ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم يولي تمير – هل اسرائيل هي دولة أصلا ؟

هآرتس – بقلم  يولي تمير – 6/10/2020

بعد انقضاء الوباء ستضطر اسرائيل الى ترسيم حدودها والاتفاق على مصدر سلطتها وإلا فانها ستبقى دولة “مشروطة” .

مؤخرا يتساءل الكثيرون اذا كانت اسرائيل هي دولة ديمقراطية أو يهودية وديمقراطية، أو ربما أن الديمقراطية تآكلت واسرائيل تحولت الى دولة استبدادية؟ أنا أريد طرح سؤال أبسط بكثير: هل اسرائيل هي دولة؟ حسب التعريف الدارج (والاكثر بساطة)، الدولة هي تنظيم سياسي مع سيادة يسيطر على منطقة جغرافية محددة، وسكانها خاضعون لمصدر سلطات مشترك وهم محكومون من قبل حكومة مستقلة ولديها حق في اقامة علاقات دبلوماسية أو اعلان الحرب على دول سيادية اخرى.

اسرائيل لا تلبي هذه الشروط الاساسية. اولا، ليس لديها مساحة جغرافية محددة: طالما أنه لم تحدد ولم يصادق بصورة نهائية على حدودها الشمالية والغربية. اسرائيل هي كيان سياسي مساحتها مختلف عليها، داخليا وخارجيا. ثانيا، لا يوجد في اسرائيل مصدر سلطات مقبول على مواطنيها. ثالثا، استقلال اسرائيل السياسي محدود، وهي تعتمد بدرجة كبيرة على سياسة حليفتها الولايات المتحدة. ومحاربة وباء الكورونا يزيد من حدة وبروز العيوب الثلاثة المذكورة.

سيادة جغرافية. مثل كل دول العالم، عند اندلاع الوباء اغلقت اسرائيل حدودها وأبقت اجزاء كبيرة من الضفة وغزة خارج الجدار – هذا تعبير واضح على أن هذه المناطق ليست جزء لا ينفصل عن المنطقة السيادية للدولة. اسرائيل لم تحتسب سكان مناطق السلطة والقطاع في تعداد المرضى، ولم تقم بمعالجة مرضى من المناطق في المستشفيات في اسرائيل، وقامت بتمييز واضح بين سكان المنطقة الفلسطينيين وبين المستوطنين، الامر الذي يدل، رغم عدم اعترافها بذلك، على أن اسرائيل تعتبر نفسها صاحبة سيادة جغرافية بالفعل فقط على حدود 1967.

في موازاة ذلك، وقعت اسرائيل على اتفاق سلام مع اتحاد الامارات، الذي تضمن تعهدا بعدم ضم المناطق في الوقت القريب، الامر الذي عزز الاعتراف بأن حدود السيادة، ولهذا ايضا سريان القانون الاسرائيلي، بقي بدون حسم.

مصدر الصلاحيات. في زمن الكورونا اشتد النقاش في مسألة مصدر الصلاحيات، وفعليا تعلمنا ما نعرفه منذ زمن: في اسرائيل لا يوجد مصدر واحد للسلطة. الاسباط المختلفة تعتمد على مصادر مختلفة. جزء من السكان، بالاساس الجمهور العلماني وجزء من الجمهور الرسمي الديني، يستند، مثل معظم الدول في العالم، على القوانين الاساسية، ويوازنها مع رؤية الحرية الشخصية وحق التعبير المستقل. جزء آخر، بالاساس الوسط العربي، يمتثل للقانون، لكنه يوازنه مع مصدر للسلطة لا يقل عنه أهمية – العرف، الثقافة والتقاليد. والجزء الثالث، بالاساس الاصوليين وجزء من الجمهور الرسمي الديني – يضع سلطة الحاخامية فوق سلطة الدولة.

العلمانيون يخافون من فقدان الحرية الشخصية ويطالبون بالتظاهر والعمل حسب تقديرهم، العرب يطالبون بتمكينهم من الحفاظ على تقاليدهم الجماعية والعائلية. والاصوليون الذين اعتبروا دائما الشريعة كسابقة للدولة، يعملون حسب توجيهات الحاخامات ويخافون فقط من يوم القيامة.

نظرا لأنه منذ قيام الدولة وحتى الآن لم يوضع دستور، فان الصراع على مصدر السلطة لم ينته. ونظرا لأنهم لم يتعودوا على احترام الدولة كمصدر للسلطة العليا، فان كل المجموعات تشعر بأن كل قيد يفرض عليها هو جزء من محاولة املاء بنية جديدة لتقسيم الصلاحيات، الذي يضعها في مكانة متدنية.  في مثل هذا الوضع فان سيادة السلطة الحاكمة تآكلت، وهي لا تستطيع اتخاذ قرارات لانفاذها. الاستخفاف والرغبة في تحدي توجيهات الحكومة تزيد من بروز حدود الطاعة: العلمانيون باسم الحرية، العرب باسم التقاليد والهوية الجماعية، والاصوليون باسم تقديس الخالق – كل مجموعة تشجع على عدم الطاعة، الذي تحول الى طريق فيها يؤكدون على جوهر هوية المجموعة. وعدم الاستعداد للتنازل يشكل دليل على اهمية المبدأ الاساسي لاعضائها.

سيادة واستقلال دولي. لا توجد لدولة اسرائيل القدرة على اقامة علاقات دبلوماسية مع دول سيادية اخرى بدون موافقة الولايات المتحدة. والدليل على ذلك هو الغاء وزارة الخارجية، السبيل الوحيدة التي من خلالها يديرون العلاقات الخارجية لاسرائيل هي الخط بين القدس وواشنطن، حيث أن احد الطرفين يسأل والطرف الثاني يجيب ويملي، حتى الاتفاقات التي يتم فيها التنازل عن مصالح اسرائيل. ليس من الغريب اذا أن اتفاقات السلام لاسرائيل على مر الاجيال يتم دفعها قدما وصياغتها والمصادقة عليها ويتم التوقيع عليها في واشنطن، ولا يمكن أن يخطر بالبال أن اسرائيل يمكن أن تشن حرب بدون موافقة الولايات المتحدة، ولا يمكنها الصمود فيها بدون توفير السلاح والدعم الامريكي.

غياب سلطة داخلية تجاه مواطنيها أو خارجية تجاه العالم، بدون أن تحدد حدود متفق عليها ومنطقة جغرافية محددة وبدون سيادة خارجية، فان اسرائيل لا تلبي التعريفات الاساسية جدا لمفهوم الدولة. في الحقيقة، يوجد لها عملة خاصة بها وجيش وانظمة جماهيرية مثل العلم والنشيد، لكن هذا غير كاف كي تكون دولة مثل باقي الدول.

من هذا يمكننا أن نتعلم ثلاثة دروس هامة. الاول هو أن كل الصعوبات التي تواجه اسرائيل لا تبدأ ولا تنتهي في بلفور. الثاني هو أن مسائل تبدو نظرية، ومعظم الاسرائيليين لا يولوها اهمية كبيرة، تنعكس على سلوكنا اليومي وتلغي قدرتنا على التصرف كدولة. الثالث، الذي ربما يكون البشرى الطيبة، هو أنه ملقى علينا واجب – هذه ايضا فرصة – لاعادة تأسيس الدولة من جديد.

عندما سينقضي الوباء ستضطر اسرائيل الى مواجهة مصادر ضعفها. يجب عليها بلورة اتفاق حول مصدر السلطة (كذلك حول حكم ذاتي للطوائف المختلفة) وترسيم حدود وعلاقاتها مع العالم. واذا لم تفعل ذلك فهي ستواصل أن تكون دولة “مشروطة”، التهديد الرئيسي على وجودها ليس اهتزاز شرعيتها من قبل اعدائها، بل عدم قدرتها على تحديد شرعيتها على أيدي اعضائها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى