ترجمات عبرية

هآرتس: بن سلمان في تركيا: من سيملي على الآخر سياسة الإقليم؟

هآرتس 22/6/2022، بقلم: تسفي برئيل

للمرة الأولى منذ أربع سنوات، من المتوقع أن تهبط اليوم (الأربعاء) طائرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في المطار التركي. بالنسبة له ولمضيفه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، تعد هذه الزيارة إغلاقاً لدائرة العداوة والمقت والقطيعة العميقة التي حدثت عقب قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

طوال تلك الفترة، بدا أن الشرخ بين الدولتين، الذي تضمن مقاطعة لاستيراد البضائع من تركيا، لا يمكن رأبه. ولكن هكذا بدت أيضاً علاقات اردوغان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي رفض اردوغان الاعتراف بشرعيته منذ العام 2013 وحتى ما قبل سنتين؛ مع حكام دولة الإمارات الذين سموا تركيا “عدوة أسوأ من إيران”؛ ومع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الذي اعتبر اردوغان ديكتاتوراً وتجنب الحديث معه طوال شهور عديدة، ومع رؤساء حكومات إسرائيل الذين اعتبرهم اردوغان، حتى قبل قضية الأسطول، قادة لدولة إرهابية. اردوغان الذي صك مفهوم “صفر مشاكل مع الجيران” كأساس رئيسي في سياسته الخارجية، عاد إلى عاداته القديمة وخلق منظومة من العداوات والتوترات تقريباً مع كل جيرانه.

في الأربع سنوات تلك، غرقت تركيا في إحدى الأزمات الاقتصادية الشديدة التي عرفتها منذ أن صعد اردوغان إلى السلطة في 2003. الرجل الذي اعتبر كعبقري اقتصادي، وأنقذ تركيا من انهيار وتضخم بلغ 70 في المئة، وأوصلها إلى نمو متواصل بلغ حوالي 7 في المئة في العام، ها هو اليوم المسؤول مباشرة عن التضخم البالغ 73 في المئة وعن انهيار قيمة الليرة التركية، وعن إغلاق آلاف المشاريع وبطالة عالية وأزمة سكن عميقة.

قبل عام من الانتخابات الرئاسية وبعد عقدين من الحكم الاحتكاري له ولحزبه، يبحث اردوغان عن أطواق نجاة اقتصادية بالتحديد في الدول العربية. بداية، أعاد تأسيس علاقاته مع دولة الإمارات التي تعهدت باستثمار حوالي عشرة مليارات دولار في تركيا، كما أنه يجري “محادثات وثيقة” مع مصر، ويطور علاقاته مع إسرائيل بهدف إعادتها إلى مستوياتها ما قبل القطيعة، ويسعى لتسوية الأمور المتفجرة مع الإدارة الأمريكية. ثمة أهمية كبيرة لترميم العلاقات بين اردوغان وبن سلمان تتجاوز الإطار الثنائي. يكمن فيها إمكانية كامنة لتأسيس شبكة علاقات إقليمية مستقلة لا تعتمد على التقسيم الخطي، أي مع أمريكا أو ضد أمريكا، بل على مصالح إقليمية قوية يمكنها أن تملي سياسة خارجية أمريكية.

يأتي محمد بن سلمان إلى تركيا بعد زيارة قصيرة لمصر والأردن، وفيهما “سوى الأمور” تمهيداً لزيارة بايدن في الشهر المقبل لإسرائيل والسعودية. “عرض” بن سلمان على الرئيس المصري السير في أعقابه والدفع قدماً باستئناف العلاقات مع تركيا. علاوة على ذلك، فقد أنهى الأمور في موضوع نشر القوى متعددة الجنسيات في صنافير وتيران، والتي تقتضي تعديل اتفاقيات كامب ديفيد. كما وعد الأردن بمواصلة المساعدة السعودية وحاول تهدئة الملك عبد الله وإزالة مخاوفه من سعي السعودية لتحل محله كمسؤول عن الأماكن المقدسة في القدس. بخصوص تركيا، من غير الواضح بعدُ أي هدايا سيجلبها معه، ولكن ثمة توقعات بأنها لن تقل عن المساعدة الكبيرة التي حصلت عليها من الإمارات. الأمر المهم من ناحيته هو مجرد الظهور العلني واستعراض زعامته الإقليمية، التي ستثير الانطباع لدى الرئيس بايدن.

لقد انضم إلى الدائرة التركية السعودية، وإلى إسرائيل التي تطرح نفسها كمحورها المركزي. حسب رأيها، إذا تأسس حلف دفاع جوي إقليمي، فستكون إسرائيل هي التي أسسته. وإذا أرادت السعودية علاقات جيدة مع بايدن، يجدر ببن سلمان أن يطبع علاقاته مع إسرائيل. يبدو أن الدولة الأقل استقراراً من ناحية سياسية والتي تحطمت حكومتها وغير قادرة على إدارة سياسة، ما زالت قادرة على غرس شعور في المنطقة بأن البيت الأبيض خاضع لإملاءاتها.

وزير الدفاع بني غانتس يتحدث عن منظومات الدفاع التي سبق وأنقذت عدداً من الدول في المنطقة من العمليات المخططة لإيران. وحسب التقارير، فإن إسرائيل كما يبدو وضعت عدداً من منظومات الرادارات في الإمارات والبحرين، وينسب لها أيضاً تدمير خزان الطائرات المسيّرة في سوريا. التعاون الاستخباراتي الوطيد مع عدد من دول المنطقة لم يعد سراً. هذا بالتأكيد تغيير في الرؤية الإقليمية، الذي يحول إسرائيل إلى شريكة شرعية في النضال ضد الإرهاب. ولكن دول المنطقة تخشى في الوقت نفسه من أن كثافة نشاطات إسرائيل ضد إيران، وتصفية العلماء، وقصف أهداف وقواعد إيرانية في سوريا والتهديدات بالعمل بصورة مستقلة ضد إيران، من شأنها أن تحول هذه الدول إلى أهداف. أوضحت السعودية والإمارات في كل مناسبة أنهما تعارضان حرباً إقليمية جديدة حتى وإن كانت ضد إيران. السعودية وإيران تحاولان فتح صفحة جديدة في علاقاتهما، ولدى الإمارات علاقات عمل وتجارة مستمرة مع طهران. منظومات الدفاع الإسرائيلية ليس بالضرورة هي البديل الذي يمكنه ضمان مصالحهما الجديدة.

تشهد تركيا الآن حرباً من نوع جديد، إذ تتطور فيها ساحة قتال بين إسرائيل وإيران. تدير تركيا نضالاً مسلحاً ضد الإرهاب الكردي طوال عشرات السنين، وتعمل أيضاً ضد نشاطات عملاء إيرانيين يحاولون المس بمواطنين على أراضي تركيا. الحرب التي تدار على أراضيها بين دولتين إقليميتين تعد حدثاً جديداً مقلقاً ومهدداً. ما بين تركيا وإيران توتر سياسي على خلفية نوايا تركيا في توسيع غزوها لأراضي سوريا، ولكنه خلاف تحاول كلتا الدولتين حلّه بطرق دبلوماسية.

حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران حوالى 5 مليارات دولار، وفي كل عام يصل إليها حوالى مليوني سائح إيراني، إضافة إلى حوالى 100 ألف مواطن إيراني يسكنون في تركيا. إذا وقعت عملية إيرانية ضد مواطنين إسرائيليين، فمن شأنها أن تحدث “ذعراً سياحياً” عالمياً، وليس فقط للإسرائيليين، وبهذا سيمس بأحد مصادر الدخل الأكثر أهمية في تركيا، الذي من المتوقع أن يدر عليها هذا العام حوالى 40 مليار دولار. التعاون الاستخباراتي بينها وبين إسرائيل ضد النشاطات الإيرانية يدفع أنقرة إلى موقف غير مريح تماماً. اردوغان كان سيتنازل بسهولة عن الإطراءات التي تغدقها إسرائيل على التعاون الاستخباراتي والعملياتي التركي، وأيضاً على الذريعة التي قادت إليه. على خلفية التطورات السياسية في إسرائيل، ليس واضحاً بعد ما إذا كان وزير الخارجية يئير لبيد سيصل غداً إلى تركيا كما هو مخطط، للالتقاء مع نظيره مولود جاوش أوغلو. إذا عقد اللقاء، فسيسمع الشكر الإسرائيلي، ولكنه سيوضح للبيد الثمن الذي قد تدفعه تركيا بسبب هذا التعاون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى