ترجمات عبرية

هآرتس: حرب غزة تغير السياسة الألمانية التقليدية تجاه إسرائيل

هآرتس – ليئام هور – 4/8/2025 حرب غزة تغير السياسة الألمانية التقليدية تجاه إسرائيل

 في الوقت الذي عقدت فيه فرنسا والسعودية في الشهر الماضي قمة هامة للامم المتحدة في محاولة لتحريك الدعم الدولي لحل الدولتين، فان موقف المانيا بقي حتى الآن بدون أي تغيير – الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب ان ياتي فقط بعد وليس قبل اتفاق السلام مع اسرائيل.

قبل القمة اعلن الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون عن نية بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية في وقت لاحق من هذه السنة. رئيس الحكومة البريطاني كير ستارمر ذهب في اعقابه حتى لو كان وضع عدة شروط خاصة به. في المقابل، المانيا تتبع مقاربة حذرة اكثر، رغم الضغط الداخلي والخارجي المتزايد – من اعضاء برلمان، المجتمع المدني وشركاء آخرين في الاتحاد الاوروبي – الا ان حكومة المستشار فريدريك مارتس ما زالت تتمسك بموقفها التقليدي بشأن اقامة الدولة الفلسطينية.

في يوم الخميس قال وزير الخارجية الالماني، يوهان فادبول، بان الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب ان يكون بعد انتهاء المفاوضات حول حل الدولتين. ولكنه اضاف بان “العملية يجب ان تبدأ الان”. فادبول نشر البيان قبل فترة قصيرة من زيارته في اسرائيل وفي مناطق الضفة الغربية.

رغم ان موقف المانيا ما زال حذرا الا ان هناك دلائل على تغييرات بطيئة ولكنها واضحة في المقاربة الاوسع تجاه القضية. في اليوم الذي افتتحت فيه قمة الامم المتحدة في نيويورك تم عقد الكابنت الامني في المانيا من اجل فحص الازمة الانسانية المتفاقمة في قطاع غزة.

 بعد الجلسة اعلن المستشار مارتس بان المانيا ستشغل بالتنسيق مع الاردن قطار جوي لنقل المساعدات الانسانية الملحة الى القطاع، وهي بادرة حسن نية تعكس القلق وتعطي ايضا اشارات على رغبة المانيا في موازنة خطها الاستراتيجي مع اسرائيل بواسطة المساعدات الانسانية. “نحن نعرف ان هذه ستكون مساعدات صغيرة لسكان غزة”، قال مارتس واضاف “هذا اسهام المانيا مسرورة بتقديمه لأننا نريد انهاء المعاناة الانسانية للسكان في غزة في اسرع وقت. نحن نريد ان يتوقف القتال في غزة على الفور، وفوق كل ذلك نحن نريد ان يحصل اصدقاءها في اسرائيل على السلام والهدوء بعد الاحداث الفظيعة في 7 اكتوبر، وان يتمكنوا من العيش بأمن وسلام”.

         الضغط يزداد، من اليمين ومن اليسار

كريستن اوفناس الذي يتراس المنظمة المؤيدة لاسرائيل، شبكة الزعامة الاوروبية “النيت” في برلين، قال انه منذ تسلم مارتس لمنصبه في شهر ايار الماضي هو يواجه “الفترة الاكثر تحديا من ناحية علاقات اوروبا واسرائيل منذ اقامة هذه المنظمة في 2007”. رغم ان ائتلاف مارتس مع الحزب الاشتراكي – الديمقراطي لا يوجد في خطر، الا ان الضغط الذي يستخدم عليه فيما يتعلق بغزة آخذ في الازدياد من جانبي الخارطة السياسية. في اليمين حزب مارتس، وهو الحزب المسيحي الديمقراطي سي.دي.يو، وحليفه الحزب المسيحي الاشتراكي سي.اس.يو، يعارضان أي انتقاد علني لاسرائيل.

في اليسار، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تسمع اصوات تعتقد ان المانيا كان يجب ان تتخذ موقف متصلب اكثر في مرحلة ابكر، ويطالبون بوقف النار على الفور. وحتى ان بعضهم يدعون الى فرض حظر للسلاح على اسرائيل وتعليق جزئي او كامل للميثاق الذي ينظم العلاقات بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي. مارتس اظهر استعداده لفحص هذه الخطوات.

“العلاقات بين المانيا واسرائيل تتغير، لكن ذلك يحدث بشكل بطيء جدا، والامور لا تتقدم على صورة خط مباشر”، قالت موريال اسبورغ، رئيسة قسم الشرق الاوسط وافريقيا في المعهد الالماني للشؤون الدولية والامنية في برلين، في مقابل مع “هآرتس”. المحادثة تراوحت بين انتقاد نشاطات اسرائيل في الحرب وغياب مقاربة انسانية وبين تاكيد الموقف الذي يقول ان اسرائيل يمكنها الاعتماد على المانيا. “كل ذلك يحدث في الوقت الذي فيه قوى مختلفة تريد التاثير على العلاقات وعلى الخطاب العام”، قالت.

التوتر بين الموقفين يعكس ليس فقط التعقيد في العلاقات بين المانيا واسرائيل، بل ايضا وضع المستشار مارتس السياسي والتحديات الحكومية التي يواجهها. “دعم مارتس لاسرائيل كان واضح خلال حياته السياسية”، قال اوبنس، الذي شغل منصب الممثل الاقليمي لحزب سي.دي.يو قبل انضمامه الى “النيت”. “الاتفاق الائتلافي ينص بشكل صريح على ان امن اسرائيل هو مبدأ اساسي بالنسبة لحكومة المانيا”، قال واضاف. “في السنة والنصف الاخيرة الوضع اصبح اكثر استقطابا، لا سيما فيما يتعلق بغزة”.

 لويز اسبرغ، عضوة البرلمان من حزب الخضر قالت ان “النقاش الحالي حول اسرائيل وغزة اكثر سخونة، لكنه ايضا اكثر شفافية. هذا مفهوم كليا ازاء المعاناة الشديدة وغير المقبولة على العقل لسكان غزة”. اوبنس واسبرغ يوافقان على ان المانيا امتنعت بشكل تقليدي عن توجيه أي انتقاد علني لاسرائيل. “الحكومة الحالية في المانيا ربما، حتى اكثر من سابقتها، تختار العمل مباشرة مع الحكومة الاسرائيلية من خلال اسماع انتقاد، وبالاساس في الغرف المغلقة”، شرحت اسبرغ. “الحكومة تقول بانه هكذا هي تبني الثقة وتخلق الفرصة لاقناع اسرائيل بدلا من عزلها”.

       رويدا رويدا الانتقاد اصبح علنيا

مع ذلك، ازاء تدهور الوضع في غزة وتغير الديناميكية الدولية فان حكومة مارتس بدأت في اسماع انتقادها بشكل علني، حتى لو كان انتقائي. مثلا في 21 حزيران المانيا لم توقع على بيان مشترك لوزراء خارجية 31 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وبولندا. في هذا البيان تمت صياغة طلب لانهار فوري للحرب في غزة، والغاء فوري للقيود على تدفق المساعدات الانسانية، وتطبيق ما يقتضيه القانون الانساني الدولي ووقف البناء في المستوطنات.

بدلا من ذلك في 25 حزيران نشرت المانيا وفرنسا وبريطانيا بيانات منفصلة حتى لو كانت بنفس الصيغة. البيانات طالبت بـ “وضع نهاية للحرب في غزة”، وتوسلت الى اسرائيل من اجل “الغاء على الفور القيود على تدفق المساعدات… والوفاء بواجباتها حسب القانون الانساني الدولي”. في البيانات جاء ايضا ان هذه الدول “تعارض بشدة كل جهود اسرائيل لفرض سيادتها على المناطق الفلسطينية المحتلة”.

رغم ان البيانات متشابهة بشكل كبير، الا ان اسبرغ قالت ان الصيغة التي وقعت عليها المانيا “تمت صياغتها بطريقة مخففة، وهي بناءة اكثر من ناحية توجيه الخطوات القادمة”. وحسب قولها فانه في البيان الاول كانت توجد نقاط ظهرت لالمانيا قاسية جدا، وممثلوها قالوا انه لم يكن هناك وقت كاف لمناقشة صيغة مقاطع معينة في النص.

هذا السلوك الحذر انعكس ايضا على مشروع قرار آخر للاتحاد الاوروبي. في الاسبوع الماضي قامت المانيا وايطاليا بوقف المصادقة على مشروع تم طرحه في الممثلية الاوروبية من اجل تعليق تمويل مشاريع اسرائيلية ناشئة. لو انه تمت المصادقة على الاقتراح لكان ذلك سيتسبب باخراج شركات اسرائيلية من خطوة “هورايزون” المهمة، لا سيما شركات تكنولوجيتها يمكن أن يكون لها استخدام عسكري. المانيا وبريطانيا رفضتا دعم هذا المشروع، وطالبتا بتاجيله من اجل فحص هل الوضع الانساني في غزة يتحسن قبل ان تفحصا التعليق الجزئي للتعاون مع اسرائيل. 

مؤتمر الامم المتحدة الذي عقد في الشهر الماضي تم التخطيط لعقده في حزيران، ولكن تم تاجيله بسبب الحرب بين اسرائيل وايران. ثلاثة اعضاء في البرلمان الالماني، من بينهم لويز اسبرغ، اتخذوا خطوة غير مالوفة وقاموا بنشر مقال في صحيفة “فرانكفورتر روندشاو”، توسلوا فيه للحكومة الالمانية من اجل السير في اعقاب فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

حزب الخضر لاسبرغ، الذي يوجد الآن في المعارضة، متوحد بالنسبة لدعم حل الدولتين. ولكنه منقسم من الداخل حول قضية الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية. “المقال لم يكن له التاثير المامول”، قال نمرود فلشنبرغ، من “اسرائيليون من اجل السلام”، وهي جمعية يسارية اسرائيلية تعارض الحرب ومقرها في برلين. هذه الجمعية تبادر الى تنظيم مظاهرات دائمة في عاصمة المانيا وتعمل من وراء الكواليس من اجل اقامة علاقات مع اعضاء برلمان في حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار “دي لينكا”.

في الوقت الحالي لم يتغير موقف الحكومة الالمانية. “الاعتراف بالدولة الفلسطينية سياتي فقط بعد انتهاء مفاوضات ناجحة بين اسرائيل والفلسطينيين”، قال المتحدث بلسان وزارة الخارجية الالمانية للصحيفة في الاسبوع الماضي، في استمراراية لموقف وزير الخارجية يوهان فادبول نفسه قبل زيارته في المنطقة.

“هذا هو الموقف التقليدي لالمانيا – الاعتراف يمكن ان ياتي فقط في نهاية العملية السلمية”، قالت اسبرغ لـ “هآرتس”. “لا اعتقد ان تبرير الموقف مقنع بشكل خاص. الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتفق جدا مع دعم حول الدولتين وسيوضح الخطوط الاساسية للحدود بينهما”. اوبنس لا يوافق على ذلك، وقد قال “أنا عتقد ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكون رمزيا فقط، وهو لن يحسن وضع أي أحد في المنطقة”.

“حسب ما اسمعه من الناس في اسرائيل فان المانيا هي الشريكة الاستراتيجية المهمة والاكثر صلة باسرائيل في اوروبا، والثانية من حيث الاهمية بعد الولايات المتحدة”، قال اوبنس. المانيا الان هي الشريكة التجارية الاكبر لاسرائيل في اوروبا، ومزودة السلاح الاكبر لها بعد امريكا. “بين الاصدقاء يمكن التحدث بحرية، لكن الامور يوجد لها تاثير اكبر اذا قيلت في الغرف المغلقة”، اضاف اوبنس.

في هذه السنة ستكتمل ستين سنة على اقامة العلاقات الدبلوماسية بين المانيا واسرائيل، لكن الشعور في اوساط الجمهور الالماني يعكس تغير في الرؤية. في استطلاع اجراه في شهر ايار صندوق برتلسمان المستقل اجاب 36 في المئة فقط من المستطلعين بان لهم موقف ايجابي من اسرائيل، مقابل 38 في المئة لهم موقف سلبي. تغير واضح عن الاستطلاع السابق الذي اجري في 2021، الذي اجاب فيه 46 في المئة بان لهم موقف ايجابي من اسرائيل. 

“في كل ما يتعلق بالقوى الناعمة والتاثير الاقتصادي فان المانيا هي الدولة الاكثر اهمية بالنسبة لاسرائيل في اوروبا”، قال فلشنبرغ. وحسب قوله فان مارتس الذي يتبع سياسية ترتكز الى الدبلوماسية من وراء الكواليس “لا يمكنه عرض أي نتائج ايجابية”. فلشنبرغ قال ايضا بان “الاعتراف بفلسطين سيكون خطوة مهمة لها نتائج ايجابية على المدى البعيد، لكن التاثير لن يكون فوري. فقط نشاطات مثل تعليق اتفاق الشراكة بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي او فرض حظر سلاح متشدد ستخلق تاثير فوري”.

 “المانيا هي مركز القوة في اوروبا”، قال فلشنبرغ. “اذا اتخذت المانيا خطوات عملية اكثر فان هذا الامر سيمكن الاتحاد الاوروبي من استخدام ضغط حقيقي ومؤثر على اسرائيل”.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى