ترجمات عبرية

هآرتس: حرب ضروس ضد نتنياهو هي أمر وجودي

هآرتس 6/5/2025، ديمتري شومسكي: حرب ضروس ضد نتنياهو هي أمر وجودي

اوري مسغاف كتب (“هآرتس”، 17/4) بأن بنيامين نتنياهو غير معني باستبدال العدوة حماس بجهة سلطوية أخرى وانهاء الحرب، لأنه عندها ستأتي نهاية الائتلاف وفترة حكمه. بكلمات أخرى، هدف نتنياهو هو البقاء السياسي (والقانوني)، بدون أي رؤية أيديولوجية. هذا رأي سائد في أوساط معارضي نتنياهو، تقريبا هو رأي مفهوم ضمنا – الون عيدان (18/4) وصفه جيدا في مقاله عن عميت سيغل، من خلال المقارنة بين سيغل ونتنياهو: سيغل هو من اتباع ارض إسرائيل الكاملة، الذي يستخدم نتنياهو لغرض الدفع قدما برؤيته الأيديولوجية، في حين أن نتنياهو يستخدم سيغل من اجل الحفاظ على حكمه، لأن هذا هو جوهر أيديولوجية نتنياهو. 

لكن الحقيقة هي أن نتنياهو أيضا أيديولوجي متعصب لفكرة ارض إسرائيل الكاملة، والذي يعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل، ولو عرض عليه وقف محاكمته مقابل الدفع قدما بعملية سياسية من اجل تقسيم البلاد، فلا شك أنه كان سيرفض ذلك كليا. نعم، هو رفض “عرض” نظري مشابه، الذي طرحه هنا قبل ثماني سنوات البروفيسور يحزقيل درور، الذي كتب في مقال رأي في آب 2017 بأنه اذا فقط استجاب نتنياهو الى السعي الى اتفاق سياسي يكون في مركزه حل الدولتين فانه يتوقع أن يجد بدون شك العفو عن كل مظالمه. رد نتنياهو على درور في خطابه في مؤتمر لدعمه على خلفية التحقيقات كان كما نذكر “لا، شكرا”.  

لماذا يعارض نتنياهو، بشكل ثابت وتصميم كبير، تقسيم البلاد الى دولتين قوميتين؟ لأنه في نهاية المطاف، خلافا لسيغل وامثاله، نتنياهو لا ينتمي الى المعسكر المسيحاني الاستيطاني. يبدو أنه لن يكون من غير المعقول الافتراض بأن جزء من الجواب يمكن العثور عليه لدى والده بنتسيون، الذي ابنه بنيامين معجب به جدا ويكثر من التطرق اليه حتى الآن. 

في كتاب “الآباء الخمسة للصهيونية”، عرض بنتسيون نتنياهو بالتلميح، قدر لا بأس به من رؤيته القومية الرئيسية. واعرب عن اسفه لأن الحركة اليهودية القومية الحديثة ظهرت على مسرح التاريخ الى جانب الحركات الاجتماعية الدولية، الامر الذي حرف انتباهها بشكل دائم عن المصالح القومية الحصرية للشعب اليهودي. بذلك أوضح نتنياهو الأب تفسيره الأيديولوجي الأساسي للقوميات كما هي: رؤية قومية متطرفة، عرقية مركزية نموذجية، مثل التي نمت في النصف الأول من القرن التاسع عشر في الفضاء الألماني كرد مضاد على الرؤية القومية الليبرالية؛ رؤية اعتبرت “الانانية الصحية” للأمة قيمة عليا، تتفوق على أي اعتبار أخلاقي عام في العلاقات بين الأمم. هذا هو المفهوم الذي شكل تاريخيا النواة الأيديولوجية والأخلاقية المؤسسة للنسخ الفاشية من القوميات الحديثة. 

نتنياهو الابن، الذي يبدو أنه قد استوعب هذا الموقف من والده بصورة شاملة، وحوله الى نوع من الدليل الأخلاقي – السياسي لسلوك إسرائيل إزاء أمم العالم، دفع به الى اقصى درجة من التطرف، مع احتقاره علنا لاهمية مراعاة احتياجات الآخرين. من هنا جاء رفضه القاطع للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالوجود ككيان سياسي وطني الى جانب إسرائيل.

إن الموقف العلماني الأساسي للاب والابن نتنياهو، بدرجة معينة، هو متعصب ومتشدد اكثر من المفهوم الذي يقوم على الايمان السياسي لارض إسرائيل الكاملة. من المؤكد يمكن تخيل يهود متدينين مستعدين لتفسير اليهودية بطريقة تسمح بالاعتراف بالحقوق الوطنية المتساوية للآخر. ومن جهة أخرى تعكس انانية الأمة العلمانية البيبية تشويه أخلاقي – سياسي لا يمكن إصلاحه. 

لا تصعب ملاحظة أن خط مباشر واضح يمر من رؤية نتنياهو “شعبي وغيره لا شيء”، عن علاقات الامة الإسرائيلية مع الآخر القومي، الى تصور “أنا ولا شيء غير” في كل ما يتعلق بسلوك نتنياهو تجاه الآخر القومي المحلي. ومثلما يظهر نتنياهو على المستوى الوطني الازدراء العميق للدول الجارة، فانه على المستوى الشخصي والإنساني الأساسي يكشف عن اغتراب عميق عن المجتمع الإسرائيلي، ناهيك عن أنه يشع كراهية للإنسان حرفيا. 

الأمثلة على ذلك كثيرة ومخيفة (فيما يلي قائمة جزئية): تحريض نتنياهو منفلت العقال ضد اسحق رابين في الفترة التي سبقت قتله؛ تحريض وحشي لمجموعة إسرائيليين مختلفة عن بعضها البعض وكأن الحديث لا يدور عن أبناء شعبه، بل عن أمة غريبة ومعادية، حيث هدفه هو تمزيقها من الداخل الى شظايا من اجل ابادتها الاجتماعية المطلقة؛ وبالطبع عدم الشفقة على المخطوفين (“يعانون، لكنهم لا يموتون”). إزاء كل ما قيل اعلان يمكن التساؤل لماذا مع ذلك يحظى نتنياهو حتى الآن بنسبة دعم كبيرة جدا. الجواب على ذلك هو أن الانانية وتجاهل الآخر تشكل في نهاية المطاف رؤية انتشرت في المجتمع البشري، حيث يرى كثيرون فيها قيمة جديرة بالتقليد، وحتى التقدير. هكذا فان كثيرين من بين مصوتي نتنياهو، المحسوبين على عدد مختلف من الطوائف في إسرائيل، هم الذين تعبير “لماذا، من أنت” هو بالنسبة لهم شعار الحياة في سلوكهم اليومي مع الآخر. هذه الظاهرة هي نتيجة طبيعية لتفكك التضامن الاجتماعي في إسرائيل، الذي في الواقع سبق أيام نتنياهو، ولكن بلا شك هو تعمق بدرجة كبيرة في فترة حكمه. هو يخدم احتياجاته السياسية بنجاعة غير عادية. 

على الرغم من ذلك يبدو أن عهد نتنياهو يقترب من نهايته، حيث أن المزيد من المواطنين يلاحظون التأثير المدمر الحقيقي لسياسته “أنا وغيري لا شيء”، تجاه البنى المؤسساتية للدولة، حتى لو كان الكثيرون منهم لا يدركون أو ينفون علاقة هذه السياسة بايديولوجيا “شعبي فقط، وغيره لا شيء”. من اجل تسريع قدوم نهاية نتنياهو السياسية من المهم جدا أن لا نخشى إدارة ضده حرب ضروس بكل الوسائل القانونية القائمة، ومن اجل أن لا نخشى من هذا النضال فمن المهم اعتراف بأن الحديث هنا لا يدور عن نضال “شخصي”، بل عن معركة فكرية مبدئية من اجل روح الأمة الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى