ترجمات عبرية

هآرتس: حماس تُشخّص ضعفاً إسرائيلياً وتُبلور إستراتيجية تفجيرية

هآرتس 2023-02-18، بقلم: عاموس هرئيل: حماس تُشخّص ضعفاً إسرائيلياً وتُبلور إستراتيجية تفجيرية

هناك من هم راضون عن الاحتكاك المستمر والمتزايد بين إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية. في بداية الأسبوع عقدت “حماس”، التي ربما هي الرابح الأساسي من هذه الفوضى، مؤتمراً تحت عنوان “وحدة الساحات وربط الجبهات”. كان الخطيب الرئيس صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، والذي تتهمه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بقيادة نشاطات “حماس” الإرهابية عن بعد. العاروري، الذي يوزع وقته بين لبنان وتركيا، ألقى خطاباً حماسياً قال فيه: “الفلسطينيون يوجدون في بداية معركة إستراتيجية مقدسة ضد إسرائيل. الظروف الدولية لذلك مناسبة جداً في هذه اللحظة”.

بكلمات أخرى، تشخص “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة ضعفاً لدى اللاعبين الرئيسَين، السلطة الفلسطينية وإسرائيل. تقاد إسرائيل من حكومة يمينية متطرفة، المشاركون المختلفون فيها يدفعون قدماً بأجندات متناقضة. هي أيضاً غارقة في أزمة سياسية شديدة، والتعاطف الدولي مع حكومتها في الحضيض.

هذه هي اللحظة المناسبة بالنسبة لـ”حماس” لمواصلة الضرب. ولكن خلافاً للسابق فإن قيادة “حماس” في القطاع والخارج غير متلهفة لوضع نفسها في جبهة المواجهة. هي تطمح إلى ترسيخ معركة متعددة الساحات، سيقود فيها الشباب المستقلون في الضفة المواجهة، ويضعون تحدياً أمام إسرائيل. بعد ذلك، في الوقت المناسب ستفحص أيضاً دمج ساحات أخرى مثل غزة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان.

أكد العاروري في خطابه على قضيتين حولهما يمكن توحيد النضال الفلسطيني، وهما القدس والسجناء الأمنيون. هذه هي القضايا بالضبط التي يحاول الوزير إيتمار بن غفير إشعالها عبر عدة استفزازات جديدة. بؤرة القلق الحالية توجد الآن في القدس قبل شهر رمضان الذي سيبدأ في 22 آذار القادم. هذا أيضاً هو سبب المكالمة الهاتفية الاستثنائية لرئيس “الشاباك”، رونين بار، مع بن غفير، نشر عنها قبل أيام في “أخبار 13”. حذر بار بن غفير من أن تصريحاته وأفعاله يمكن أن تشعل الأرض في القدس. وقال عضو الكنيست، ألموغ كوهين، الذي يأتي على يمين بن غفير، رداً على ذلك: إن رئيس “الشاباك” هو بالإجمال موظف، ومن الأفضل أن يركز في عمله بدلاً من الانشغال بالتنبؤات. وحتى الآن يبدو أنه من ناحية جهاز الأمن لم يعد السؤال هل ستندلع مواجهات واسعة في “المناطق” وفي القدس، بل فقط متى؟

شمال الضفة، منطقة جنين ونابلس، بقي مركز الاحتكاك العسكري، لكن حسب تقديرات الجيش تحدث فيها الآن نحو 70 في المئة من الأحداث مقابل نحو 80 في المئة في السنة الماضية. هناك عدة توجهات بارزة في عمليات الأسابيع الأخيرة: مشاركة متزايدة للقاصرين الذين يتأثرون بالتحريض في الشبكات الاجتماعية الذي تقوده “حماس”، وتوفر السلاح الناري الذي يوجد تقريباً لدى الجميع، والتركيز المتزايد على “المخربين” في القدس. فترة “الإرهاب” الحالية المستمرة منذ 11 شهراً هي أطول بالضعف تقريباً مقارنة مع الموجة السابقة التي اندلعت في تشرين الأول 2015. أيضاً عدد القتلى الفلسطينيين مرتفع، من بداية السنة الحالية يتم إحصاء قتيل فلسطيني بالمتوسط كل يوم.

في جلسة الـ”كابينيت”، الأحد الماضي، حاول بن غفير طرح عدة اقتراحات لعمليات رد إسرائيلية، ولكن تم وقفه على يد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالنت. المهنيون في الجيش الإسرائيلي وفي الشرطة وفي “الشاباك” طلبوا السماح لهم بمواصلة العمل بالأساليب الحالية على أمل أن تنجح هذه الأساليب في المساعدة بالتدريج على تهدئة النفوس. الجزء الأمني في النقاش تم إجماله تقريباً دون خطوت جديدة. بعد ذلك تم إرسال معظم الضباط إلى الخارج وبقي السياسيون من أجل مناقشة سياسة الاستيطان.

من هنا جاءت بشرى شرعنة تسع بؤر استيطانية غير قانونية، ستصبح مستوطنات جديدة ومعترفاً بها، إلى جانب المصادقة على بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات. من قاد هذه الخطوات هو وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي ما زال يطلب شرعنة الـ 77 بؤرة استيطانية في الضفة، كما وعده نتنياهو في الاتفاق الائتلافي. سار نتنياهو مع التوصيات ووجد غالنت أيضاً صعوبة في المعارضة.

رغم الانتقاد المنضبط نسبياً الذي أسمعته الإدارة الأميركية ودول في غرب أوروبا على قرارات الحكومة، يبدو أنه بالنسبة لنتنياهو ما زال من المريح أكثر المصادقة على نشاطات موضوعها المستوطنات والبؤر، من الدخول بشكل مباشر ضد الفلسطينيين والتورط بمواجهة عسكرية أوسع. وتطرح أيضاً فكرة تآمرية أكثر. رغم جهوده، إلا أن نتنياهو لا ينجح في تلقي دعوة من البيت الأبيض رغم مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على تشكيل حكومته. هل هذا هو أسلوبه لإعطاء إشارة للرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه أيضاً يوجد في جعبته خطوات يمكنها إغضاب الأميركيين؟ إذا كان هذا صحيحاً فإن هذا الأمر يبدو تفكيراً صبيانياً.

مسرح الكرم

استمر صراع الصلاحيات بين غالنت وسموتريتش، الذي يحمل أيضاً لقب وزير في وزارة الدفاع، بكامل القوة طوال هذا الأسبوع. وقد سجل فيه رقم قياسي جديد حول قضية إخلاء الكرم الذي زرعه مستوطنون على أرض فلسطينية خاصة في سهل “شيلو”. قام الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود باقتلاع الأشجار بتوجيه من غالنت، رغم المعارضة العلنية لسموتريتش وبن غفير، اللذين عرفا مسبقاً بقرار الإخلاء. نتنياهو، بشكل متعمد، تدخل فقط في اللحظة الأخيرة، وأمر بوقف الأعمال حيث بقي فقط بضع عشرات من الأشجار من بين المئات.

في هذه الأثناء يدفع نتنياهو قدماً بعملية لتوزيع الصلاحيات بخصوص “المناطق”، بين غالنت وسموتريتش، كما وعد الأخير في الاتفاقات الائتلافية. جزء من البنود التي تعطي لسموتريتش صلاحيات كبيرة ومهمة تبدو غير مقبولة من ناحية وزير الدفاع والجيش. ما زالت هذه المعركة مستمرة وتواصل تمزيق الحكومة من الداخل، حتى لو كان نتنياهو كعادته سيضرب على الطاولة ويقول: إن قراره نهائي.

شخص عمل في السابق في مكتب وزير الدفاع أشار، هذا الأسبوع، إلى أن غالنت أيضاً يكتشف بالتدريج الفجوة البائسة بين التحالف مع المستوطنين حتى تسلمه لمنصبه، وبين عدم القدرة على تلبية وعوده لهم منذ جلس على الكرسي. “أحياناً من يدعي لقب وزير الدفاع ينحرف بقوة نحو اليمين عشية انتخابه، ويعد بأنه في عهده لن تحدث مثل هذه الإخلاءات”، قال الشخص. “ولكن عندها دخل إلى مكتبه واكتشف بأنه لا يستطيع السير رأساً برأس مع جهاز الأمن، وأن هناك المزيد من الاعتبارات، مثلاً، الحاجة إلى القبول في البنتاغون أو في الأمم المتحدة، التي لا تنظر برضا إلى سرقة أراضي الفلسطينيين الخاصة. وبعد ذلك، دون استثناء، يقوم جميع الوزراء بتعديل مواقفهم”.

قضية الكرم، بالمناسبة، هي قضية فضائحية بصورة خاصة حتى بمفاهيم “المناطق”. أصدرت المحكمة العليا تعليماتها لإخلاء كرمين، بستان أحيا وكيرم بن إلياهو، قبل أكثر من سنة. أصحاب الكرم الأول وافقوا على الإخلاء، أما أصحاب الكرم الثاني فطلبوا من جهاز الأمن مهلة حتى الأول من شباط الحالي، بل وقعوا على وثيقة في الإدارة المدنية تعهدوا فيها بتحمل نفقات الإخلاء إذا لم يفوا بتعهدهم. بعد تشكيل الحكومة الجديدة وإشارات سموتريتش يبدو أنهم تراجعوا عن رأيهم. “بذلنا كل جهدنا من أجل مساعدتهم، بما في ذلك عرض أرض بديلة”، قال مصدر عسكري. “صمموا على الذهاب إلى الصدام. وما شاهدوه هناك في هذا الأسبوع كان عرضاً كبيراً أمام العدسات”.

جزء رئيس في العرض شمل أيضاً خطاباً متباكياً ألقته زوجة صاحب الكرم، التي صرخت أمام الميكروفونات صرخة الأشجار المقتلعة. كان يمكن لذلك أن يكون له تأثير لولا أمران: الأول هو أن الأرض ليست لهم حسب المحكمة العليا. والثاني، من بؤر استيطانية في الضفة يخرج طوال سنين مثيرو شغب يهود يقتلعون بشكل منهجي حقول بملكية فلسطينيين، وهذا عمل لا يستبعد الفلسطينيون القيام به أحياناً. في هذه المعركة فان معظم الضرر تتحمله الأشجار.

يجدر التذكير بأمر آخر يرتبط أيضاً بمحاولة سموتريتش تغيير خارطة المستوطنات في الضفة من الأساس، وأيضاً الانقلاب النظامي الذي يقوده نتنياهو بدعم متحمس من سموتريتش وبن غفير. من ناحيتهم الوضع النهائي المطلوب هو تدمير حكم السلطة الفلسطينية إلى جانب إعادة احتلال مناطق “أ” (نتيجة للمواجهة العسكرية التي ستحدث). وإذا تم أثناء ذلك إخلاء بضع مئات الآلاف من الفلسطينيين، فإنهم لن يعتبروا ذلك كارثة. اليمين المتطرف لم يعتدل في طموحاته، حتى لو كان يجلس الآن على الكراسي المريحة من جلد الغزال. من لا يصدق ذلك فمن الأفضل أن يقرأ مرة أخرى “خطة الحسم” في الساحة الفلسطينية التي نشرها سموتريتش قبل خمس سنوات ونصف السنة فقط.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى