ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  ميخائيل سفارد – هدف اسرائيل هو تصفية المحكمة الاولى التي شكلتها الانسانية

هآرتس – بقلم  ميخائيل سفارد – 8/2/2021

” يصعب على الجمهور الاسرائيلي سماع أن اسرائيل تقوم بارتكاب الجرائم. ولكن اسرائيل معروفة في العالم كمرتكبة لجرائم تسلسلية. وقرار محكمة الجنايات الدولية بدء التحقيق مع اسرائيل سيمنعها من ارتكاب جرائم حرب اخرى “.

       بصفتها داعمة ثابتة لمبدأ محكمة الجنايات الدولية في لاهاي… حكومة اسرائيل تتفاخر بالتعبير عن اعترافها بأهمية وضرورة وجود محكمة تقوم بتنفيذ تطبيق ناجع لسلطة القانون، وتمنع الحصانة عن “مجرمين دوليين”. كاحدى المبادرات الى فكرة محكمة الجنايات الدولية، فان اسرائيل من خلال المدعين العامين والسياسيين الكبار فيها كانت نشيطة منذ الخمسينيات في جميع مراحل تشكيل هذه المحكمة. ممثلوها، وهم يحملون في قلوبهم وعقولهم الجماعية، واحيانا الشخصية، ذكريات الكارثة، وهي الجريمة الكبرى والاكثر اثارة للاشمئزاز، التي تم تنفيذها في التاريخ الانساني، ساهموا بحماس وبجدية في كل مراحل اعداد دستور المحكمة.

       القلائل يعرفون ذلك، لكن في اليوم الاخير من العام 2000 وقعت اسرائيل على ميثاق روما الذي يعتبر دستور محكمة الجنايات الدولية. الاقتباس السابق تم أخذه من بيان اسرائيل اثناء التوقيع. مثل الولايات المتحدة التي وقعت ايضا في نفس اليوم (لذلك نحن قمنا بالتوقيع)، اعلنت اسرائيل فيما بعد بأنها لن تصادق على الدستور، لذلك هي لم تصبح عضوة في المحكمة. وقد استغرق الامر خمسين سنة الى أن نجح المجتمع الدولي في تشكيل هيئة قضائية ثابتة ودولية، التي ستقوم بالحكم على اشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم عدائية، وارتكاب أم الجرائم، ابادة شعب. منذ العام 1948 عند طرح الفكرة لاول مرة في قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة وحتى العام 1998، عندما تم طرح ميثاق روما للتوقيع كانت اسرائيل تطمح الى الوقوف على رأس الدافعين لها والمؤيدين لتشكيلها. في روح ممثلي اكبر الضحايا فان ممثلي اسرائيل تفاخروا في النقاشات بتمثيل الضمير والاخلاق، اللذين فقط المتضررون من التمييز والاضطهاد والمذابح والتدمير مثلنا، يمكنهم ويحق لهم تمثيلهما.

       هكذا كان الامر، لكنه لم يستمر. في السنوات الاخيرة تجاوزت اسرائيل الخطوط وتسلحت بشكل جيد قبيل حرب غير تقليدية ضد جسم أيدت تشكيله في السابق. في الاسابيع والاشهر القريبة القادمة تنوي الحكومة اخراج الى حيز التنفيذ خطتها، الامر العسكري نحو هدف طموح: تصفية محكمة الجنايات الدولية الاولى التي شكلتها الانسانية.

       من اجل معرفة كم هو حقيقي وكبير هذا الخطر الذي تتعرض له المحكمة، يجب معرفة الى أي زاوية ادخلها الملف الفلسطيني. المحكمة بدأت نشاطها في 2002، يوجد فيها اكثر من 120 دولة عضوة، التي في معظمها من العالم النامي (ما تمت تسميته في السابق العالم الثالث). ولأن ثلاث دول عظمى هي الولايات المتحدة والصين وروسيا غير عضوة فيها، بل ومعادية لها، فان القوة السياسية والتمويلية جاءت من دول غرب اوروبا، التي جميعها هي اعضاء فيها وتعتبر تشكيلها تجسيد لأحد الدروس المهمة للحرب العالمية الثانية: ترسيخ المحظورات الاكثر اساسية التي تبنتها البشرية كعبرة من تاريخ الحروب، وبالاساس من فظائع الحرب العالمية الثانية وضمان أن من ارتكبوا الجرائم لن يتهربوا من القانون. منذ تشكيلها قدمت في المحكمة لوائح اتهام لتسع دول، جميعها دول افريقية. مكتب المدعية العامة الاولى أجرى تحقيقات بشأن 13 نزاع، 10 منها في افريقيا و3 في افغانستان وجورجيا وميانمار. هذا الاحصاء يفسر الانتقاد الشديد جدا الذي وجه في السنوات الاخيرة للمحكمة: رغم أنها محكمة دولية يمكنها أن تحقق مع وتحاكم مجرمين في كل العالم، إلا أنها فعليا تحولت الى محكمة لجرائم الافارقة، وأنها تسري على الضعفاء سياسيا، وهناك من يتشددون ويقولون بأنه نظرا لأن دول غربية ايضا تنفذ جرائم، لكن لا تتم محاكمتها في المحكمة، فان الامر يتعلق بذراع كولونيالية امبريالية اخرى للغرب. مرة اخرى الابيض يعلم البني والاسود.

       هذا الانتقاد اوجد خطر حقيقي على المحكمة. دول كثيرة في افريقيا هددت بالغاء التوقيع. ودولة جنوب افريقيا، الدولة التي لها تاريخ يضعها كرمز اخلاقي، قررت الانسحاب من المحكمة، وهو قرار تم تجميده في هذه الاثناء، لكن عضويتها فيها غير مستقرة على الاطلاق.

       بناء على ذلك، طلب المدعية العامة الاولى من قضاة المحكمة للتقرير بأنه يوجد لها صلاحية لمناقشة الاشتباه بارتكاب جرائم تم تنفيذها في اطار النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، وضع المحكمة امام معضلة شديدة. من جهة، رفض الطلب سيؤكد الشبهة وسيزيد الانتقاد في أن المحكمة تخشى مواجهة دولة غربية، وأنها تفضل التركيز على المجرمين من دول ضعيفة سياسيا وعسكريا واقتصاديا. والجمهور الاسرائيلي يصعب عليه سماع ذلك، لكن اسرائيل معروفة في العالم كمنفذة جرائم تسلسلية: بناء المستوطنات، الهجمات عديمة التوازن على قطاع غزة كل بضع سنوات، التي آلاف المدنيين قتلوا فيها، ونظام الابرتهايد الواضح الذي أوجدته. من جهة، الهرب من التحقيق مع الاسرائيليين يمكن أن يقود الى موجة انسحابات من المحكمة، موجة تعرض اساس وجودها. ومن جهة اخرى، البدء في التحقيق مع الاسرائيليين سيقود المحكمة ايضا بشكل مباشر الى شفا الهاوية. اسرائيل هي من الدول القوية جدا سياسيا في العالم، وهي لا تخجل من شن حرب على القانون الدولي ولا تأخذ أسرى.

       من الواضح أنه في القريب ستستخدم اسرائيل ضغط غير مسبوق على دول في غرب اوروبا من اجل تهديدهم بالانسحاب. هل دولة مثل المانيا، مع كل الحساسية التاريخية، ستصمت امام هذا الضغط؟ هل سياسيا هي تستطيع تسليم اسرائيليين – يهود ستصدر ضدهم أوامر اعتقال؟ لأنه لا توجد امكانية لتكون عضوة في المحكمة ولا تنفذ الاوامر التي يصدرها القضاة فيها. إن انسحاب دول غربية من المحكمة سيؤدي ايضا الى نهايتها.

       تصعب رؤية كيف سيتم حل هذه المعضلة. والمؤكد هو أنه الآن وفي المستقبل القريب يوجد للفلسطينيين، للمرة الاولى في تاريخهم، ورقة تخيف جدا اسرائيل. على سبيل المثال الخان الاحمر، اذا كانت اسرائيل تريد أن تساعدها كل من المانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول، فان الحد الادنى الذي ستطلبه منها، على الاقل في هذه الاثناء، هو عدم تنفيذ المزيد من جرائم الحرب. لذلك، اخلاء الخان الاحمر يبدو أبعد من أي وقت مضى. احيانا، فقط احيانا، القضاء هو حقا أداة الضعفاء.

       لحكومة اسرائيل، التي في هذه الاثناء استخدمت غرف حربها في مكتب رئيس الحكومة وفي وزارة الخارجية وبالتأكيد في الموساد، يجدر القول، من اقتباس مقولة منسوبة للمحامي المتوفى امنون غولدنبرغ، بأنه ردا على سؤال زبون ما الذي سيقوله في شهادته أجاب بأن الحقيقة تكون احيانا هي الخيار. وهكذا، احيانا عدم ارتكاب جرائم حرب هو ايضا خيار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى