم الصعوبة يكون مستوى العمولة التي يحصل عليها مقابل الخدمة. هذا نظام من الاوامر المستطرقة التي فيها كلما كسب الوسطاء اكثر فان الجمهور يشتري اقل ويدفع اكثر مقابل هذه السلع، ويبدو أن العقوبات التي استهدفت المس بالنظام توقع ضرباتها المؤلمة بالتحديد على المواطن العادي.

النتيجة تظهر جيدا في بيانات النقص التي تنشرها منظمات المساعدة ومؤسسات الامم المتحدة. في التقرير الذي نشرته مؤخرا منظمة الاغاثة “انقذوا الاطفال” كتب أن 700 الف طفل سوري يوجدون على خط الفقر؛ 4.6 مليون طفل يعانون من عدم الامن الغذائي ولم يأكلوا تفاحة أو برتقالة منذ ثلاثة اشهر تقريبا؛ في حين أنه في شمال شرق سوريا الوضع اكثر خطورة – ربع الاطفال لم يأكلوا الفواكه طوال تسعة اشهر. الدجاج واللحوم هي سلع نادرة ويحل مكانها الارز والفاصولياء، في حين أن اجمالي المساعدة الغذائية التي تقدم للعائلات السورية المحتاجة يبلغ فقط 11 في المئة من الاحتياجات.

في جنوب سوريا اعيد فتح المعبر بين سوريا والاردن، وللمرة الاولى منذ سنوات سمحت السعودية لـ 200 شاحنة سورية بالمرور الى اراضيها من اجل تصدير البضائع. ولكن التسهيلات في المعبر التي تساعد المزارعين والمنتجين تجبي مبالغ من المواطنين، حيث أن المزارعين يفضلون تصدير بضائعهم بدلا من بيعها في السوق المحلية، والنتيجة هي نقص آخر في المنتوجات الزراعية الذي يرفع سعرها للمواطنين.

حكومة سوريا التي تقوم في هذه الاثناء باعداد ميزانية العام 2021 تعرض كما يبدو بيانات متفائلة، التي بحسبها فان معدل الدعم للمحتاجين سيرتفع في السنة القادمة، وأن الميزانية الاجمالية ستكون هي الاعلى في تاريخ سوريا، وتشمل شريحة مناسبة لتطوير البنى التحتية والصناعة. ولكن مثل باقي البيانات التي تنشرها الحكومة فان الخدعة ظاهرة للعيان. بالليرة السورية، هذه حقا ميزانية ضخمة تبلغ تقريبا 9 مليارات دولار، لكنها محسوبة حسب سعر 434 ليرة للدولار.

فعليا، بعد أن هبطت الليرة الى سعر 1.260 ليرة للدولار والسعر الحقيقي في السوق السوداء هو اكثر من 2260 ليرة للدولار، الميزانية الحقيقية ستكون 3.5 مليار دولار، ثلثها مخصص لسداد الديون. ميزانية التطوير تتحدث عن خلق 70 الف مكان عمل جديد، لكن تجربة السنة الماضية تدل على أنه لا يمكن الاعتماد على هذه التوقعات. من بين 188 مشروع حكومي تم الوعد بها والتي كان يمكن أن توفر 8600 مكان عمل، تم تنفيذ فقط 16 مشروع منها، التي خلقت 680 مكان عمل تقريبا.

سوريا تواصل الاستفادة من خطوط اعتماد وضعتها ايران تحت تصرفها باحجام غير معروفة. القمح تشتريه بالاساس من روسيا مقابل عقود مستقبلية، واساس مدخولات الدولة يأتي من جباية العمولات والضرائب التي تغطي تقريبا نصف نفقاتها.

هنا تكمن “الاعجوبة” التي ليس لها كما يبدو أي تفسير. كيف يمكن لدولة في وضع سوريا أن تواصل البقاء من ناحية اقتصادية، وحتى أن تدفع رواتب جيدة للاعبي كرة القدم؟ هذا هو نفس السؤال الذي سئل قبل عقدين عندما فهمت الولايات المتحدة أن العقوبات الشديدة التي فرضتها على العراق لا تنجح في ازاحة صدام حسين وقررت شن حرب ضده. وهذا السؤال يجب أن يقف امام من يؤيدون العقوبات على ايران، وهي دولة قدرتها الاقتصادية ايضا في ظل العقوبات اكبر بكثير من العقوبات التي تم فرضها على العراق وسوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى