ترجمات عبرية

هآرتس – بوتين أنه لا يخشى اللعب بالنار والأسلحة النووية

هآرتس ٦-٣-٢٠٢٢م – بقلم: نتنئيل شلوموفيتس

إن غزو روسيا لأوكرانيا ذكر العالم باحتمال وقوع حرب برية في أوروبا حتى في القرن الواحد والعشرين. الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، لم يكتف بذلك، وطرح تهديداً آخر على شكل الخطر الذري. وإن إطلاق روسيا النار على المحطة النووية في الأسبوع الماضي قدم توضيحاً آخر، وهو أن الكرملين قادر، بل لا يخاف من اللعب بهذه النار. بعد بضعة عقود على الإقصاء، يجب على العالم أن يتعلم الخوف من السلاح النووي مجدداً.

حسب رئيس أوكرانيا فلودمير زيلينسكي، فإن إطلاق النار على محطة الطاقة يجسد أن التهديد قد انتقل إلى الفعل، حتى أن العالم سمى ذلك “إرهاباً نووياً غير مسبوق”. ولكن العنوان المهدد كان مكتوباً على الحائط قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا. في خطاب الاستياء الذي سبق الغزو، أطلق بوتين عدة تحذيرات أثارت خوف الغرب، لكن كان هناك تهديد أشد منها جميعاً؛ فعندما كان جيشه يتدرب على الحدود مع أوكرانيا، أطلق تهديداً مباشراً ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو.

أي تشكك في مضمون التهديد اختفى في خطاب آخر ألقاه بوتين بعد الغزو؛ “أمرت وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة في الجيش الروسي برفع درجة الجاهزية لجميع قوات الردع”، قال في بث مباشر. عرف البيت الأبيض أن “قوات الردع” تشمل الصواريخ النووية، وفضلوا الامتناع عن رفع الاستعداد النووي. تدرك الولايات المتحدة أن هذه من نوع اللحظات في المواجهة العسكرية التي يمكنها أن تتصاعد بسهولة، وتدفع بوتين إلى الزاوية وتنتهي بكارثة عالمية.

صحيح أن هناك القليل من السياسيين أو الخبراء الذين يعتقدون بأن بوتين سيضغط على الزر الأحمر، لكنهم جميعاً يذكرون بأن كل حرب قد تخرج عن السيطرة. في الكرملين زعيم غير متوقع، خطير وغير مكبوح. واختار الرئيس الأمريكي جو بايدن، عدم الانجرار إلى تصعيد في الخطاب النووي. السياسي المخضرم الذي شهد الحرب الباردة يتذكر أزمات الماضي وأخطارها.

التهديد بالسلاح النووي بحد ذاته ليس أمراً غير مسبوق؛ فزعماء الاتحاد السوفييتي هددوا بشكل مباشر أو غير مباشر في 19 مناسبة مختلفة منذ تطوير القنبلة النووية في 1949. الحادثة ذات العلاقة من بينها، حدثت في 1959، قبل ثلاث سنوات من الأزمة في كوبا، عندما ذكر نيكيتا خورتشوف السفير الأمريكي بأنه يملك صواريخ كافية لتدمير أوروبا كلها. والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يتم تذكره على اعتبار أنه الشخص الذي نقل رسائل مهددة بشأن القنبلة النووية في حرب فيتنام.

الحرب الباردة انتهت، لكنها أخذت معها أحد الحواجز المهمة التي بنتها الدولتان العظميان على مدى عقود لمنع حرب نووية. انهارت قنوات حوار ومنظومة قواعد مكتوبة وغير مكتوبة مع الاتحاد السوفييتي والنظام العالمي القديم. بوتين، الذي يحب تحطيم القواعد والمعايير، هو المسؤول الرئيسي ولكن ليس الحصري. وقد كان له عدد من الشركاء البارزين على شكل سلسلة من الرؤساء الأمريكيين الذين اعتبروا الذرة بقايا أثرية من القرن العشرين.

حقيقة أن قنبلة نووية لم يتم إلقاؤها منذ 77 سنة لا تعني أي شيء بخصوص المستقبل. وحسب بيانات هيئة الرقابة على السلاح النووي، يوجد الآن 13080 رأسا نووياً متفجراً موزعة في أرجاء العالم. وروسيا في صدارة الدول بـ 6257 رأساً نووياً متفجراً. تليها الولايات المتحدة بـ 5550. نشرت شبكة “سي.ان.ان” بأن هذا العدد قد يضلل لأن جميعها ليس جاهزاً للإطلاق. مع ذلك، فإنه منذ رفع الجاهزية في روسيا، هناك ما لا يقل عن 527 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، موجودة في أراضي روسيا وجاهزة للعمل، وهذا العدد يكفي لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات.

التهديد النووي كان في الطريق إلى الزوال نهاية القرن العشرين، إلى أن نسيه الجمهور والزعماء في أمريكا وروسيا. يتم تذكر سنوات الثمانين كنهاية للحرب الباردة، لكن ذروتها كانت الأكثر خطورة. سباق التسلح بين واشنطن وموسكو أشعل خوفاً حقيقياً من السلاح النووي، والتحرك لنزع السلاح النووي كان في الذروة. وفي نيويورك عام 1982 جرت المظاهرة الأكبر في التاريخ ضد السلاح النووي.

الاحتجاج الشعبي العالمي دفع بالتحديد رئيساً محافظاً وصقورياً، هو رونالد ريغان، إلى تغيير التوجه والعمل على إزالة السلاح النووي عن الطاولة. في 1987 تم التوقيع على الاتفاق التاريخي بين الرئيس الأمريكي ريغان والرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، الذي استهدف إبعاداً تدريجياً للرؤوس المتفجرة النووية، وتواصل بنشاطات جورج بوش الأب. هذا السلاح النووي تم نسيانه بشكل كبير في غضون أربع سنوات، عند سقوط جدار برلين والاتحاد السوفييتي بعد ذلك. وقد تلاشى الشعور بضرورة تفكيك الذرة الروسية، بل واختفى.

قلائل في الغرب لاحظوا أن إدارة بوتين بدأت في العام 2007 في انتقاد الاتفاق الذي وقعه ريغان وغورباتشوف. وقلائل كرسوا اهتمامهم ببوتين عندما تم إلغاء الاتفاق بشكل نهائي في 2019. لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرر الانسحاب منه. ولكن عندما يهدد بوتين العالم كله بالسلاح النووي، فيبدو أن الفرصة التاريخية لإزالة الخيار النووي تم تفويتها من قبل جميع ورثة ريغان وبوش في البيت الأبيض.

في الـ 15 سنة الأخيرة، منذ التهديد الروسي الأول وحتى الحرب الحالية، هناك عدد قليل من الأمريكيين الذين حظوا برؤية بوتين عن قرب مثل فيونا هيل. فقد حظيت بصورة فوق حزبية لأنها عملت مستشارة للشؤون الروسية لدى ثلاثة رؤساء، وهم: بوش الابن، وبراك أوباما، وترامب. وحظيت في هذا الأسبوع باهتمام كبير بسبب مقابلة مع موقع “بوليتيكا”، التي قالت فيها بحزم إن بوتين لن يتردد في استخدام السلاح النووي إذا “تم دفعه إلى الزاوية”.

هيل، التي هي من مواليد بريطانيا، استقالت من إدارة ترامب في 2019 وشهدت ضده في محاكمة العزل بسبب قراره منع تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا، حتى يوفر له الرئيس زيلينسكي مواد مجرمة لبايدن. مع ذلك، وصفته في المقابلة بأنه آخر شخص في قائمة الرؤساء الأمريكيين الذين لم يتعاملوا بشكل جدي مع التهديدات التي أصدرها بوتين بصراحة.

“في أحد اللقاءات الأخيرة التي شاركت فيها، قال بوتين لترامب: أنت تعرف، يا دونالد، بأن لدينا صواريخ فرط صوتية، فرد عليه ترامب: سنصل إلى مثل هذه الصواريخ. أجاب بوتين: نعم، أنتم ستحصلون في مرحلة ما، لكننا أوائل من حصلوا عليها. “كان هذا تهديداً”، قالت هيل، وأكدت أن ترامب ومساعديه لم يعرفوا بأن “بوتين يضع إشارة تحذير ضوئية ويذكر بما يمكن أن يحدث في مواجهة بين القارات، سيكون الخيار النووي على الطاولة”.

وذكرت هيل بأن بوتين هو المسؤول عن الهجوم النووي الأول في أوروبا. بهذا هي تقصد تسميم عميل الـ كي.جي.بي السابق ألكسندر ليتفننكو في العام 2006 في لندن. كشفت المخابرات البريطانية أنه تم تسميمه بمادة إشعاعية هي بولينيوم 210، التي مصدرها روسيا.

لقد توقف بيل كلينتون وبوش الابن وأوباما وترامب عن إحصاء عدد الصواريخ النووية الروسية. نزع السلاح النووي لم يخرج إلى حيز التنفيذ ولم يتم التحدث عنه، سواء في الإدارة أو الشارع. واختفت حركة الاحتجاج مع النظام السوفييتي رغم أن صواريخه بقيت تحت سيطرة الكرملين.

ثمة جيل ونصف ولد وتربى في عالم تعد فيه القنبلة النووية أمراً متعلقاً بقناة التاريخ وليس بالأجيال الجديدة. جيل ونصف حظي بخوف وجودي آخر، مختلف ومتشابه، على شكل أزمة المناخ. في الحالتين، ثمة حديث عن تهديد وجودي للكرة الأرضية. واحتمالية أن يهاجم بوتين بسلاح غير تقليدي هي احتمالية ضعيفة، لكنها كافية لإثارة القلق في العالم.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى