هآرتس: تزايد عدد الحريديين في المستوطنات، وكذلك العبء على دافع الضرائب الاسرائيلي
هآرتس 12/12/2025، شاؤول اريئيلي: تزايد عدد الحريديين في المستوطنات، وكذلك العبء على دافع الضرائب الاسرائيلي
في تسعينيات القرن الماضي، عندما قررت قيادة الحريديين في إسرائيل أن تجتاز مرة أخرى الخط الأخضر، بعد 20 سنة على الاجتياز الى شرقي القدس، لم يخطر ببال أي أحد انه بعد ثلاثين سنة سيحول الحريديون الى القوة الديمغرافية الأكثر هيمنة في مشروع الاستيطان في منطقة يهودا والسامرة. القرار في حينه لم ينبع من الصهيونية أو الأيديولوجيا، بل من الواقع الاقتصادي: ضائقة السكن المتصاعدة في بني براك وفي القدس والحاجة الى فضاء سكني منفصل وقابل للوصول اليه ورخيص. الان مجتمع الحريديين ليس مجرد جزء من الاستيطان في المناطق، بل تحول الى قلبه النابض، ومحرك النمو الديمغرافي الكبير، ولكن في نفس الوقت هو يضم سكان فقراء يعتمدون على غيرهم، الامر الذي يشكل عبء كبير على ميزانية الدولة.
حسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء فانه في نهاية أيلول 2025 شكل الحريديون حوالي 38 في المئة من اجمالي الإسرائيليين في المناطق المحتلة (مقارنة مع 32 في المئة قبل 15 سنة) أي 197.397 شخص من اصل 517.319 إسرائيلي. ويشكل الأطفال تحت سن الـ 19 نحو نصف الإسرائيليين في المستوطنات (258.370)، من بينهم 44 في المئة هم أطفال اكبر ثلاث مستوطنات يهودية حريدية: موديعين عيليت، بيتار عيليت وجفعات زئيف. ويصنف 84 في المئة من اليهود الحريديين ضمن العنقودين 1 و2، الأدنى في المؤشر الاجتماعي والاقتصادي للمكتب المركزي للإحصاء.
الحريديون يعيشون في 16 مستوطنة فقط في يهودا والسامرة (من بين الـ 167 مستوطنة). في 9 منها يعيش 94 في المئة من الحريديين، الذين يشكلون اغلبية مطلقة في مستوطناتهم (55 – 95 في المئة). باقي الحريديين في 7 مستوطنات، التي يشكلون فيها 10 – 30 في المئة من اجمالي السكان. هذه المعطيات لا تعكس تمدد تنظيمي، بل تركيز اجتماعي واقتصادي في فضاء جيوغرافي مقلص: غلاف القدس.
الحريديون يعيشون في أنواع السلطات الثلاثة: مدن، مجالس محلية ومجالس إقليمية. الأول يشمل المدن الحريدية، المستوطنات الكبيرة، موديعين عيليت (90.927 إسرائيلي)، وبيتار عيليت (72.157 اسرائيلي)، التي تضم 79 في المئة من اجمالي الحريديين، الذين يشكلون 31.5 في المئة من اجمالي الإسرائيليين في المناطق.
الحديث يدور عن مدن مكتظة جدا مع 23.535 شخص لكل كيلومتر مربع في المتوسط. نسبة الأطفال حتى سن 19 فيها هي 59 – 61 في المئة، لكن في العقد الأخير سجل انخفاض يبلغ 6 في المئة – وهو مؤشر اول على التشبع الديمغرافي نتيجة تقدم السكان في العمر وهجرة الأزواج الشابة. يحافظ النمو الطبيعي، الذي يبلغ حوالي 6 آلاف نسمة في السنة في المدينتين، الذي يمثل 48 في المئة من اجمالي النمو الطبيعي (المواليد ناقص الوفيات في يهودا والسامرة)، على النمو السكاني السنوي السريع (اجمالي الزيادة/النقص في عدد السكان)، لكن ميزان الهجرة فيها أصبح سلبي بالفعل.
بين كانون الثاني 2021 وأيلول 2025 غادر المدينتين 5530 شخص اكثر ممن انضموا اليهما. معظمهم من عائلات شابة انتقلت الى المستوطنات الحريدية مثل تل تسيون، متتياهو، غنيه موديعين، معاليه عاموس وأسبر – أو عادت الى داخل إسرائيل. المدن نفسها بقيت مع مجموعة سكانية كبيرة في السن، تجمعات كبيرة ومؤسسات تعليمية ومواصلات مريحة، تسمح باتصال يومي مع بني براك وبيت شيمش والقدس.
البناء في هاتين المدينتين توقف: في أعوام 2015 – نهاية 2024 لم يسجل الا 3031 مشروع بناء جديد، وهو معدل منخفض مقارنة مع النمو الطبيعي. ويتضاءل احتياطي الأراضي المتاحة وترتفع الأسعار وفقا لذلك. ويغطي تمويل وزارة الداخلية 85 – 90 في المئة من ميزانيات السلطات المحلية، وفي ميزانيات التطوير – الاستثمارات، الشوارع والمباني العامة – يتجاوز اسهام الحكومة أحيانا 95 في المئة. اما الإيرادات الذاتية من ضرائب العقارات التجارية فهي ضئيلة ولا تتجاوز أحيانا 10 في المئة من الميزانية.
المعنى واضح: تقريبا كل شيكل في البلديات الحريدية يمول من خزينة الدولة. ويعتبر متوسط الانفاق على الطفل في رياض الأطفال مرتفع جدا، 16 ألف شيكل، لكنه لا يساهم في توفير فرص عمل مستقبلية أو تحقيق الاستقلال الاقتصادي. وتصنف موديعين عيليت في العنقود الأول في المؤشر الاقتصادي – الاجتماعي، وهكذا منطقة بيتار عيليت حتى 2023 عندما ارتفعت لأول مرة الى العنقود الثاني.
المنظومة السياسية في هاتين المدينتين الحريديتين تتسم بالرتابة. ففي الانتخابات الأخيرة حصد حزب يهدوت هتوراة وحزب شاس معا 98 في المئة من الأصوات في موديعين عيليت (78 في المئة يهدوت هتوراة، 20 في المئة حزب شاس) و90 في بيتار عيليت (59 في المئة يهدوت هتوراة، 31 في المئة حزب شاس). اما التاييد لحزب الليكود والصهيونية الدينية فهو ضئيل جدا. ورغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، الا انه لا توجد هجرة سياسية. هذا عالم مغلق ومتماسك ويدافع عن نفسه، لكنه يعتمد كليا على الاخرين في تمويل وجوده.
النوع الثاني من المستوطنات الحريدية يشمل اثنان من المجالس المحلية، اللذان يمثلان تعقيد عملية “الحردنة” في منطقة يهودا والسامرة. جفعات زئيف (24.725 نسمة) هي المجلس المحلي الأكبر في المناطق، وهي اكبر حتى من مدينة اريئيل، التي أصبحت حريدية في العقد الأخير، و57 في المئة من سكانها هم حريديون (الباقي هم علمانيون ومتدينون قوميون). عمانوئيل في المقابل، تقريبا هي الأصغر من بين جميع المجالس المحلية، حيث تحتل المكان 12 من بين الـ 14، فيها 5979 نسمة، وتتميز بسكان حريديين بشكل واضح (86 في المئة)، وهما معا تضمان 15.5 في المئة من الحريديين في المناطق، 4.7 في المئة من اجمالي الإسرائيليين هناك.
في جفعات زئيف نسبة الأطفال تحت سن الـ 19 تبلغ 52 – 55 في المئة مقارنة مع نسبة 60 في المئة أو اكثر في اكبر مدينتين. ميزان الهجرة الإيجابي في العقد الماضي في جفعات زئيف وعمانوئيل – عدد الوافدين يزيد بـ 2594 شخص عن عدد المغادرين – ينعكس في توسع الاحياء الجديدة فيها، لا سيما رمات جفعات زئيف (التي يسكن فيها على الاغلب الحريديون العاملون والذين هم من طبقة اجتماعية اقتصادية مرتفعة)، واغان هئيلوت. في العقد الماضي تم بناء 930 وحدة سكنية جديدة في جفعات زئيف مقارنة مع 722 وحدة في عمانوئيل. وتبلغ الكثافة السكانية في جفعات زئيف (9314 نسمة لكل كيلومتر مربع)، وهي اعلى 63 في المئة مما في عمانوئيل (5689 نسمة).
أيضا في التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي الفجوة واضحة: جفعات زئيف في الواقع تدهورت من العنقود 5 الى العنقود 4، لكن عمانوئيل بقيت في العنقود 2. وطبقا لذلك فان مشاركة الحكومة في الميزانية العادية فيهما هي 60 – 70 في المئة، وفي ميزانيات التطوير هي 75 – 80 في المئة. في صناديق الاقتراع في جفعات زئيف نجد 40 – 45 في المئة من الأصوات أعطيت للأحزاب الحريدية، والباقي لليكود والصهيونية الدينية. في عمانوئيل – 76 في المئة شاس ويهدوت هتوراة. نسبة التصويت الاجمالية ترتفع باستمرار، لكن تم الحفاظ على روح الانغلاق عن المجتمع الإسرائيلي.
النوع الثالث من المستوطنات يضم المستوطنات الحريدية الصغيرة والجديدة – في المجلس الإقليمي متيه بنيامين يوجد مستوطنات تل تسيون (7175 نسمة)، التي انفصلت عن كوخاف يعقوب في شباط 2023، ومتتياهو (897 نسمة) وغنيه موديعين (3369 نسمة التي انفصلت عن موديعين عيليت في 2016)، وفي المجلس الإقليمي غوش عصيون توجد معاليه عاموس (1423 نسمة) واسبر (1606 نسمة). هذه مستوطنات شابة مع تكاثر طبيعي مرتفع بصورة استثنائية (60 – 65 في المئة أطفال حتى سن الـ 19)، مع ميزان هجرة إيجابي بشكل خاص.
تل تسيون تتصدر في النمو وفي ميزان الهجرة الإيجابي المثير للانطباع، في حين انه في غنيه موديعين سجل في السنوات الأخيرة منحى مغادرة. البناء يتواصل – 10 – 20 وحدة سكنية جديدة في السنة في متتياهو وفي معاليه عاموس – وتخلق حزام توسع حريدي في شرق غوش دان وفي جبال يهودا. نسبة تاييد يهدوت هتوراة وشاس في هذه المستوطنات هي 51 – 83 في المئة (متتياهو 83 في المئة، معاليه عاموس 59 في المئة، اسبر 55 في المئة وغنيه موديعين 51 في المئة)، مع منحى انخفاض معتدل في تاييد الليكود. أيضا في هذا السياق يجب الإشارة الى التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي المتدني: اسبر، كوخاف يعقوب ومتتياهو هي في العنقود 2.
يعتبر موقع هذه التجمعات السكانية – نتيجة تصميم القيادة الحريدية في تسعينيات القرن الماضي – له أهمية كبيرة. فموديعين عيليت وبيتار عيليت وغنيه موديعين ومتتياهو جميعها توجد على الخط الأخضر أو قريبا منه، وتل تسيون وجفعات زئيف تبعد 3 كم عن القدس، بينما تبعد عمانوئيل 11 كم عن الخط الأخضر، وتوجد معاليه عاموس واسبر على بعد 10 كم شرق هذا الخط. وفي الاقتراحات الإسرائيلية والفلسطينية التي طرحت اثناء المفاوضات على مدى السنين تم الاتفاق بشكل شبه كامل على ضم تجمعات موديعين عيليت وبيتار عيليت وجفعات زئيف وغنيه موديعين ومتتياهو، حيث يعيش 90 في المئة من الحريديين في يهودا والسامرة، ضمها الى إسرائيل كجزء في أي تسوية دائمة. هذا يعني انه يتوقع ان يتم ضم اغلبية الحريديين الذين يعيشون حاليا خارج الخط الأخضر الى الأراضي الإسرائيلية السيادية في أي تسوية سياسية واقعية.
النتيجة هي مفارقة إسرائيلية واضحة: السكان الحريديون في يهودا والسامرة، الذين عددهم حالية 200 ألف نسمة، أي خمس اجمالي الحريديين في إسرائيل، هم المحرك الديمغرافي الرئيسي للمستوطنات، لكنهم في نفس الوقت يمثلون العبء الاقتصادي الأكبر على دافع الضرائب الإسرائيلي. وما زالوا في مكانة اقتصادية – اجتماعية متدنية ويتمتعون بتمويل شبه حكومي كامل، لكنهم يتبنون موقف سياسي يحول دون التوصل الى اتفاق يخضعهم لسيادة إسرائيل. هذه الفئة، التي كان من المفروض ان تكون المستفيد الرئيسي من أي اتفاق سياسي، باتت بمبادرة من قادتها عامل يعيق هذا الاتفاق. هذا يلخص قصة الحريديين في يهودا والسامرة: نمو ديمغرافي كبير، اعتماد متزايد على الميزانيات، خسارة سياسية شبه ماساوية لفرصة ضمان مكانة قانونية لجمهور كامل ومكانة محمية داخل دولة إسرائيل.



