هآرتس: ترامب وجد سوريا حليفا جديدا ، وبانتظار نتنياهو الان منافسة مع الشرع
هآرتس 7/11/2025، تسفي برئيل: ترامب وجد سوريا حليفا جديدا ، وبانتظار نتنياهو الان منافسة مع الشرع
في الوقت الذي ينتظرون فيه في قطاع غزة قرار دونالد ترامب بشان تحرير الـ 200 عضو من حماس، العالقين في الانفاق، وفي لبنان يتجدد تهديد الحرب، الرئيس الأمريكي بدأ في استكمال “رزمة الاتفاق” مع سوريا، التي بمساعدتها ربما يستطيع أخيرا تحقيق انجاز سياسي حقيقي. في يوم الاثنين سيزور البيت الأبيض الرئيس السوري احمد الشرع. هذا الحدث جدير بوصفه بانه تاريخي: هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس سوري هذا الصرح.
الشرع من المتوقع ان يقدم لنظيره الأمريكي المهر، وهو مفهوم مدهش عندما يدور الحديث عمن كان قبل عشرة اشهر يعتبر إرهابي، وهناك جائزة موضوعة على راسه تبلغ 10 ملايين دولار. هذا المهر يتضمن، ضمن أمور أخرى، استعداده للانظام الى التحالف الدولي ضد داعش، وموافقة مبدئية، وربما حتى يتجاوز ذلك للتوقيع على اتفاقات امنية مع إسرائيل وإعلان نوايا بشان الانضمام الى “اتفاقات إبراهيم”. في المقابل، الشرع يتوقع رفع كامل وشامل لكل العقوبات التي ما زالت مفروضة على سوريا – وهو الامر الذي سيفتح شرايين الاستثمارات والمساعدات التي تحتاجها الدولة من اجل البدء في إعادة الترميم من الدمار الشديد الذي تسببت به الحرب الاهلية.
شبكة العلاقات التي تطورت بين سوريا الشرع وبين ترامب ليست فقط احدى الحروب التي يحب ترامب التفاخر بانهائها، أو انجاز آخر في الطريق الى جائزة نوبل، التي فاتته هذه السنة. يبدو انها جاءت كهدية قدمها ترامب لـ “صديقه المحبوب” محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. ابن سلمان سارع الى الاعتراف بنظام الشرع واقنع زعماء دول الخليج بتبني قائد “هيئة تحرير الشام” باعتباره الزعيم الشرعي لسوريا. في نهاية المطاف هو أيضا وضع كل ثقله وامواله على ترامب وحصل على الاعتراف منه أيضا.
لو كان الحديث عن دولة أخرى لكان الحديث انتهى بحفل اعلامي واسع وعناق وتبادل المجاملات، لكن سوريا توجد في منطقة استراتيجية إقليمية تضم – الى جانب السعودية ودول الخليج – تركيا وإسرائيل ولبنان، وروسيا تسعى بجهد لاستعادة بعض القواعد العسكرية التي كانت لها في عهد الأسد على الأقل. وبالنسبة للامريكيين فان نجاح الإدارة الامريكية في سوريا قد يحرر الولايات المتحدة من التواجد العسكري هناك، ويحقق حلم ترامب بالتحرر من “الدولة التي لا توجد فيها الا الرمال”.
لكن الطريق الى هناك ما زالت طويلة ومتعرجة وفيها الغام. فالشرع، الذي لا يسيطر في الوقت الحالي الا على 60 في المئة من أراضي سوريا، يحتاج الى كاسحة الألغام الامريكية من اجل شق الطريق امامه الى سيادة كاملة على كل الدولة، وتحييد كتل المعارضة الكبيرة التي تعترض طريقه، وموازنة المصالح الخارجية التي بدأت تفرض رعايتها عليه. في خضم الصراعات المتنافسة على النفوذ في سوريا تتصدر السعودية، كونها هي التي منحت “الشرع” الشرعية. ويتوقع أيضا ان تمول بمليارات الدولارات اعادة اعمار البنى التحتية وبناء المؤسسات الحكومية، لكن تركيا هي الدولة التي تتصدر “اللعبة الكبيرة”، والتي يتوقع ان تحصد الغنائم السياسية الرئيسية.
انقرة اكتسبت سمعة طيبة في سوريا في سنوات الحرب عندما قامت بتدريب وتمويل وتوجيه ومساعدة “الشرع” في مواجهة نظام الأسد، وهي تعتبر شريكة ومسؤولة عن نجاح حملة الاستيلاء السريعة التي أطاحت بالاسد في كانون الأول الماضي. تركيا، التي تحتل مناطق في شمال سوريا، جعلت نفسها شريكة عسكرية وسياسية منذ الأيام الأولى لتاسيس نظام الشرع، حيث بدأت في تدريب الجيش السوري “الجديد”، واحتفظت بعدد من القواعد العسكرية في سوريا، وهي بطبيعة الحال القناة الرئيسية لمرور البضائع والأشخاص بين الدولتين. ونتيجة لذلك فهي أيضا صاحبة النصيب الأكبر عند توزيع مشاريع إعادة اعمار الدولة.
هذا لا يقتصر على المصالح الاقتصادية المعروفة. فتركيا تطمح الى تفكيك القوة العسكرية للاكراد في سوريا، الذين تعتبرهم تنظيم إرهابي يهدد امنها الوطني. بناء على ذلك هي تعتبر الشرع وجيشه ذخر استراتيجي يمكن ان يحقق من اجلها هذا الهدف. ولكن “قوات سوريا الديمقراطية” (اس.دي.اف)، مثلما تسمى الوحدات الكردية المسلحة، كانت وما زالت حليفة الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش. هذه الوحدات، التي حصلت على الثناء من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد إرهاب تنظيم “الدولة الإسلامية”، تحظى من أمريكا على التمويل والتسليح والتدريب والمعلومات. هي أيضا تحتفظ في حدودها بمعتقلات رجال داعش المسجون فيها عشرات آلاف النشطاء وأبناء عائلاتهم.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي اعتقد ان التحالف الأمريكي – الكردي هو تهديد لتركيا، عرض على الرئيسين جو بايدن وترامب (في ولايته الأولى) تحمل المسؤولية عن محاربة داعش بدلا من الاكراد، وحتى إدارة المعتقلات الضخمة. ان رفض اقتراحه في كل مرة زاد التوتر والغضب الذي اظهره اردوغان تجاه الإدارات الامريكية، وامتنع عن زيارة واشنطن منذ 2019 وحتى هذه السنة. الآن مرة أخرى قدم اردوغان لترامب الاقتراح القديم مع زيادة مغرية: بدلا من الجيش التركي، سوريا هي التي ستنضم الى التحالف الدولي لمحاربة داعش. قواتها ستحل مكان القوات الكردية، وأيضا ستقوم ببناء معتقلات جديدة لاعضاء داعش في الأراضي التي تسيطر الدولة عليها، بدلا من التي توجد في الإقليم الكردي. هكذا تستطيع أمريكا التنازل أخيرا عن خدمات الاكراد.
إضافة الى ذلك تركيا تعرض هذه الخطوة كجزء من خطة أوسع، التي ستجبر الاكراد على الاندماج في الجيش السوري، وهكذا سيتم استكمال أيضا عملية اخضاع الأقاليم الكردية وقواتها المسلحة للسلطة المركزية. يبدو ان هذه الخطة تخدم الرؤية الاستراتيجية الامريكية، العربية والدولية، التي تتطلع الى تأسيس دولة سورية موحدة فيها السلاح الشرعي يوجد كله في يد الدولة. ولكن هذه الخطة ستجبر ترامب على التخلي عن حلفائه الاكراد، والاعتماد على الجيش السوري – الذي على الرغم من التدريبات التي اجتازها بتوجيه من تركيا وما زال يعاني من إخفاقات تنظيمية – وفعليا نقل الى يد تركيا بصورة شبه كاملة إدارة السياسة الإقليمية لسوريا. الى جانب ذلك هذه العملية يمكن أن تشعل مواجهات عنيفة بين القوات الكردية وقوات الشرع والمليشيات السورية التي تعمل برعاية تركيا في شمال الدولة، وتستأنف الحرب الاهلية على الأقل في بعض محافظات الدولة.
هذه ليست العقبة الوحيدة التي توجد امام ترامب. إسرائيل التي تسيطر على مناطق في شمال سوريا وغربها، عينت نفسها كراعية للاقلية الدرزية في سوريا، التي تطالب بإقامة حكم ذاتي، وربما أيضا دولة مستقلة للدروز. في منظومة الاواني المستطرقة التي تعمل في سوريا، التي فيها التطورات في الإقليم السوري يتوقع ان تؤثر على سلوك الأقلية الكردية، فان التطلع هو التوصل الى اتفاقات امنية بين إسرائيل وسوريا. هذه ستمكن الإدارة الامريكية من مطالبة إسرائيل بالانسحاب من سوريا كي يتمكن النظام من استكمال سيطرته أيضا على جنوب الدولة.
بعد أسابيع من المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل فان اتفاق امني لم يستكمل بعد. في الولايات المتحدة يسود الاعتقاد، وقد عبر عنه أيضا المبعوث الخاص توم باراك، بان إسرائيل لا تقلقها فقط الترتيبات الأمنية، بل رؤية استراتيجية تفضل دولة سورية مقسمة الى كانتونات – التي فيها تستطيع إسرائيل الإمساك بادوات تاثير “إقليمية”، التي ستحيد أو على الأقل توازن أدوات النفوذ التركية.
من غير الواضح كيف ستحسم الولايات المتحدة هذه القضية، لكن التقرير الذي نشرته يوم الخميس “رويترز”، الذي بحسبه واشنطن تخطط لاقامة قاعدة عسكرية كبيرة قرب دمشق للاشراف على تطبيق الترتيبات الأمنية التي سيتم التوصل اليها بين سوريا وإسرائيل، من شانه ان يدل على نوايا ترامب. حسب هذا التقرير فان الولايات المتحدة “ستدخل الى الصورة” كما تفعل في قطاع غزة، وستضمن بنفسها تطبيق الترتيبات الأمنية، وهكذا ستحيد تبريرات إسرائيل التي سيطلب منها الانسحاب من معظم المناطق التي احتلتها في سوريا.
اذا نجح ترامب أيضا في الحصول من الشرع على تصريح ملزم للانضمام الى اتفاقات إبراهيم، حتى لو لم يحدد فيه موعد لذلك، فان إسرائيل ستجد صعوبة في التمسك باستمرار تواجدها في سوريا. وهكذا أيضا سيتم استكمال نشر رعاية تركيا على سوريا، هذه المرة بـ “تصريح” امريكي. حسب هذه الخطة يبدو ان الشرع، نتنياهو واردوغان، سيضطرون الى تقاسم “محبة ترامب”. اذا كان هذا هو الهدف الذي يريده ترامب فسيكون من الصعب تجاهل المفارقة: الرئيس الذي أراد بكل قوته التخلي عن التورط المباشر في الشرق الأوسط، وبالاحرى، موطيء قدم عسكري امريكي، هو الذي وضع سياسة بحسبها يجب على الولايات المتحدة ان لا تحارب حروب شعوب أخرى، يضع نفسه الان مرة تلو الأخرى في نفس الساحة المشتعلة.



