ترجمات عبرية

هآرتس: بينما يقصف الجيش الإسرائيلي سوريا، تؤسس إيران مكانة جديدة في المنطقة

هآرتس 30-4-2023، بقلم تسفي برئيل: بينما يقصف الجيش الإسرائيلي سوريا، تؤسس إيران مكانة جديدة في المنطقة

بعد يوم على إنهاء وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، لزيارته المغطاة إعلامياً في بيروت، هاجم الجيش الإسرائيلي بالصواريخ مخازن سلاح وذخيرة لـ “حزب الله” قرب مدينة حمص في سوريا. ليست واضحة ضرورة تنفيذ هذا الهجوم بالتحديد أمس، حيث الحديث لا يدور عن قافلة للسلاح قد تختفي، باستثناء الرغبة في نقل رسالة عنيفة لإيران بعد يوم من زيارة وزير خارجيتها في منطقة الحدود مع إسرائيل.

هذه هي أهمية الحوار الذي تجريه إسرائيل أمام إيران في إطار ما حظي بتعريف “المعركة بين حربين”. وهو المفهوم الغريب الذي يفترض بأن الحرب القادمة محتمة، وإلى أن تأتي، ندير حروباً صغيرة التي ربما تشعل الحرب الكبرى. ولكن في الوقت الذي تحصي فيه إسرائيل الصواريخ التي تطلقها ومخازن السلاح التي تدمرها، تجني إيران مكاسب سياسية سيكون من الصعب تدميرها بالصواريخ.

زيارة وزير الخارجية الإيراني تأتي بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران التي هزت كل المنطقة. كان الهدف المعلن للزيارة هو الدفع قدماً بحل سياسي للأزمة الاقتصادية الشديدة في لبنان، والتوصل إلى تعيين رئيس جديد للبنان بعد سبعة أشهر لم يكن فيها رئيساً للدولة.

لكن إضافة إلى التصريحات، تقف إيران على مفترق قرارات جوهرية، التي يمليها استئناف العلاقات بين طهران والرياض والتقارب بين السعودية ودول عربية من جهة وسوريا من جهة أخرى، التي قد تعيد الأخيرة إلى الجامعة العربية. ومن أجل الحفاظ على مكانتها، فالمطلوب من إيران تنسيق مواقفها مع مواقف الدول التي كانت حتى فترة متأخرة من الأعداء اللدودين لها.

قال عبد اللهيان في المؤتمر الصحافي الذي أجراه أول أمس في بيروت بأنه حصل على دعوة من وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، لزيارة الرياض، وأنه هو نفسه دعا ابن فرحان لزيارة طهران، وأن هذه الزيارات ستخرج إلى حيز التنفيذ قريباً. اضافة إلى ذلك، يتوقع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن يزور دمشق الأربعاء، وسيلتقي مع الرئيس السوري بشار الأسد للتوقيع على عدة اتفاقات سياسية. في وقت لاحق من هذه السنة، يتوقع أن يزور ملك السعودية، الملك سلمان، طهران.

لكن التقارب السياسي بين السعودية وإيران، وقبل ذلك مع الإمارات، يشمل أيضاً رزمة تحديات سياسية سيكون على إيران مواجهتها. لبنان حالة فحص مهمة بشكل خاص. الصراعات الداخلية على تعيين رئيس للبنان خلقت دوائر منافسة. في الدائرة الداخلية عداء بين من يعارضون “حزب الله”، من بينهم حزب الأحزاب المسيحية وحزب “المستقبل” السني القوي، التي تؤيد ترشيح نواف سلام للرئاسة، وبين “حزب الله” ومنظمة “أمل” وحزب “المردة”، التي تؤيد تعيين سليمان فرنجية. في الدائرة الخارجية تتنافس الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، التي تعارض تعيين فرنجية، أمام فرنسا المستعدة للتنازل في هذا الشأن، شريطة أن يتم تعيين رئيس حكومة غير مقرب من “حزب الله”. الدائرة الداخلية ستحدد من سيكون الرئيس، لكن مستقبل لبنان يتعلق بالدائرة الخارجية.

إيران تؤيد بشكل طبيعي أي قرار يتخذه “حزب الله”. ولكن إذا لم يكن لإيران أي مشكلة إلى حين الاتفاق مع السعودية للإعلان عن دعم مرشح “حزب الله”، فإن وزير خارجية إيران اكتفى الآن بصيغة دبلوماسية غير ملزمة أوضح فيها بأن إيران ستؤيد “كل شخص يتفق عليه الشعب في لبنان”. تدير إيران حواراً مباشراً مع فرنسا حول هذا الأمر. وحسب مصادر عربية، أرسل عبد اللهيان لوزير خارجية فرنسا رسالة أكد فيها أن “رئيس لبنان سينتخبه لبنان وليس السعودية أو إيران أو الولايات المتحدة”.

السعودية التي تم إشراكها في مجموعة العمل التي شكلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمناقشة مستقبل لبنان، ما زالت حتى الآن مصممة على موقفها وتعارض تعيين فرنجية. وقد أوضحت أن استعدادها في هذا الأمر سيكون مرتبطاً بالمساهمة في الجهود الاقتصادية. واضح لجميع الأطراف بأنه دون شراكة السعودية الاقتصادية، سيكون للبنان رئيس، لكن لن تكون له دولة ليترأسها.

ليس مستقبل لبنان الاقتصادي وحده المرتبط بالسعودية، بل شرعية الأسد أيضاً التي تمر عبر الرياض. هنا تكمن مصلحة إيرانية حيوية لتوضيح من هو صاحب البيت في دمشق، لا سيما بعد أن قلصت روسيا نشاطاتها السياسية للعثور على حل للحرب في سوريا عقب الحرب في أوكرانيا. ومثلما في لبنان، فإن إيران تخشى من أن تصبح السعودية راعية للأسد في سوريا. في هذا الشهر زار وزير خارجية السعودية سوريا للمرة الأولى بعد 12 سنة. وبعد ذلك، عقدت السعودية قمة لدول الخليج ومصر لمناقشة عودة سوريا إلى الجامعة العربية رغم معارضة الولايات المتحدة الشديدة والعلنية.

من ناحية إيران، يمكن أن تؤدي الشرعية العربية للأسد إلى شرعية دولية، حتى لو لم تكن الولايات المتحدة شريكة في ذلك. وبهذا قد يختفي التمايز الاستراتيجي بين محور إيران والمحور العربي، الذي استخدم قبل سنة كقاعدة للتحالف المناهض لإيران، الذي كانت فيه إسرائيل عاملاً نشطاً بشكل خاص.

لكن شبكة علاقات جديدة تمنح إيران مكانة إقليمية جديدة وتسحبها من العزلة العربية، ربما تأتي مع ثمن من غير الواضح حتى الآن إذا كانت ستوافق على دفعه. هذا الثمن سيلزمها بالعمل على تليين موقفها في مسألة الرئاسة في لبنان لصالح موقف السعودية، وربما الموافقة على مرشح يختلف عن المرشح الذي يدفع به “حزب الله”. الحل السياسي في سوريا، الذي قادته روسيا وتركيا، وبدرجة معينة إيران، سيلزم الأسد بإعطاء مقعد فخري للسعودية. وستضطر إيران لبلع هذا الضفدع، سواء لضمان مكانة عربية لسوريا أو من أجل تجنب مواجهة سياسية مع السعودية التي هي الآن “دولة أخت”.

من ناحية إسرائيل، يمكن أن تكون التداعيات الفورية تقليص حرية عملها العسكري في سوريا، وربما حتى إلغائها المطلق، لأنه إذا ما تحققت الخطوات التي تقودها السعودية وتحولت سوريا من منطقة نيران مفتوحة لكل الجهات إلى دولة ذات سيادة برعاية السعودية، التي ستوافق تركيا أيضاً على الانسحاب منها، وثمة نقاشات تجري حول ذلك مؤخراً، حينئذ يمكن التوقع أن الترخيص الذي تعطيه روسيا لإسرائيل للعمل كما تشاء في سوريا سيعاد فحصه. في هذا الوضع، قد تضطر إسرائيل للعودة إلى قواعد اللعب القديمة والأقل راحة، التي بحسبها ستكون جبهتها الساخنة مباشرة أمام لبنان وليس في ساحة اللعب المريحة في سوريا، التي يمكنها فيها تجاوز ميزان ردعها أمام “حزب الله”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى