ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم يوسي ميلمان – اسرائيل تتفكك من الداخل، لكنها لن تُهزم مثل الصليبيين

هآرتس – بقلم  يوسي ميلمان – 18/10/2020

لا يوجد تهديد خارجي حقيقي على اسرائيل. واذا كان هناك خطر على استمرار وجودها كدولة ديمقراطية ويهودية وعلى مستقبل الصهيونية، فهو خطر داخلي وليس خارجي “.

“يوجد شيء معين فيما يقوله”، هذا ما قاله لي، وأنا لا اعرف اذا كان بانفعال وخوف شديد، عيزر وايزمن في 1988 اثناء تطرقه لاقوال الرئيس السوري حافظ الاسد. وايزمن كان في حينه وزير بدون حقيبة في حكومة الوحدة الوطنية ذات الرأسين والمكونة من شمعون بيرس واسحق شمير. وأيد الاعتراف بـ م.ت.ف واجراء مفاوضات السلام. الاسد شبه الصليبيين بحملات احتلالهم في ارض اسرائيل بالصهيونية وبدولة اسرائيل. بهذا أراد الاسد أن يقول إن وجود الصليبيين في البلاد كان مؤقت وتمركزهم فيها كان ضعيف. بعد مئة سنة تقريبا، في 1187، تمت هزيمتهم في معركة حطين قرب طبرية على أيدي القائد العسكري صلاح الدين الايوبي. ومنذ ذلك الحين، وبالتدريج، تم طردهم بالتدريج الى اوروبا التي جاءوا منها.

الاسد لم يكن هو الوحيد الذي استخدم هذه المقارنة التاريخية. فقد كانت نوع من تعزية النفس من قبل العرب على عجزهم وفشل جهودهم في هزيمة اسرائيل، وهي لم تنتشر فقط في السياسة، بل ايضا في الأدب والتاريخ العربيين في سنوات الخمسينيات والستينيات. وبالنسبة لهم، أنتم الصهاينة نبتة غريبة ونهايتكم الاختفاء مثل الصليبيين.

ايضا في الرواية الاسرائيلية في تلك السنين، فيما يشبه صورة المرآة، كان هناك من كتبوا وناقشوا الذاكرة الصليبية. الشاعرة داليا رابيكوفيتش كتبت في 1966 قصيدة بعنوان “حطين”، والبيت الاخير فيها يقول “لم تكن لديهم مملكة بعد/ لم تكن لديهم حياة أو قدس/ كم كان الصليبيون متوحشون وساذجون/ لقد نهبوا كل شيء”.

الخوف الاسرائيلي كان من هشاشة الوجود في الدولة الصغيرة، المحاطة بعالم مسلم ومعادي. ومن سحرته ممالك الصليبيين ومصيرهم وانشغل بدرجة غير قليلة بالمقارنة، كان اوري افنيري. في الكثير من مقالاته في “هعولام هزيه” اقتبس افنيري من الكتاب الضخم للمؤرخ البريطاني (الاسكتلندي) السير ستيفن رينزمان بعنوان “تاريخ الحروب الصليبية”.

المقارنة مغرية. الصليبيون كانوا غزاة من اوروبا، مفعمون بالايديولوجيا والايمان الديني، الذين احتلوا البلاد بقوة السلاح واقاموا ممالك مسلحة ومثلوا ثقافة غربية في قلب الشرق الاسلامي، وحاولوا، لكنهم وجدوا صعوبة في الاندماج في محيطهم، وانهكوا مرة تلو الاخرى في معارك، واضعفوا في اعقاب انقسامات وصراعات داخلية فيما بينهم، الى درجة أن خارت قواهم وانتهى حكمهم.

حتى لو كانت هناك أوجه شبه، تقريبا كل مقارنة تاريخية هي مبسطة، بالتأكيد بين المشروع الصهيوني والمملكة (الممالك) الصليبية. أولا، يجب علينا أن نذكر بأنه في زمن الحملات الصليبية في ارض اسرائيل، منذ نهاية القرن الحادي عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر (كانت هناك ايضا حملات صليبية في دول البلطيق وشرق اوروبا)، لم تكن هناك رؤية قومية التي على اساسها ومنها نمت الحركة الصهيونية. ايضا بسبب العلاقة التاريخية الواضحة للشعب اليهودي وارض اسرائيل والقدس فان المقارنة بين الصليبيين والصهاينة هي مقارنة لا اساس لها، ويمكن عد المزيد من التبريرات التي تثبت ذلك.

اسرائيل هي دولة قوية، متقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا. وهي ايضا الدولة العظمى العسكرية الاقوى في المنطقة الممتدة من شرق البحر المتوسط وحتى المحيط الهندي. عملية التسليم من قبل الدول العربية بوجودها هي عملية بطيئة حقا، لكنها مستمرة. هذا تسليم ليس فقط بحكم الامر الواقع، بل هو ايضا بحكم القانون، عن طريق اتفاقات سلام مع اربع دول عربية، وايضا عدد من الدول التي يتوقع أن تسير في اعقابها.

يمكن الافتراض بمعقولية عالية أن اسرائيل لن تُهزم في ساحة الحرب، ايضا حسب مصادر اجنبية، يوجد لديها سلاح نووي. ليس عبثا سمى الصحافي المعروف سيمور هيرش، أحد كتبه الذي يتناول السلاح النووي الاسرائيلي “خيار شمشون” (من اصدار “معاريف”).

لا يوجد أي تهديد خارجي حقيقي على اسرائيل. واذا كان يوجد خطر على استمرار وجودها كدولة ديمقراطية ويهودية، وفي الحقيقة على مستقبل الصهيونية كحركة قومية لمعظم الشعب اليهودي (على الاقل نصفه يعيش في اسرائيل)، فانه ليس خطر خارجي بل هو خطر داخلي.

اسرائيل تتفكك كدولة وكمجتمع. الشروخ، الانقسام، الكراهية، الاشمئزاز المتزايد من قيم ليبرالية والانقسامات السياسية وغيرها بين اليمين وبين الوسط – يسار، بين العلمانيين والمتدينين، بين الشرقيين والاشكناز، كل ذلك يهدد النسيج الدقيق للوجود هنا. لذلك، يجب أن نضيف الاحتلال والقمع للشعب الفلسطيني، وتداعياته الخطيرة على الديمقراطية والمجتمع. هذه الظواهر لم تبدأ في سنوات حكم بنيامين نتنياهو، لكن في عهده تم تسريعها، بدرجة غير قليلة بمبادرته المتعمدة.

معظم سنوات وجودها كان للشعب في اسرائيل روح مشتركة، التي تبنتها الاغلبية وتكتلت حولها: اقامة الدولة، الاستيطان، الأمن، قيم الديمقراطية، الاخلاق والايمان بعدالة الطريق. من اجلها الناس كان على استعداد للنضال، حتى لو كان يجب عليهم التضحية بحياتهم. تقريبا النسيج المشترك الذي وحد الدولة آخذ في التآكل. عدد متزايد من الاسرائيليين، كبار وصغار على حد سواء، يعبرون عن الخوف والذعر على وجودها. هذا ليس حنين مصحوب بالشفقة على الذات، على غرار قصيدة اريك آينشتاين بعنوان “يا وطني، الى أين أنت ذاهب”. هذا قلق اصيل وحقيقي، صرخة تنطلق من القلب.

******

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى