ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ميخائيل سفارد – هل نحن نرتكب جرائم حرب حقا؟

هآرتس – بقلم  ميخائيل سفارد– 10/3/2021

مرت عشرة ايام على اعلان المدعية العامة، بنسودا، عن فتح التحقيق. ولكن لم يتم اجراء أي نقاش في الصحف حول الامور الهامة حقا، مثل هل نحن نقوم بارتكاب جرائم حرب. والمشكلة ليست خمسة عقود ونصف من الاحتلال الوحشي الذي اضطهد ملايين الاشخاص وخلق نظام فصل عنصري مشين، بل المشكلة هي أن المدعية هي امرأة افريقية غير مشينة “.

مرت عشرة ايام على اعلان المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، باتو بنسودا، عن بدء التحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب في فلسطين، والادانات توحد تقريبا كل المجتمع الاسرائيلي، بدءا من “منعة يهودية” في اليمين وحتى منتصف ميرتس في اليسار، تقريبا مثل الائتلاف الذي أيد عملية “الجرف الصامد”، التي هي جزء من موضوع التحقيقات. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال إن قرار المدعية العامة هو قرار لاسامي. ورئيسة حزب العمل، ميراف ميخائيلي، قالت إن الامر يتعلق بقرار مشوه. وتقريبا جميع السياسيين يتراوحون بين ادانات شديدة للقرار، “منحاز وتحركه دوافع سياسية”، واعلان حرب على المدعية من غامبيا. أجزاء في القائمة المشتركة هم الوحيدون الذين باركوا القرار. هذه اقلية تشكل جزء صغير، وبمعان مختلفة هي تقع خارج جدار سياسة اسرائيل.

في واقع سياسي كهذا، واقع اجماع لا يوجد فيه بالفعل أي معارضة، فان الموقف المقبول يحمل في ثناياه عيب ولادة خطير وقاتل. لأن نقاش جماهيري بحضور طرف واحد هو نقاش سطحي بالضرورة ويعرض المشاركين فيه الى الأخطاء والتضليل في الوقائع، التي لن يصححها أي أحد. الآراء والمواقف السياسية والقيمية يتم صقلها وبلورتها وتحديثها في عملية تصادم واحتكاك مع المواقف المتناقضة. فقط في نقاش عميق حول المواقف المختلفة يتم الكشف عن اخطاء وتناقضات ونقاط ضعف كل طرف. لذلك، هذا شرط ضروري (حتى لو لم يكن كافيا) من اجل اتخاذ قرار جماعي وذكي ونوعي. عندما يختفي الحوار فانه لا يمكن للموقف التوافقي أن يدعي بأنه اكثر معقولية ومنطقية. هو ببساطة مجرد بديهية.

لذلك، عندما لا يوجد أي نقاش حقيقي في النظام السياسي مثلما يحدث في قضية لاهاي فان الجمهور يكون متعلق بوسائل الاعلام التي توفر له خلفية ووقائع دقيقة وتمنح المنبر للاصوات الانتقادية التي تختلف مع الاجماع. هي لم تفعل ذلك في عملية “الجرف الصامد” ولا تفعل ذلك الآن في قضية لاهاي.

لقد كان لوسائل الاعلام الاسرائيلية ست سنوات الى حين انضمام فلسطين للمحكمة، من اجل أن تضع خبراء يقدمون للجمهور معلومات راسخة وموثوقة حول هذه المؤسسة، لكنها لم تفعل ذلك، ولم تجلس في أي ستوديو محللة قانونية تعرف ما هي المحكمة وما هي صلاحياتها وما هو سجلها وما هو السياق السياسي الذي تعمل فيه، محللة تعرف احكام المحكمة وقضاتها، وبالاساس تعرف العملية التي أدت الى اتخاذ قرار التحقيق مع اسرائيليين وفلسطينيين (حقيقة أن التحقيقات ستركز ايضا على جرائم الفلسطينيين شطبت كليا من التقارير).

رجال القانون الوحيدون الذين اجريت المقابلات معهم هم موظفو وزارة الخارجية السابقين أو محللون محليون لشؤون كل شيء. هكذا، مرت بسلام تصريحات لا يوجد لها أي اساس مثل اقوال شموئيل روزنر في “كان 11″، “هذا ليس حدث قانوني على الاطلاق، هذا حدث جميعه سياسي وسياسة”. ولم يكلف أي أحد في الاستوديو نفسه عناء أن يشرح له ما هو القانون الدولي وكيف يتم تحديد الجرائم التي هي من اختصاص المحكمة وما هي الاعتبارات لفتح تحقيق وما هي الاجراءات التي تقود الى قرار كهذا. أو اقوال ايالا حسون بأن “المحكمة منشغلة بالاساس باسرائيل وليس بأماكن اخرى”. المتحدثة ليس لديها أي فكرة عن عدد الملفات التي تمت مناقشتها في المحكمة منذ تشكيلها، ومن أي دول جاء المتهمون والمشبوهون، وأي تحقيقات يتم اجراءها فيها الآن. أنا لا أعرف من أين جاءتها الجرأة للتحدث عن أمر لا توجد لديها أي معلومات واقعية عنه. ولكن الاكثر اهمية هو لماذا لا يوجد في الاستوديو من يقوم بتصحيح الاخطاء. حتى صور المحكمة في تقارير عن القرار كان في معظمها من المحكمة غير الصحيحة، محكمة العدل العليا التي هي ايضا مقرها في لاهاي.

ولكن غياب الوقائع هو المشكلة الصغيرة هنا. مرت عشرة أيام على فتح التحقيقات، ولم يكن هناك حتى جلسة نقاش واحدة في الصحف المكتوبة أو المبثوثة حول الاسئلة الهامة حقا، مثل هل نحن نقوم بارتكاب جرائم؟ لماذا يعتبر بناء المستوطنات جريمة؟ هل يوجد لنا حقا جهاز قضاء يحقق كما يبدو في اتهامات من هذا النوع؟ الاصوات التي يتم سماعها موحدة، وليس غريبا أن المشاهدة العادية لا تعرف كيف أنه يوجد في العالم كثيرون يفكرون بطريقة مختلفة، أن قرار فتح التحقيق هو قرار موضوعي ومهني ومحتم. الفشل الاعلامي يحول اتهامات نتنياهو التي لا اساس لها الى التفسير الوحيد المعروض على الجمهور.

في العام 1998 نشرت لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب افريقيا تقريرها الاجمالي. السؤال الذي كان في مركز تحقيقها هو كيف حدث أن اشخاص كثيرين، من خلفيات اجتماعية ومهنية متنوعة، لم يثوروا ضد نظام الابرتهايد. ضمن امور اخرى حققت اللجنة في مسؤولية الاعلام في الدولة. “باستثناء بعض الحالات القليلة الشاذة التي تستحق الاشارة، فان صحف التيار العام وهيئة الاذاعة الرسمية في جنوب افريقيا فشلت في الابلاغ بشكل مناسب عن خروقات خطيرة في حقوق الانسان. بذلك هم ساعدوا على الحفاظ وعلى اطالة فترة وجود نظام الابرتهايد”، كتبت اللجنة.

هذه الاقوال دوى صداها في رأسي عندما سمعت في الاسبوع الماضي رئيس قسم الشؤون الخارجية في “اخبار 12″، عراد نير، وهو يقتبس جهات حكومية اسرائيلية تدعم التغييرات المتوقعة في مكتب المدعية العامة للمحكمة: “المدعي العام الجديد، كاريم خان، هو بريطاني مهذب، قالوا لي، والتقدير هو أنه سيكون عقلاني ومستقل أكثر من السيدة”. لا يوجد أحد يمكنه أن يجيب على هذا الادعاء الذي له نكهة عنصرية ويقول: حقا؟ المشكلة ليست خمسة عقود ونصف من الاحتلال الوحشي الذي اضطهد ملايين الاشخاص وخلق نظام فصل عنصري مشين، بل المشكلة هي أن المدعية هي امرأة افريقية غير مشينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى