هآرتس: حكومة نتنياهو لا تسمح بالإرهاب اليهودي فقط، بل تموله ايضا

هآرتس 11/10/2024، هاجر شيزاف وهيلو غلزار: حكومة نتنياهو لا تسمح بالإرهاب اليهودي فقط، بل تموله ايضا
دوروت عيليت هي مزرعة تشكل الإشارة الأولى لمشروع استيطاني كبير حين تلقت الجمعية التي تقود المزرعة في العام 2023 نحو 400 ألف شيكل من وزارة النقب والجليل. بن يشاي ايشد، صاحب المزرعة، تلقى أجرا رمزيا من الجمعية. إضافة الى ذلك اقرت وزارة الزراعة للمزرعة منحة بمبلغ نحو 100 ألف شيكل على مدى سنتين. هذا ليس كل شيء. حتى نهاية 2023 اندرجت المزرعة أيضا في الخطة من اجل “الشبيبة في خطر” بتمويل الصندوق القومي كيرن كييمت.
في تموز الماضي وصل مستوطنون من المزرعة ومن المنطقة الى القرية المجاورة. وحسب شهادات السكان الفلسطينيين هاجموهم بقضبان حديد، عصي وحجارة واحرقوا خيامهم التي كان في احداها طفل ابن ثلاث سنوات. خمسة من سكان القرية نقلوا الى المستشفيات. ايشد نفسه وثق في المكان. شكوى رفعها احد السكان أغلقت في الشرطة بسبب صعوبة العثور على مشبوهين. يصف سكان القرية هذه الهجمة كحدث ذروة في جملة أفعال التنمر من جانب أناس المزرعة. حياتهم هناك يصفونها بتعابير ما قبل وما بعد إقامة البؤرة الاستيطانية.
وهكذا، مزرعة دوروت عيليت، من الأماكن المتطرفة والأكثر شغبا في الضفة، والتي أصبحت بؤرة احتكاك وعنف بمجرد وجودها تقريبا تحظى بغلاف مبطن من التمويل باموال الجمهور، وهي حقا ليست الوحيدة.
يتحدث المستوطنون عن هذا بتعابير الثورة، وفي روحها تنطوي تلك “المعجزة” التي تتحدث عنها وزيرة الاستيطان اوريت ستروك. وبالفعل، في ظل الحرب، صعدت الحكومة جدا قبضتها في مناطق الضفة الغربية. الوجبة الأساس في اكل الأرض هي مزارع الرعاة إياها التي تنجح في السيطرة على أراض واسعة من خلال قوة بشرية بالحد الأدنى.
الطلائع في هذا المجال باتوا قدامى جدا. البؤر الأولى أقيمت في الثمانينيات والتسعينيات، بينها مزرعة هار سيناي في جنوب جبل الخليل، مزرعة ابريران في تلال ايتمار ومزرعة سكالي شرقي الون موريه. حتى بداية 2017 كانت تنتشر 23 مزرعة في ارجاء الضفة، غير أنه منذئذ ارتفع عددها دراماتيكيا: نحو 65 مزرعة أقيمت في غضون سبع سنوات فقط.
في نهاية 2021 كانت تنتشر في ارجاء الضفة نحو 60 مزرعة. في تلك السنة أفادت عميره هاس في “هآرتس” عن اربع مزارع أقيمت في غضون خمس سنوات وسيطرت على مساحة بحجم مدينة حولون، اليوم عددها بات يصل الى نحو 90. وهي تسيطر على مساحة هائلة من نحو 650 ألف دونم – هي نحو 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية كلها. المساحة المتراكمة التي تسيطر عليها اليوم باتت تساوي مساحة مدن ديمونة، القدس، بئر السبع، عراد وايلات معا.
هذا المشروع المزدهر قام بخطوة مبادر اليها ومخطط لها. ولا حاجة إلا لسماع اقوال زئيف حفير (زمبيش)، الرجل الذي له باب مفتوح لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. حفير، العقل خلف مشروع السيطرة على أراضي المناطق والرجل الذي يقف على رأس جماعة “أمانة”، الذراع التنفيذي الأساس لاقامة البؤر الاستيطانية، صب الضوء على المشروع في حزيران الماضي. في مقابلة أعطاها لمجلة “ندلان يوش” (عقارات المناطق)، وصف حفير “الحفاظ على الأرض المفتوحة” كالمهمة المركزية لـ “امانة”، وقال إن “الوسيلة الأساس التي نستخدمها هي المزارع”. وأشار الى أن “المساحة التي تحتلها هذه المزارع هي 2.5 ضعف كل مساحة الأراضي التي تحتلها كل مئات المستوطنات”.
“أمانة” وان كانت جسما قويا، مع أملاك تقدر بنحو 600 مليون شيكل، إلا أنها وحدها ما كان يمكنها أن تبث حياة في مشروع طموح كهذا. في السنوات الأخيرة حولت الدولة بؤر الرعاة الى مشروع علم واغدقت عليه مقدرات استثنائية. عشرات ملايين الشواقل من أموال الجمهور تضخ الى هذه المزارع مباشرة من الوزارات الحكومية، السلطات المحلية في المناطق ودائرة الاستيطان. بالتوازي، وزير المالية سموتريتش اعلن بأنه يعمل على شرعنة المزارع من ناحية قانونية أيضا.
بخلاف الماضي، أصحاب المزارع الجديدة يميلون الى التعاون مع الدولة. وهكذا تختلف هذه المزارع عن الأيديولوجيا “الكلاسيكية” لفتيان التلال، التي رفضت رفضا باتا التعاون مع المؤسسة الحاكمة. وهكذا، تعمل الدولة مع أناس المزارع كتفا بكتف: في إعطاء القروض لاقامتها، في تخصيص عقود لمناطق الرعي، في ربطها بالبنى التحتية، في تمويل حمايتها، في شراء عتاد وكذا عبر منح مثل “منح الرعي” وحتى “منح الاستثمارات التجارية”. ويكشف تحقيق “هآرتس” بأن 6 وزارات حكومية على الأقل تشارك في تمويل وصيانة هذا المشروع المتصاعد الذي غايته الحقيقية هي السيطرة بالقوة على الأراضي والسلب الممنهج.
سلة الدعم السخية هذه هي مجرد عنصر واحد. فالصندوق القومي الكيرن كييمت أيضا اصبح داعما هاما للمشروع عبر مشاريع من اجل “شبيبة في خطر”. كقاعدة، حول هذه العبارة “شبيبة في خطر” نمت في السنوات الأخيرة صناعة كاملة لتبييض المزارع، واساسا في جانب صورتها الخارجية. فوجود الفتيان في مزرعة برعاية اطار “تعليمي” أو “تأهيلي” يمنحهم شرعية باهظة القيمة، وهذه تحول الى ميزانيات سمينة، بعضها حتى تندرج في سلة برامج الاثراء التي تقترحها وزارة التعليم على المدارس.
غير أنه في هذه الاثناء تتراكم ادلة على أنه في حالات عديدة، يدور الحديث عن منبت للعنف القومجي. امثلة من الزمن الأخير لا تنقص: مزرعة زوهر طباح في الغور، التي خرج منها مستوطنون – بعضهم قاصرون – هاجموا مؤخرا مدير مدرسة فلسطينية في نطاق المدرسة؛ مزرعة همكوك في منطقة رام الله التي نجح اناسها في طرد القرية الفلسطينية المجاورة وادي السيك؛ يانون ليفي من مزرعة نتريم في جنوب جبل الخليل الذي قاد هجمات وتنكيلات هجرت قرية أخرى. في هذه المزارع القوة الطليعية كانت غير مرة الفتيان انفسهم.
منذ بداية الحرب تتعاظم نزعة الثأر والجرأة لدى أناس المزارع. ورفع الشباك مؤخرا وثيقة الى المستوى السياسي حذر فيها من النمو المدوي للمزارع وارتفاع عدد احداث العنف التي خرجت منها. وتقول حغيت عوفران، رئيسة طاقم متابعة المستوطنات في حركة “السلام الآن” إنه “ينبغي أن نصف الأمور كما هي. فالارتفاع الحاد في عنف المستوطنين في ارجاء الضفة يرتبط بشكل مباشر بظاهرة المزارع، التي يتحمل سكانها المسؤولية عن جزء كبير من هذا العنف”.
بالتوازي، ارتفع أيضا عدد التجمعات الفلسطينية التي كانت تعيش في مناطق المزارع وطردت من منازلها. “نحن نتحدث عن عدد يصل الى 35 حالة طرد في السنتين الأخيرتين، فيما أن الأغلبية المطلقة منها هي “حالات الطرد في أكتوبر”، كما يقول درور ايتكس، مؤسس منظمة “كيرم نبوت”، التي تتابع المستوطنات في الضفة.
الساحة الدولية ليست غير مبالية بذلك. الولايات المتحدة، بريطانيا ودول أخرى، فرضت في السنة الأخيرة عقوبات على ستة أصحاب مزارع كهذه. وعللت إدارة بايدن فرض العقوبات على ثلاثة منهم في آذار الماضي بأنهم كانوا مشاركين في “عنف متكرر ضد الفلسطينيين، وفي حالات معينة ضد إسرائيليين أيضا، في الضفة الغربية”.
لكن واضح أن النقد الدولي لا يشعر به المتطوعون الشبان. “منذ الحرب مسموح لنا عمل كل شيء”، يقول بصدق مفزع شاب يتواجد في مزرعة اوفينهايمر التي أقيمت مؤخرا على هامش المستوطنة الحريدية عمانوئيل. “من ناحية امنية. من ناحية الاذون، الجيش يوجد هنا معنا واصبح سهلا اكثر علينا السيطرة على الأرض. وكذا من ناحية الولايات المتحدة. لأنه منذ 7 أكتوبر باتت عينهم اكثر على غزة وأقل على يهودا والسامرة”. وبالفعل، منذ بداية الحرب يرابط هنا جنود احتياط بشكل دائم ما يعزز جدا سيطرة هذه المزرعة، والمزارع بالعموم، على الأرض.
المزرعة التي اقامتها مسؤولة الأراضي في المجلس الإقليمي السامرة، تقع على مسافة غير بعيدة من دوروت عيليت. “نحن ثلاث مزارع على المحور”، كما كشف المتطوع الشاب، “هذا موزع استراتيجيا تماما”. درة التاج هنا هي غرفة العمليات: منشأة متطورة من الشاشات المنقسمة المستندة الى كاميرات منتشرة في المجال وتتيح مراقبة شاملة للمنطقة في كل لحظة. غرفة رقابة مغروسة في قلب محمية طبيعية خضراء. يوجد حتى لاصحاب المزرعة حوامة مع جهاز للرؤية الليلية تبرعت بها منظمة صندوق إسرائيل واحدة، المنظمة الامريكية التي توفر للمزرعة جملة وسائل حماية تكنولوجية.
… نيلي هي رمز لمستوطنة علمانية وبرجوازية. اسطح قرميدية حمراء متينة. في الطريق الصاعد الى المستوطنة شعار يدعو الى صفقة مخطوفين. من نقطة رقابة على رأس التلة توجد قريتان فلسطينيتان مجاورتان تذكران بالغاية الأساسية لاماكن مثل نيلي. لكن اليوم مساهمة مستوطنات قديمة كهذه لخلق اسفين بين بلدات عربية في مناطق الضفة تبدو شبه هامشية.
لأجل مشاهدة التطور الجديد في المجال لا حاجة الى منظار. ففي اسفل المستوطنة تماما تقع مزرعة مغنازي، على اسم مؤسسها يوسف حاييم مغنازي، الذي يسكن فيها مع زوجته دبورا وابنه الصغير. “الفرق بين نيلي ومغنازي هو خلاصة كل القصة”، يشير ايتكس. فالبؤرة تسيطر على أراضي زراعية بمساحة نحو 5 آلاف دونم – بحجم مساحة يهود – مونوسون وأربعة اضعاف نيلي نفسها – رغم أنه تسكن فيها عائلة واحدة فقط، في شاحنة حولت لتصبح مكان سكن، الى جانب ضيوف مؤقتين. المزرعة تشق ألسنة طويلة الى أراضي فلسطينية في المحيط من خلال طرق ترابية جديدة. وفي منشورات عن المزرعة كتب أن هدفها “منع السيطرة العربية على أراضي بلادنا الغالية”. مغنازي نفسه اعلن في مقابلة صحفية بأنه “في هذه الجبال سيكون يهود. يوجد من يفهم هذا سريعا ويوجد من يفهمه ببطء”.
المزرعة، مع قطيع يضم 200 رأس من الأغنام وأراضي رعي لا نهاية لها واشجار موز ومانغا، ما كان يمكنها أن توجد بدون منظومة متطوعين، في الغالب فتيان، بعضهم بدون خلفية عائلية أو ممن تساقطوا من المؤسسة، وبعضهم حتى من الحريديين من كريات سيفر.
… نشاط الكيرن كييمت في المناطق هو أمر يثير خلافات عاصفة في المنظمة. بعض من ممثليها ينتمون لليسار – الوسط وليهود شمال أمريكا. عندما يتبرع أعضاء الجاليات اليهودية في ارجاء العالم بسخاء للكيرن كييمت، ليس مؤكدا أنهم يفهمون بأن أموالهم عمليا تمول اعمال بؤر استيطانية متطرفة، وبعضها عنيف، في ارجاء الضفة.
رغم ذلك، في السنوات الثلاث الأخيرة حولت المنظمة 5.5 مليون شيكل لمشروع يضخ الأموال لمتطوعي المزارع ويصنف كبرنامج لمعالجة “شبيبة في خطر”.
وثيقة وصلت الينا تكشف قائمة البؤر الاستيطانية التي ضمها برنامج الكيرن كييمت – بينها أيضا مزرعة فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها لكونها تمارس العنف. ولدى الكيرن كييمت تخوف على استمرار تمويل البرنامج كونه يخرق العقوبات.
بالاجمال، حتى نهاية 2023 شارك في المشروع اكثر من 200 فتى في عشرات المزارع في الضفة الغربية، منهم كان 80 فتى تلقوا تمويلا بواسطة 1.5 مليون شيكل حولها الصندوق لمجلس بنيامين. ميزانية اعلى، اكثر من 2 مليون شيكل، حولها الصندوق لمنظمة “ارتسينو” (بلادنا)، التي مولت تأهيل 150 فتى في 25 مزرعة أخرى. وهي معروفة لأنها هي من اكثر المنظمات توفيرا للمتطوعين.
… كي نبين جيبا جماهيريا آخر يمول هذا المشروع ينبغي أن نعود الى آب 2022، في عهد نفتالي بينيت كرئيس للوزراء، الذي كان ايضا وزير الاستيطان وبهذه الصفة أقر في حينه خطة العمل السنوية لدائرة الاستيطان، وتضمنت بندا يعنى بـ “تخطيط بنى تحتية حيوية وعناصر أمن للاستيطان الفتي”. تحت هذا البند المتلوي حولت الدائرة الى بؤر الرعاة 15 مليون شيكل في 2023، وفي 2024 تضاعفت الميزانية ثلاث مرات فبلغت 39 مليون شيكل أخرى. تخفي دائرة الاستيطان أي “عناصر أمن” قدمت للبؤر. ومع ذلك، في “السلام الآن” يشيرون الى أن 30 مزرعة على الأقل زودت مؤخرا بوسائل أمنية بما فيها خمس مزارع فرضت عليها عقوبات دولية. وأفاد مدير عام الدائرة بوشعايا هراري بأن 68 مزرعة حصلت على االتمويل في 2023 بمبلغ 7.7 مليون شيكل من اجل “شق طرق”. هذه الدروب الترابية هي شريان حيوي للمزرعة ومن خلالها يتاح للمستوطنين التوسع الى أعماق المنطقة.
إضافة الى السيطرة على الأرض يعمل أناس المزارع غير مرة كمراقبين بتكليف من انفسهم ضد البناء الفلسطيني غير القانوني – بواسطة حوامات، تهديدات وتقارير الى السلطات. واليهم انضمت في السنوات الأخيرة أيضا اجسام تدعى “دوائر الدورية البرية” للمجالس في المستوطنات، تضخ اليها وزارة الاستيطان عشرات ملايين الشواقل منذ 2021. وبلغت الميزانية التي نقلت اليها في السنتين الأخيرتين 35 مليون شيكل بالمتوسط السنوي، كي تعمل هذه على “منع مخالفات تخطيط وبناء وسيطرة على أراضي الدولة” – رغم أن صلاحيات الرقابة على بناء الفلسطينيين هي اجمالا لدى الإدارة المدنية. ويستخدم المال للتزود بمركبات الدفع الرباعي، شراء كاميرات ونصبها في أراضي مفتوحة، تمويل جزء من رواتب مُسيري الدوريات وكذا “شق محاور واغلاق أراضي”.
ولعله من الطبيعي أن ترى الدولة هذه المزارع كمشاريع استحداث – تنمية حديثة للسيطرة على اكبر قدر ممكن من الأراضي من خلال الحد الأدنى من القوة البشرية، ولهذا فهي تخصص لها منح “مشاريع تجارية”. في الأعوام 2020 – 2022 قدمت منح كهذه لـ 13 صاحب مزرعة بمبلغ متراكم يبلغ 1.6 مليون شيكل، بين المستفيدين الأساسيين كان المستثمر تسفي لاكس من مزرعة ايرتس هتسفي غربي رام الله، الذي تلقى منحة بمبلغ 140 ألف شيكل، ويسسخار مان من مزرعة ميشيك مان جنوب جبل الخليل، الذي تلقى منحة بمبلغ 120 ألف شيكل. هاتان المزرعتان أيضا تقومان على أساس متطوعين فتيان، وكلتاهما أدرجت في برنامج “فتيان المزارع” في الكيرن كييمت. في تموز الماضي فرضت الإدارة الامريكية عقوبات على مزرعة مان بسبب عنف ممنهج للمستوطنين الذين خرجوا منها.