ترجمات عبرية

هآرتس – تأثير الغزو الروسي على سياسة ألمانيا الخارجية

هآرتس ١-٣-٢٠٢٢م – بقلم: ميليسا ايدي

كي تتخلى ألمانيا عن سياستها الخارجية التي استمرت عشرات السنين والتي تشمئز من التدخل العسكري وتاريخ جرائم الرايخ الثالث، كان مطلوباً غزو دولة سيادية مجاورة، وتهديدات بهجوم نووي، وصور لمدنيين يقفون أمام الدبابات الروسية. ولكن منذ اللحظة التي قرر فيها المستشار الألماني أولاف شولتس البدء بالعمل، كانت الانعطافة سريعة.

“24 شباط 2022 نقطة انعطاف في تاريخ الغرب”، قال أمس، شولتس في جلسة خاصة للبرلمان، وكان يقصد التاريخ الذي أمر فيه الرئيس الروسي فلادمير بوتين جيشه بشن هجوم على أوكرانيا، دون أي استفزاز من جانبها. أعلن شولتس بأن ألمانيا ستزيد ميزانية دفاعها 2 في المئة من الناتج العام، وسيطبق القرار على الفور عن طريق ضخ 100 مليار يورو لقوات الجيش، التي هي مسلحة كما ينبغي. وقد أشار إلى أن ألمانيا ستسرع بناء محطتي تخزين لاستقبال الغاز السائل في إطار الجهود لتقليص اعتماد ألمانيا في الطاقة على روسيا. “يقف في لب الموضوع سؤال: هل يسمح للقوي خرق القانون”، قال شولتس. “هل سنسمح لبوتين بالعودة إلى أيام الدول العظمى من القرن التاسع عشر أم سنضع حدوداً لمشعلي الحروب أمثاله”.

أحداث الأسبوع الماضي صدمت دولاً لها رؤى سلمية، بل ودولاً متساوقة أكثر مع روسيا. ولا يعتبر غزو روسيا لأوكرانيا في نظر هذه الدول مشهداً يمكن النظر إليه مكتوفي الأيدي: فيكتور أوربان، رئيس حكومة هنغاريا المؤيد للروس والمعارض للهجرة والذي أدان فرض العقوبات على روسيا قبل بضعة أسابيع، غير موقفه في نهاية الأسبوع. واليابان التي ترددت في فرض عقوبات على روسيا في 2014 عندما غزت شبه جزيرة القرم، أدانت غزو أوكرانيا بصورة قاطعة في الأسبوع الماضي

خطاب المستشار أنهى أسبوعاً تخلت فيه ألمانيا عن السياسة التي مارستها ثلاثين سنة، والتي حاولت فيها الموازنة بين حلفائها الغربيين وبين علاقاتها الاقتصادية الشجاعة مع روسيا. الثلاثاء الماضي، قررت حكومة ألمانيا إلغاء صفقة مد أنبوب غاز طبيعي، وهي صفقة بمبلغ 11 مليار دولار. الحكومة التي اندهشت من كيفية مهاجمة بوتين لمواطني دولة أوروبية ديمقراطية ذات سيادة، قامت بانعطافة أساسية، ليس في سياستها الخارجية والدفاعية فحسب، بل وفي علاقاتها مع روسيا. “هو ببساطة أعاد رسم استراتيجية ألمانيا”، قالت عن خطاب شولتس دانييلا تشفارسر، مديرة أوروبا وأوروآسيا في “اوبن سوسيتي فاونديشنز”.

ألمانيا، وخصوصاً حزب الوسط – يسار لشولتس، أيدت تقارباً تجاه روسيا، بذريعة أنه من الأخطر إبعاد روسيا عن أوروبا. ولكن رؤية الأوكرانيين الهاربين من القوات الروسية أثارت في أوساط الألمان المسنين ذكريات الهرب من الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وأشعلت الغضب في أوساط أبناء الجيل الأصغر الذي تربى على الوعد بأوروبا موحدة وهادئة. مئات آلاف الألمان ساروا أول أمس، في مركز برلين في مظاهرة تأييد لأوكرانيا وحملوا لافتات كتب عليها “أوقفوا بوتين” و”لا للحرب”.

حسب إدراكه لمدى التزام الألمان بوحدة أوروبا والعلاقات الثقافية والاقتصادية العميقة على مدى مئات السنين، فقد ألقى شولتس على بوتين اللوم بسبب العدوان الروسي، وليس على الشعب الروسي. ولكنه أوضح بأن ألمانيا لن تجلس مكتوفة الأيدي وتعتمد على دول أخرى توفر لها الغاز الطبيعي أو تمنحها الحماية العسكرية.

“الرواية التي استخدمها شولتس أعدت تحفظاً لفترة طويلة”، قالت تشفارسر. “لقد تحدث عن مسؤولية تجاه أوروبا، وما هو مطلوب لحماية الديمقراطية والحرية والأمن. لم يبق شكاً بأن هذا يجب أن يحدث”.

إن قلب ظهر المجن من قبل ألمانيا لماضيها النازي الفظيع يعني تبني سياسة خارجية لدبلوماسية وردع. ولكن منذ غزو روسيا، اتهم كثيرين من حلفاء ألمانيا بأنها لا تفعل ما فيه الكفاية لتعزيز نفسها وتعزيز أوروبا. في العام 2014 تعهدت ألمانيا بأن تزيد ميزانية دفاعها 2 في المئة من الناتج المحلي خلال عقد، وهو الهدف الذي تم تحديده لأعضاء الناتو، ولكن حسب التقديرات لا تبدو الحكومة قريبة من هذا الهدف رغم اقتراب الموعد. هذه المسألة هي مصدر لمواجهة بين برلين وواشنطن التي تنفق أكثر من 3 في المئة من ناتجها المحلي على الأمن. اشتد النقاش في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ووبخ حكومة ألمانيا لأنها لا تنفذ تعهدها للحلف.

في خطابه، اقترح شولتس أن تكون ميزانية الجيش متضمنة في دستور الدولة. هذا الأمر يضمن، حسب قوله، ألا تجد ألمانيا نفسها مرة أخرى مزودة ببنادق لا تطلق النار وطائرات لا تطير وسفن غير قادرة على الإبحار. وأوضح أن التركيز على الأمن يعمل لصالح ألمانيا. “نفعل ذلك من أجلنا ومن أجل أمننا”، قال.

في نهاية الأسبوع، رفعت حكومة ألمانيا معارضتها عن خطوات أخرى طلبت الولايات المتحدة وحلفاؤها من أوروبا القيام بها. الأولى هي فصل البنوك الروسية الرئيسية عن نظام التحويل المالي، “السويفت”، وإرسال السلاح لأوكرانيا. واتُّخذ هذا القرار بعد توبيخ من قبل رئيس حكومة بولندا، نتاوش مورفيتسكي، الذي سافر إلى برلين من أجل “هز ضمير ألمانيا”، فيما يتعلق بالأسلوب الذي يجب الرد فيه على عدوان روسيا على أوكرانيا. “الآن لا يوجد وقت للأنانية”، قال مورفيتسكي في بيان عن زيارته في تويتر.

 وهي، حسب سياسة ألمانيا، ترفض إرسال السلاح إلى مناطق مواجهة، رغم أنها تبيع السلاح بشكل دائم لدول في الشرق الأوسط. ولكن بعد اللقاء مع مورفيتسكي، أعلنت الحكومة أنها سترسل إلى أوكرانيا 1000 قاذف آر.بي.جي و500 صاروخ أرض – جو من نوع “ستينغر”. أزالت ألمانيا أيضاً معارضتها لإرساليات سلاح من إنتاجها الموجودة في أيدي حكومة بولندا وحكومة أستونيا إلى أوكرانيا، وهي إرساليات منعتها على مدى أشهر.

قبل بضعة أسابيع، أدينت حكومة ألمانيا بسبب ما سماه المنتقدون “ردها الفاتر على انتشار القوات الروسية”، بعد إعلانها أنها سترسل 5 آلاف خوذة ومستشفى ميدانياً لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.

“خلال أسبوع، تم وضع محظورات سياسية مثل الإنفاق العسكري والعلاقات مع روسيا، جانباً”، قالت سودها ديفيد فيلب، وهي عضوة في صندوق جيرمان مارشال في برلين، وأضافت: “ألمانيا لا تتكلم فقط، بل تخصص أموالاً لتعزيز قدرات الدفاع، وهي تؤيد عزل روسيا حتى على حساب اقتصادها هي نفسها”.

في الأسبوع الماضي، خضع شولتس لضغط حلفائه وألغى برنامجاً مختلفاً عليه، يهدف إلى مد أنبوب غاز يربط مباشرة بين دولته وروسيا، وهو أنبوب “نورد ستريم 2”. وأعلن وزير الاقتصاد في حكومته بأن الدولة ستعوّض عن اعتمادها على روسيا، التي هي الآن تزودها بنصف احتياجاتها من الغاز.

حسب أقوال شولتس، ستتأكد ألمانيا من أن سيكون لديها مخزون من الفحم والغاز الطبيعي يشبه مخزون النفط لديها. تنوي ألمانيا على المدى البعيد أن تغير سوق الطاقة لديها لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. ولكنها عملية ستستغرق فترة، وسيشعر الألمان على المدى القصير بضرر على شكل ارتفاع أسعار الطاقة والسلع.

سفير أوكرانيا في برلين، الذي وقعت مطالبه بالحصول على السلاح من ألمانيا على آذان صماء طوال أشهر، كان قد سمع أول أمس خطاب شولتس في مقصورة الضيوف. استقبل السفير بهتافات أعضاء البوندستاغ من جميع الأحزاب، بما في ذلك أعضاء إي.اف.دي، اليميني المتطرف. أعضاء “بديل لألمانيا”، الذين دائماً ما يستغلون مكانتهم للبروز وإسماع معارضة صارخة لخطابات الحكومة، صفقوا لأقوال شولتس في خطابه. حتى أن الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المعارضة الأكبر، وافق على تأييد الخطوات التي تحدث عنها المستشار.

“الأحزاب الرئيسية في ألمانيا تدرك أن هذه “لحظة 1939″، ويبدو أنها مستعدة لتأييد الحكومة الجديدة في مواجهتها لهذا التحدي”، قالت ديفيد فيلب.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى