ترجمات عبرية

هآرتس – اذا تم التوصل ذات يوم الى حل للنزاع فانه هكذا سيبدو

هآرتس – بقلم  يوئيل زنجر وميني ماوتنر – 22/10/2021

” الكونفيدرالية ليست الحل المدهش للقضية الفلسطينية – الاسرائيلية، لكنها أهون الشرور. وهي تربط الانفصال حسب رؤية رابين مع التعاون حسب رؤية بيرس “.

اتفاق اوسلو كان نتاج هجين بين حلم شمعون بيرس (تعاون اسرائيلي فلسطيني، “شرق اوسط جديد”) وبين الحلم المعاكس لاسحق رابين (ضرورة الفصل، “نحن هنا وهم هناك”) اكثر مما كان حل وسط بين الطموحات المتناقضة للاسرائيليين والفلسطينيين. كان يمكن توقع أنه مع التقدم في تطبيق الاتفاق والمفاوضات على الاتفاق الدائم أن يتم حل التناقض بين رؤية رابين ورؤية بيرس، وأن يتم حسم الامر لهذه الجهة أو تلك. فعليا، ليس فقط أن التناقض لم يتم حله، بل إن الواقع المعقد الذي نشأ على الارض تحول الى شيء خليط معقد أكثر.

من جهة الارهاب الفلسطيني القاتل الغى بجرة قلم كل خطط بيرس لخلق نسيج للتعاون بين اسرائيل والفلسطينيين في مجالات متنوعة مثل التجارة والاقتصاد والمواصلات والصحة والعلوم. وايضا أدى الى اقامة جدران بين اسرائيل ويهودا والسامرة وغزة. هكذا تم الغاء الواقع الذي نشأ بعد 1967، الذي فيه تم محو الخط الاخضر فعليا وعاد وتأسس الواقع الذي كان قائما بين قسمي ارض اسرائيل في اعقاب التوقيع على اتفاقات الهدنة في 1949، مع حدود سياسية مغلقة امام انتقال الناس والبضائع، باستثناء حالات استثنائية قليلة. بهذا فقد تحققت فعليا مقاربة رابين التي تقول إن “الجدران العالية تنتج جيران جيدين”. اضافة الى ذلك، هكذا كما يبدو تم شق الطريق لحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني عن طريق قيام دولتين مستقلتين ومنفصلتين. 

من جهة اخرى، في المقابل، اتباع ارض اسرائيل الكاملة والمعارضون الاسرائيليون لاتفاقات اوسلو فهموا جيدا أن حل الدولتين هو نتيجة ممكنة للاتفاق. بعد توقيع الاتفاق بدأوا بزخم من الاستيطان المسرع في يهودا والسامرة بهدف احباط حل الدولتين. هكذا، في حين أنه في الـ 25 سنة بين 1967 وحتى اتفاقات اوسلو استوطن في يهودا والسامرة (بما لا يشمل شرقي القدس) حوالي 100 ألف يهودي، وفي الـ 25 سنة بعد الاتفاق ازداد عدد المستوطنين الى اكثر من 500 ألف مستوطن، أي زاد خمسة اضعاف.

ليس هذا فقط. ففي الماضي كانت هناك محاولة لتجميع معظم المستوطنين في كتل أو بمحاذاة الخط الاخضر من اجل أن يكون بالامكان ضمهم في المستقبل لاسرائيل، مع اجراء تعديلات صغيرة على الحدود وبدون المس بالتواصل الجغرافي لباقي المنطقة. في المقابل، بعد اتفاق اوسلو تم توزيع المستوطنات على طول وعرض يهودا والسامرة، بما في ذلك قريبا من التجمعات السكانية العربية وحتى داخلها. هذا مع معارضة خفيفة للحكومة أو حتى بتشجيعها الفعال، وكل ذلك بهدف احباط حل الدولتين. 

نتيجة لذلك، في حين أنه فورا بعد التوقيع على اتفاق اوسلو كان يمكن اقامة دولة فلسطينية منفصلة مع اخلاء كل المستوطنين الذين كانوا يسكنون في عمق الضفة واعادة رسم الحدود الشرقية لاسرائيل بصورة تبقي كل باقي المستوطنين – معظمهم في حينه – داخل حدود اسرائيل. هذه الاحتمالية لم تعد قائمة الآن. بكلمات اخرى، لم تعد هناك احتمالية سياسية وفعلية لاخلاء عدد كافي من المستوطنين بصورة تسمح باقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي. صحيح أن بعض المؤيدين المتشددين لحل الدولتين ما زالوا يقولون بأنه ما زال بالامكان اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل حتى بدون اخلاء المستوطنات. حسب رأيهم فانه يمكن القيام بذلك عن طريق انشاء حدود جديدة طويلة ومتعرجة، التي سترسل اصابع ضيقة وطويلة الى داخل يهودا والسامرة وتطوق عدد من المستوطنات. هذا سيتم من خلال خلق سلسلة من الجزر الاسرائيلية والفلسطينية خارج الحدود الجغرافية التي ستربط بالدولة الام لهما بواسطة شبكة انفاق وشوارع وجسور. ولكن هذه احلام لا يمكن تحقيقها. اتفاق بهذه الروحية لن يتم التوصل اليه، واذا تم التوصل اليها فلن يتم التوقيع عليه. واذا تم التوقيع عليه فلن تتم المصادقة عليه، واذا تمت المصادقة عليه فهو لن يتحقق، واذا تحقق فسرعان ما سينهار.

بصياغة اخرى، حلم الدولتين المنفصلتين وصل الى نهايته. 

اذا كان الامر هكذا فربما كان بيرس محق في الاعتقاد بأنه لا يمكن عزل اسرائيل عن يهودا والسامرة. لذلك، الحل الذي سعى اليه كان يقوم على التعاون الاسرائيلي الفلسطيني الوثيق، وليس على الانفصال عن الفلسطينيين بحسب رابين.

فعليا، الزعيمان كانا على حق، وهما اخطآ ايضا. رابين كان على حق في ادراكه بأن مصلحة اسرائيل الواضحة هي الانفصال عن الفلسطينيين. ولكنه اخطأ عندما اعتقد أن هذا الحل هو حل قابل للتحقق. بيرس اخطأ عندما اعتقد أنه يمكن حل النزاع عن طريق التعاون بين اسرائيل والفلسطينيين (نفس الافكار التي تبناها بنيامين نتنياهو ونفتاليبينيت بعد ذلك، والآن يسمونها “سلام اقتصادي”). ولكن بيرس كان على حق في فهمه أن العلاقة الوطيدة التي تربط بين اسرائيل والضفة غير قابلة للفصل.

بصيغة “نصف شاي ونصف قهوة”لليفياشكول فقد بقينا منفصلين عن الفلسطينيين عن طريق اسوار وجدران وايضا متعلقين بهم بعلاقة لا تنفصم عن طريق الاستيطان اليهودي. بدون حرب كارثية تقود الى هجرة شعوب مثل الحرب التي حدثت في الهند وباكستان في 1947 أو في اوساط القبارصة اليونانيين والاتراك في 1974، ربما حكم كما يبدو على الاسرائيليين والفلسطينيين أن يعيشوا هكذا الى الأبد، منفصلين، لكن متصلين. 

في هذه الظروف اذا امكن في يوم من الايام في المستقبل انهاء النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين عن طريق اتفاق فان الحل يجب أن يرتكز على اعتراف بالواقع الذي وجد وعلى استبدال حل الدولتين المنفصلتين بكونفيدرالية اسرائيلية – فلسطينية. هنا يجدر توضيح مفاهيم فيدرالية و”كونفيدرالية” والفرق بينهما. فيدرالية، مثل الولايات المتحدة، هي وضع فيه توجد دولة واحدة سيادية، مكونة من وحدات فرعية لها صلاحيات واسعة. الكونفيدرالية، مثل الاتحاد الاوروبي، هي وضع فيه يتواجد عدد من الدول التي لها سيادة مستقلة، لكن يوجد لها اطار اعلى ينقلون اليه جزء من سلطاتهم (مع ذلك هناك من يقولون بأنه يوجد للاتحاد الاوروبي ايضا عدد من مظاهر الفيدرالية). 

من المهم الاشارة الى أنه بعد حرب الايام الستة وفي الستينيات والسبعينيات تم الحديث كثيرا عن كونفيدرالية كحل للعلاقات بين الاردن والفلسطينيين. الملك حسين وياسر عرفات اجريا مفاوضات طويلة بهذا الشأن، لكنها لم تؤد الى اتفاق، حيث أن الملك حسين صمم على انشاء فيدرالية اردنية فلسطينية، في حين أن عرفات طالب بحل كونفيدرالي.

في هذا المقال نريد تطوير فكرة الكونفيدرالية كحل للعلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين. لسنا نحن أول من يطرح هذا، لكن يبدو أنه في السنوات الاخيرة تركز التفكير على حلول اخرى، مثل حل الدولتين المنفصلتين الذي يؤيده بصورة تقليدية اليسار الاسرائيلي، وحل الدولة الواحدة الذي كان في السابق متماهيا فقط مع اليمين، لكن في السنوات الاخيرة تم تبنيه ايضا من قبل شخصيات في اليسار مثل أ.بيهوشع ويهودا شنهاف واورن يفتحئيل. نحن نريد احياء حل الكونفيدرالية، كونفيدرالية بين اسرائيل وفلسطين، ولاحقا ربما ايضا بمشاركة الاردن. 

في العام 1975، عندما كنا ضباط صغار في قسم القانون الدولي في النيابة العسكرية، شاركنا في كتابة بحث وخطة مفصلة لانشاء فيدرالية اسرائيلية فلسطينية. التعليمات لاعداد هذه الخطة جاءت من مكتب وزير الدفاع في حينه، شمعون بيرس. حينها تساءلنا اذا كان الوزير تحول ليكون من اتباع الدولة ثنائية القومية أو أنه لا يدرك الفرق بين فيدرالية وكونفيدرالية، وأنه يقصد في الواقع كونفيدرالية اسرائيلية فلسطينية. على أي حال، بعد اكمال كتابة الخطة، بيرس لم يدفع قدما بهذا الموضوع، لكن في اعماقنا اقتنعنا بأن كونفيدرالية اسرائيلية فلسطينية هي الحل الصحيح والمطلوب لانهاء النزاع. الى جانب ذلك، ربما أنه في ذلك الحين، مثلما في فترة اتفاق اوسلو، فكر بيرس بمفاهيم اتحاد اسرائيلي فلسطيني وليس بمفاهيم فصل صلب بين اسرائيل وفلسطين.

في نهاية المطاف، العلاقة بين قسمي ارض اسرائيل – فلسطين هي متينة، وطوال مئات السنين، باستثناء الـ 17 سنة من الحكم الاردني، كانا وحدة سياسية وادارية واحدة. خزان المياه مشترك؛ شبكة الطرق مشتركة؛ العملة مشتركة؛ اتفاق باريس من العام 1994 أسس وجود اتحاد جمركي بين اسرائيل والمناطق؛ في يهودا والسامرة توجد اماكن مقدسة وتاريخية يهودية؛ فلسطينيون ويهود يعيشون على جانبي الخط الاخضر؛ ولا يقل عن ذلك اهمية، المصالح الامنية الاسرائيلية تقتضي استمرار تواجد الجيش الاسرائيلي في المناطق. حل النزاع على اساس تأسيس كونفيدرالية بين اسرائيل وفلسطين سيقود الى قيام دولتين سياديتين ترتبطان ببعضهما بمنظومة اتفاقات ومؤسسات مشتركة. هذا الحل سيمكن الجيش الاسرائيلي من مواصلة تواجده في دولة فلسطين منزوعة السلاح، لكن ليس كقوة احتلال، بل كنشاط عسكري في عهد السلام لواحدة من دولتي الكونفيدرالية، باسم الكونفيدرالية وبقوة اتفاق السلام الذي سيحدد ايضا نشاطات ومؤسسات مشتركة اخرى للكونفيدرالية. الشرطة الفلسطينية ستواصل العمل في فلسطين، من خلال تعاون مع الجيش الاسرائيلي وسيتم تعزيزها اكثر.

حل كونفيدرالي يمكنه أن يسهل ايضا حل مشكلة القدس. خلافا لحل الدولتين، القائم على تقسيم المدينة، فانه في الكونفيدرالية يمكن للقدس كلها أن تكون عاصمة الكونفيدرالية، أي العاصمة المشتركة للدولتين والتي فيها توجد مؤسسات الكونفيدرالية المشتركة، في الوقت الذي فيه اجزاء من المدينة ستكون عاصمة لاسرائيل واجزاء اخرى عاصمة لفلسطين.

الآن الى المشكلة الاصعب منها جميعا وهي المستوطنون. من الواضح أنه في اطار انشاء كونفيدرالية هناك مكان للسعي الى ضم المستوطنات القريبة من الخط الاخضر لاسرائيل. ولكن من اجل الحفاظ على المنطق الجغرافي لفلسطين فان عدد معين من المستوطنين سيضطر الى مواصلة السكن في اراضي فلسطين (في حالة أنهم اختاروا ذلك). هؤلاء المستوطنون سيواصلون كونهم مواطنين اسرائيليين، لكن مكان سكنهم سيكون دولة فلسطين. هذا بالضبط مثلما أن الفرنسيين، مثلا، يمكنهم الانتقال للسكن في ايطاليا لسنوات كثيرة في الوقت الذي يواصلون فيه أن يكونوا مواطنين فرنسيين.

في موازاة ذلك، بعض اللاجئين الفلسطينيين سيعودون الى اسرائيل (الفلسطينيون يحتاجون الى موافقة اسرائيل لعودة رمزية للاجئين الى اسرائيل من اجل ان يستطيعوا “اغلاق ملف حق العودة”)، والعدد الذي طرح منذ محادثات لوزان في 1949 هو حتى 100 الف، هؤلاء سيسكنون في اسرائيل لكنهم سيكونون مواطنين في فلسطين. أي لن يعطى لهم حق الانتخاب للكنيست، هؤلاء اللاجئون – العائدون سيكونون موازين للمستوطنين الذين سيبقون في اراضي فلسطين.

إن انشاء دولة ثنائية القومية سيكون عمل جنوني، وفي المقابل الانفصال الكامل هو أمر غير ممكن. الكونفيدرالية ليست الحل المدهش للقضية الاسرائيلية الفلسطينية؛ لا يوجد لدينا حل كهذا، ولكنها أقل الشرور. فهي تدمج الانفصال على صيغة رابين مع التعاون على صيغة بيرس. ولكن مثلما في سياقات كثيرة اخرى في هذا السياق ايضا حلول “وسط” مختلطة ومركبة هي مفضلة على حلول “متطرفة” لها بعد واحد وبسيطة. يحتمل أن يتم توجيه انتقاد لنا بأنه لا توجد احتمالية لأن يوافق الفلسطينيون أو اليمين في اسرائيل (الآن هو يشكل اغلبية الشعب) على خطتنا. للأسف، يبدو أن هذه هي الحقيقة، لكن نحن نعتقد أنه اذا تم التوصل في أي يوم الى اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين فهذا الاتفاق يجب أن تكون صورته هكذا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى