ترجمات عبرية

هآرتس: حرب أوكرانيا غيّرت منظومة الضغوط الدولية على أردوغان في سورية

هآرتس 2022-11-26، بقلم تسفي برئيل: حرب أوكرانيا غيّرت منظومة الضغوط الدولية على أردوغان في سورية

اختطفت الصورة السياسية المهمة في المونديال، التي تعود إلى مشهد المصافحة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وهما يبتسمان قبل بدء المباريات، الأبصار. اللقاء “العفوي” تم التخطيط له وحياكته جيداً من قبل حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، بالتعاون مع كبار رجال الحكم في مصر وفي تركيا بهدف الدفع قدماً بالعلاقات بين الدولتين العدوتين.

مرت تسع سنوات تقريباً على القطيعة شبه التامة في العلاقات بين تركيا ومصر، بعد أن استولى السيسي على الحكم في مصر في تموز 2013 وقام بعزل الرئيس المنتخب، رجل “الإخوان المسلمين” محمد مرسي. لم يعترف أردوغان بشرعية السيسي، وأطلق عليه مختلف ألقاب الإدانة واعتبره ديكتاتوراً اختطف الحكم، واستضاف أردوغان في دولته كبار شخصيات حركة الإخوان المسلمين وقام بعقد تحالف أمني واقتصادي مع العدو اللدود لمصر، قطر، التي فرضت عليها السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر حصاراً اقتصادياً شديداً، إلى حين حدثت ثورة في السنة الماضية. فقد رفعت دول الخليج المقاطعة التي استمرت مدة ثلاث سنوات على قطر. واستأنفت أبو ظبي العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، وقدمت لها رزمة هدايا كبيرة على شكل مساعدات مالية بمبلغ 10 مليارات دولار، وتعهد مشابه باستثمارات، وسارت السعودية في أعقابها بعد أن “أغلقت” تركيا ملف التحقيق في قتل الصحافي جمال خاشقجي، وسبق وأعلنت نيتها إيداع 5 مليارات دولار في خزينة البنك المركزي في تركيا.

أيضاً عادت علاقات تركيا مع إسرائيل، على الأقل رسمياً، إلى مسارها السابق، وفقط مصر بقيت في غرفة الانتظار. وفود دبلوماسية تركية ومصرية التقت عدة مرات بهدف التوصل إلى استئناف للعلاقات، لكن السيسي لم يكن متسرعاً، حيث توجد له عدة طلبات أساسية من تركيا، من بينها تسليم كبار شخصيات “الإخوان المسلمين” المصريين، وسحب القوات التركية التي تساعد في ليبيا الحكومة المعترف بها، في حين أن مصر تؤيد وتدعم الخصم الانفصالي الجنرال خليفة حفتر.

إذا كانت تركيا غيرت قليلاً موقفها من “الإخوان المسلمين”، حيث قامت بتقييد نشاطات قناة التلفاز التابعة للحركة التي تعمل في تركيا وحظرت على زعمائها القيام بنشاطات سياسية على أراضيها، فإن مسألة ليبيا أصعب بكثير. فهي تتعلق بفضاء نفوذ تركيا في البحر المتوسط وترسيم الحدود الاقتصادية بين ليبيا وتركيا بصورة يمكن أن تقطع نقل الغاز المصري إلى أوروبا وتقوي “الإخوان المسلمين” في ليبيا والتي، حسب رأي مصر، تهدد الأمن القومي لها. طالما لم يتم حل قضية ليبيا، التي أدت أيضاً إلى تجميد المحادثات الدبلوماسية بين مصر وتركيا في أيلول، تصعب رؤية كيف أن المصافحة في قطر ستتطور إلى تبادل للسفراء بين الدولتين. لأن هذه القضية لا تتعلق فقط بعلاقات تركيا مع مصر.

الدولة التي خشيت من بادرة حسن النية هذه هي اليونان، التي سارعت إلى إرسال وفد رفيع بعد يومين إلى مصر؛ من أجل فحص أنه لا يوجد أي تغيير في سياسة القاهرة والتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال البحث والإنقاذ في البحر المتوسط. يبدو أن هذه مذكرة إنسانية استهدفت تأسيس إطار عمل مشترك للبحث عن وإنقاذ أشخاص وسفن وجدت نفسها في ضائقة. ولكن هذه المذكرة تقتضي توزيعاً جغرافياً لمناطق المسؤولية البحرية بين الدولتين. تتداخل هذه المناطق في جزء منها مع مناطق المياه الإقليمية التي تم ترسيمها بين تركيا وليبيا، وفعلياً لا تأخذها في الحسبان، وكأن الاتفاق على تقسيم المياه الإقليمية بين تركيا وليبيا الذي وقع في 2019 غير قائم أبداً.

سارعت تركيا إلى الرد بشدة واعتبرت الاتفاق بين مصر واليونان غير قانوني. اتفاق كل الهدف منه هو توسيع المنطقة السيادية البحرية لليونان ونسف الاتفاق الذي تم توقيعه بين تركيا وليبيا. أدى هذا الاتفاق في حينه إلى إنشاء منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط الذي توجد في عضويته إسرائيل ومصر واليونان وقبرص والأردن وإيطاليا والسلطة الفلسطينية. والذي استهدف كبح طموحات تركيا في البحث عن الغاز في شرق البحر المتوسط. لم تتوقف تركيا وبدأت في التنقيب عن النفط والغاز في مناطق تدعي اليونان وقبرص ملكيتها عليها.

يكفي هذا الخلاف السام من أجل نسف استئناف العلاقات بين مصر وتركيا، لكن بصورة متناقضة قررت الدولتان تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما حتى قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية. أصبحت تركيا الدولة الكبرى التي تستورد الغاز من مصر، وبدأت الشركات التركية الاستثمار في مصر. بعد اللقاء في قطر، قال أردوغان للمراسلين: إن “العلاقات بين الشعب التركي والشعب المصري مهمة جداً لنا. ما الذي يمنعها من أن تكون مرة أخرى كذلك؟ لقد عرضنا إثباتات عن حسن نوايانا. يوجد لنا طلب واحد فقط من مصر وهو إقامة سلام في البحر المتوسط رغم الذين يتخذون موقفاً ضدنا”، أوضح أردوغان وهو يقصد بشكل مباشر اليونان، لكن ليس فقط هي. أيضاً تعارض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما تسميه “استفزاز تركيا في البحر المتوسط الذي يمس الاستقرار في المنطقة”.

لم يحدد أردوغان والسيسي موعداً لاستئناف العلاقات، أو لاستئناف المحادثات. أردوغان فقط عبر عن أمله بأنه بعد انتخابات الرئاسة في تركيا، التي ستجري في حزيران القادم، “نستطيع استئناف العلاقات مع الدول التي توجد بيننا وبينها مشكلات”. هكذا ضم ليس فقط مصر، بل أيضاً سورية. أردوغان، الذي يطمح إلى تحويل تركيا إلى مركز تسويق دولي للغاز، وهو الطموح الذي تؤيده روسيا، يأمل في أن يستطيع التغلب على الخلافات مع مصر وإقناعها بتحويل، وإسرائيل بتسويق، غازها إلى أوروبا عبر تركيا، وأن تضم إليهما الغاز والنفط الذي يمكن أن يصل من إيران في حالة رفع العقوبات عنها، وبهذا تتحول إلى دولة طاقة عظمى دولية.

لكن هذه الطموحات تقتضي من أردوغان أن يتبع سياسة حذرة تجاه الدول الأوروبية التي هي غير راغبة في منحه القوة الاقتصادية والسياسية التي يسعى إليها. أمام ناظريهم يقف التحالف السياسي – الاقتصادي الذي يتوطد بين روسيا وتركيا والتحركات العسكرية لأردوغان في سورية.

مر أسبوعان تقريباً منذ العملية القاتلة في شارع الاستقلال في إسطنبول، التي قتل فيها ستة أشخاص وأصيب نحو 80 شخصاً. تركيا مرة أخرى تهدد بغزو جديد لسورية. بعد أربعة أيام متواصلة قصفت فيها الطائرات التركية أهدافاً في شمال سورية وفي العراق، سجلت طواقم أرضية تابعة لسلاح الجو أسماء الأطفال الذين قتلوا في العملية على القذائف، وأردوغان بأن “هذه هي فقط البداية”.

كبير مستشاريه والمتحدث باسمه إبراهيم كالين غرد بأن “هذا هو الانتقام على ما حدث في الاستقلال”.

هذه كانت الهجمات الأوسع والأكثر عمقاً التي نفذتها تركيا في الأراضي السورية منذ سنوات وأردوغان لا يخفي نيته لغزو سورية برياً. “الجهات ذات العلاقة عندنا، وزارة الدفاع وهيئة الأركان، ستقرر الآن حجم القوة البرية التي يجب أن تشارك في عملية عسكرية”، قال للمراسلين. في المناسبة ذاتها قام بتصفية الحساب مع الإدارة الأميركية، التي تواصل مساعدة القوات الكردية في سورية، وبهذا حسب قوله هم يساعدون الإرهابيين الذين يهاجمون تركيا. “نحن لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذه الهجمات”، أوضح.

كان غزو تركيا لسورية على الأجندة منذ بضعة أشهر، لكنه توقف بضغط من روسيا وأميركا. واشنطن، التي تعطي رعايتها الأساسية للقوات الكردية والتي تعتبرها قوة ناجعة وأساسية في الحرب ضد “داعش”، ملزمة بضمان حماية الأكراد في شمال سورية. روسيا قلقة من أن غزو تركيا سيقتطع شريحة أخرى من الأراضي السورية وسيضر بجهودها، غير الناجحة حتى الآن، للتوصل إلى حل سياسي للحرب في سورية.

لكن في أعقاب الحرب في أوكرانيا تغيرت أيضاً منظومة الضغوط على أنقرة. رغم المساعدات العسكرية التي تعطيها تركيا لأوكرانيا، التي تشمل بيع مئات الطائرات المسيرة المسلحة، التي ساهمت بشكل كبير في تحويل مسار الحرب، فإن تركيا هي ركيزة اقتصادية روسية مهمة، ضمن أمور أخرى، لأنها لم تنضم للعقوبات عليها ولم تعط مباركتها الكاملة لانضمام السويد وفنلندا للناتو.

روسيا أيضاً تقوم ببناء المفاعل النووي التركي الأول لإنتاج الكهرباء، وبين الدولتين تجري محادثات لإقامة ميناء تجاري روسي قرب مدينة مارسين على شواطئ البحر المتوسط. من غير الواضح كم سيكون عملياً إنشاء الميناء، لكن الاتفاق على بناء المفاعل يتضمن بنوداً تتحدث عن نقل متبادل للتكنولوجيا، وستكون لروسيا إمكانية إقامة بنى تحتية حيوية لأداء المفاعل، بما في ذلك شوارع من أجل الوصول إلى الموانئ. ساعدت العلاقات الجيدة بين أردوغان وبوتين أيضاً في التوصل إلى اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، الذي يسمح بنقل ملايين أطنان الحبوب من أوكرانيا عبر تركيا إلى دول الشرق الأوسط التي تعرضت لأزمة اقتصادية شديدة في أعقاب الارتفاع الدراماتيكي في أسعار القمح.

إذا قرر أردوغان غزو سورية، فمن المشكوك فيه إذا كانت روسيا ستقف في هذه المرة في طريقه. المعضلة الأكثر تعقيداً ستكون من نصيب الولايات المتحدة. فالعلاقات المسممة بين أردوغان والرئيس الأميركي بايدن غير جديدة، لكن الأمر الأخير الذي يحتاجه هو أن تركيا ستعاقب واشنطن وستدمر نطاق تعاونها مع روسيا أو ستقرر الانسحاب من الناتو كما هددت في السابق.

الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي قام بتأجيل محادثته الأولى مع أردوغان لبضعة أشهر، أطلق عليه “ديكتاتور” وأوضح أنه “يجب عليه دفع الثمن” بسبب المس بحقوق الإنسان وشراء منظومة الدفاع الجوي الروسي من نوع “إس 400″، تحول في السنة الأخيرة إلى وسيط متحمس جداً لبيع طائرات إف16 حديثة لتركيا.

الآن يجد بايدن نفسه عالقاً بين الرغبة في بيع الطائرات القتالية لتركيا وبين استخدام تركيا لها ضد القوات الكردية في سورية. ربما أن الكونغرس الأميركي الجديد سيخرج لبايدن حبة البطاطا الساخنة من النار ويمنع بيع الطائرات. ولكن بايدن سيتعين عليه مواجهة ثمن الشرخ الذي من شأن خطوة كهذه أن تتسبب به للعلاقات مع تركيا. بالنسبة للأكراد هذا يمكن أن يكون قضية وجودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى