هآرتس: ثلاث ملاحظات حول الحرب التي بدأت للتو

هآرتس 16/6/2025، اوري بار يوسف: ثلاث ملاحظات حول الحرب التي بدأت للتو
يجب الامل بان المؤرخين الذين سيكتبون عن حرب “شعب الأسود” سيجدون أن الخلل الوحيد فيها هو الاسم الذي اعطي لها. ولكن استنادا الى التجربة فيما يتعلق بالطريقة التي تدير فيها إسرائيل حروبها فانه من المرجح الافتراض أن الامر لن يكون هكذا. لذلك، رغم انه ما زال من السابق لاوانه استخلاص الدروس من الحرب التي ما زالت في المراحل الأولى، يجدر تقديم عدة ملاحظات تطرح علامات استفهام فيما يتعلق بالاجماع الذي يظهر في النقاشات الانفعالية في وسائل الاعلام. وهاكم بعض هذه الملاحظات.
الملاحظة الأولى تتعلق بقرار شن الحرب، بالذات في التوقيت الحالي. عند اندلاع الحرب اعلن رئيس الأركان بأنه “لقد حان الوقت. نحن وصلنا الى نقطة اللاعودة. محظور علينا انتظار وقت آخر للعمل. لا يوجد امامنا أي خيار آخر”. من الواضح انه محظور على رئيس الأركان التحفظ علنا على قرار رئيس الحكومة شن الحرب بالذات في هذا الوقت، الذي فيه مشكلاته الداخلية تقترب من نقطة الغليان. ولكن من المرجح الافتراض بأنه هو ورؤساء أجهزة الاستخبارات يعرفون جيدا تقدير الولايات المتحدة، الذي التعبير الأخير عنه تم تقديمه في تقرير الاستخبارات لوزارة الدفاع قبل شهرين. حسب هذا التقدير فان ايران ستواصل التركيز على تحسين قدرتها في مجال الصواريخ والمسيرات وتطوير القدرة النووية، لكن القيادة في ايران لم تقرر كما يبدو “استئناف المشروع النووي من العام 2003 لتطوير السلاح النووي”. كل ذلك “رغم انه في نيسان 2025 هدد موظفون إيرانيون بإعادة فحص العقيدة النووية القائمة اذا تمت مهاجمة المنشآت النووية”.
بكلمات أخرى، فانه رغم ان الاجماع في قمة الهرم السياسية والأمنية في إسرائيل يعكس الاعتقاد بان حد السيف اصبح على العنق، فان تقدير الحليفة الاستراتيجية لنا يقول بان الامر ليس كذلك، وانه يمكن أن المبادرة الى الحرب من قبل إسرائيل بالذات ستقرب ايران من الحصول على القنبلة. الأيام ستخبرنا بذلك، لكن يجب علينا التذكر بانه يمكن ان الرغبة الطبيعية في اخراج الخطط والقدرات، التي بنيت على مدى السنين، الى حيز التنفيذ، خاصة على خلفية عار 7 أكتوبر، الذي يظهر في كل مرة من جديد في تحقيقات الحرب، كان له دور في التوقيت. يمكن الافتراض انه عندما ستبدأ الأمور في التبلور، التي دائما تتشوش، فانه سيتبين أن الاتفاق على ضرورة شن الحرب لم يكن كاسح كما هو معروض الآن.
الملاحظة الثانية تتعلق بالثمن الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل بسبب المبادرة العسكرية لها. الصور من ساحات الدمار بعد إصابة الصواريخ القاسية، لكن يجدر التذكر بان التقديرات السابقة في حرب 7 أكتوبر كانت ان حزب الله سيطلق حوالي 50 ألف صاروخ في غضون بضعة أسابيع، وأنه سينتج حوالي 150 ساحة دمار في اليوم. القدرة البالستية لإيران أقل بكثير. وبهذا المعنى فان تهديد ايران البالستي صغير نسبيا مقارنة مع التنبؤات السوداء التي سبقت تدمير جزء كبير من ترسانة صواريخ حزب الله.
حتى الآن يجب التذكر بانه حتى بعد النجاح المثير للانطباع في الساحة الشمالية، فقد بقي لدى حزب الله على الأقل 20 في المئة من الصواريخ. في الواقع حرية عمله محدودة جدا، لكن القدرة – بضعة آلاف من الصواريخ الثقيلة على الأقل – ما زالت موجودة. كلما استمرت الحرب وتقلص مخزون الصواريخ الإيرانية فانه سيزداد الضغط على حزب الله للانضمام الى الحرب. واذا فعل ذلك، خاصة في الوضع الذي فيه القدرة الدفاعية لإسرائيل ستصل هي أيضا الى الاشباع، فان الضرر يمكن أن يكون كبيرا.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالفجوة بين بدء الحرب وآلية انهاءها. الحرب الآن بدأت، هكذا يبدو، بصورة مثيرة للانطباع، وذلك نتيجة جهد استمر لسنوات والذي اثمر عدد غير قليل من الإنجازات في الساعات الأولى للحرب. هذا غير مفاجيء، هذا تقليد. الخداع التخطيطي والعملياتي تم التعبير عنه في السابق بانزال كتيبة المظليين في عمق شبه جزيرة سيناء عند شن الحرب في 1956؛ في عملية “موكيد” لتدمير سلاح الجو المصري في 1967؛ في تدمير مخزون الصواريخ الثقيلة (“وزن نسبي”) في حرب لبنان الثانية في 2006؛ في عملية البيجرات وتصفية قادة حزب الله في 2024.
الأسلوب الذي بدأت به الحرب هو خاص بالمستوى الأمني. الطريقة التي تنتهي فيها الحرب هي خاصة بالمستوى السياسي. ومثلما عرفت إسرائيل كيف تشن الحرب بشكل جيد، هكذا في الكثير من المعارك في السابق، فوت المستوى السياسي فرص انهاءها بما سماه كلاوزوفيتش “نقطة الذروة للنصر”، وهي المرحلة التي الى حينها الحرب تجري بشكل جيد، وبعدها الجهد العسكري يبدأ في أن يكلف ثمن باهظ اكثر فاكثر. الامر لا يقتضي أن نكون ضليعين بالتاريخ البعيد. الطريقة التي تدار فيها الحرب في غزة الآن، منذ عشرين شهر تقريبا على بدايتها، هي تعبير جيد على ذلك.
ان إضاعة “نقطة الذروة للنصر” هي تقريبا دائما نتيجة للتوق الى تحقيق إنجازات أخرى، بعد أن تحقق مع عملية الاكل التي كانت في البداية الناجحة، جاءت أيضا الشهية. في ظروف أخرى ربما كان يمكن الاعتماد على أعضاء الكابنت الأمني. الامر ليس هكذا الآن. على رأسه يقف المسؤول الأول عن الفشل في 7 أكتوبر، والأعضاء الاخرين فيه ليسوا نموذج للاعتدال والتفكير المنطقي على المدى البعيد. يوجد لإيران في المقابل جبهة داخلية استراتيجية قوية وقدرة على المواصلة، التي وجدت تعبيرها في الحرب مع العراق في الثمانينيات. فقد رفضت انهاء الحرب رغم الثمن الباهظ الذي دفعته مقابل ذلك.
في الواقع هذه ليست ايران في حينه، لكن من الواضح ان المس بكرامة قيادة النظام في طهران وخوف الإيرانيين من ان أي تنازل من قبلهم سيعتبر كتعبير عن الضعف، ستصعب على إسرائيل انهاء الحرب بالشروط التي ترغب فيها. لذلك فانه يجدر الآن البدء في مناقشة آلية الانهاء. لأنه اذا لم نفعل ذلك فان ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش واصدقاءهم يمكن أن يقودونا الى غايتهم، “الحرب الأبدية”.