ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم نمرود الوني – العبرة التعليمية من وباء الترامبية

هآرتس – بقلم  نمرود الوني – 17/1/2021

العبرة من الترامبية تتمثل في تطوير جهاز التعليم بحيث يقوم باعداد الشباب ليصبحوا قادرين على تحمل المسؤولية عن حياتهم، وتزويدهم بالبنية الفكرية والثقافية التي بفضلها يمكنهم استخدام التكنولوجيا الرقمية وزيادة نضجهم الفكري والعاطفي بحيث يكونوا قادرين على تشخيص عوامل التدمير، ويطورون الحكمة المطلوبة للعيش بصورة تناسب الانسان والمجتمع والطبيعة  “.

في يوم الخميس، قبل لحظة من اغلاق الكورونا الثالث، بثت في الـ “سي.ان.ان” صور اقتحام مؤيدي ترامب للكونغرس. وبصورة موازية ظهر على شاشة الحاسوب الكثير من الاعلانات عن تدريبات للمعلمين بتجديدات رقمية، وبمبادرات اقتصادية وبمهارات القرن الواحد والعشرين.

ما هو الاكثر رمزية من ذلك. ما الذي يجسد أكثر من ذلك عمى رجال التعليم في البلاد وفي الخارج، الذين لم يستوعبوا دروس الرعب في القرن العشرين. ويتجاهلون الكوارث التي تنزل عليها في بداية القرن الواحد والعشرين، وبدلا من التركيز على تحصين الشباب ضد كاريزما زعماء معيبين، يواصلون الانشغال بـ “تعليم فعال” و”الاندماج في اقتصاد العولمة”.

وكأنه لم يكن هناك عبودية وكولونيالية وحشية وكارثة ومعسكرات تجميع وقتل شعب وتطهير عرقي، انظمة قمع شمولية واعمال اغتصاب جماعية، عنصرية عنيفة واستغلال اقتصادي، تمييز ضد النساء واقصاء الفقراء وتدمير الموارد الطبيعية – هم يعلمون “الكل كما هو معتاد، هم يختارون تجاهل الامر الضروري الاول مثلما صاغه البروفيسور تسفي ليم، أن نطور لدى الشباب النضوج الفكري والشعوري، الذي بفضله يمكنهم أن يواجهوا عوامل التدمير الموجودة داخلهم والموجودة في مجتمعهم”.

من اجل الوقوف على خيانة معظم المعلمين لهدفهم يجب البدء من ثلاث مقولات اساسية. الاولى، أن اخلاق المهنة لرجال التعليم تجبرهم على الاهتمام بالمقام الاول بسلامة الفتيان وتطورهم السوي واندماجهم في المجتمع. الثانية، أن شباب هذه الايام هم جيل معرض للخطر: اتجاهات الانحباس الحراري، انهيار الديمقراطيات، اتساع الشروخ الاجتماعية ودفع الثقافة الجدية الى الهامش، تشكل تهديد حقيقي على جودة حياتهم المستقبلية. الثالثة، الاعتراف والادراك بأن الاهوال الاكبر لم تكن نتاج للتوفير في الموارد الاقتصادية أو التكنولوجية، بل نتاج لرؤى مشوهة، قيم ظالمة، زعماء مجانين وفاسدين، الذين بكاريزما مثيرة للاعجاب يلحقون أشد الاوبئة ببني البشر.  دونالد ترامب ليس الوحيد في صنف الزعماء المفسدين للثقافة والذين يجلبون الدمار لبني البشر. ولكنه بالتأكيد بارز، سواء بسبب قوة النرجسية، الشر، الحقد والخداع، التي تتجسد فيه. ولأنه خلافا لزعماء ديكتاتوريين ومستبدين، يفرضون انفسهم على الجمهور، فان ترامب انتخب بانتخابات حرة. يجب القول بلغة مباشرة وبدون وجل: الذين انتخبوا ترامب وزعماء مثله هم اغبياء وبدون مسؤولية مدنية.

الحديث هنا لا يدور عن رؤى مختلف عليها، بل عن زعماء يعتبرون ابطال في السيطرة على آخرين، وغير قادرين على السيطرة على انفسهم. زعماء ليس لديهم أي موانع اخلاقية أو اتساق عقلي، واشخاص يضعون انفسهم فوق القانون ويسمحون لانفسهم بسحق واهانة واحتقار وتدمير كل انسان، منظمة، قانون أو معيار، في الطريق الى زيادة ارباحهم وتعظيم انفسهم واشباع غرائزهم الشخصية. بعد كل ما مر على الانسانية فان اختيار اشخاص مثل هؤلاء عن طيب خاطر، هذا تشويش فكري وعمى. هذه هي الظاهرة التي تطرق اليها سبينوزا عندما كتب عن اولئك “الذين يحاربون من اجل عبوديتهم وكأنها كانت خلاصهم. ومن اجل أن يعتبر ذلك شرف سام وليس عار، وأن يضحوا بدمائهم وارواحهم من اجل تبجح شخص واحد”.

الظاهرة المتكررة لجمهور يضع فوقه وبارادته زعماء يلحقون بالجمهور انواع مختلفة من الاوبئة السياسية، هي بدرجة كبيرة تشكل الفشل الاكبر في جهاز التعليم. بدلا من تبني روح الانبياء والفلاسفة والعلماء والكتاب الكبار، وتحدي الشباب بثقافة متطلبة وعالية الجودة، يختارون في التعليم الممأسس التصرف كموظفي تعليم، وخدمة وزراء التعليم وتعميمات المدراء العامين، واعداد الشباب للعمل مثل براغي فعالة في الشركات العالمية وفي الآلات المعطلة لدولهم.

اذا اردتم اصلاح العالم وتغيير اجتماعي، اذا اردتم الخروج من المغارة والتحرر من المصفوفة، يجب على رجال التعليم أن يقفوا مثل قيادة فكرية وقيمية ايضا ضد التيار وتعزيز الشباب بالمشاعر والتبصر وقدرات بفضلها يصبحون مسؤولين عن حياتهم. هذه عمليات التعليم النقدي لباولو فرايرا التي تساعد الجميع في عمليات الانسنة؛ والتي تثري البنية التحتية التعليمية والثقافية التي يمكن للجميع من خلالها المناقشة في نقاش ذكي ومتساوي حول “انماط التعامل الصحيح مع الانسان والطبيعة”، حسب تعبير جون ديوي؛ هذا تعليم يمكنه استخدام التكنولوجيا الرقمية، لكن قوته الحقيقية تكمن في الاعداد للانسانية: من اجل النضج العاطفي والفكري، الذي من خلاله يتم تحديد اسباب التدمير وتطوير الحكمة المطلوبة لادارة حياة ذات جودة مناسبة للانسان والمجتمع والطبيعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى