ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم عودة بشارات – الأم تيريزا على دبابة في جنين

هآرتس – بقلم  عودة بشارات – 18/1/2021

من يسمون محمد بكري بـ “قذارة تختفي تحت المواطنة الاسرائيلية” فانهم، وبشعور التفوق القومي المحفور في أعماقهم، سيبقون منغلقين ولن يفهموا ما الذي قاموا بارتكابه “.

نسيم مغناجي، الذي قدم دعوى ضد محمد بكري، مخرج فيلم “جنين جنين”، قال في ملحق “يديعوت احرونوت”: “عندما فحصت قبل المحاكمة من شاهد الفيلم لدينا في اللواء، اكتشفت أن لا أحد شاهده. كل من اعرفهم ارادوا الابتعاد ونسيان ذلك”. هذا مهم، لكن الشاويش (احتياط) يسرائيل كسبي الذي كان هناك قال: “لقد حاربنا مثل الأم تيريزا، الممرضة الرحيمة”. اذا كانت الامور هكذا فيمكن أن نتوقع بأن كل جندي من جنود اللواء سيذهب لزيارة من قدموا لهم علاج الأخت الرحيمة”. ولكن عميقا في الداخل الجميع يعرفون أنه حدث هناك أمر فظيع، من الافضل الصمت عليه.

قبل مناقشة ما حدث نقول إن مخيم جنين للاجئين أقيم في العام 1953، وأن معظم السكان فيه هم من اللاجئين من منطقة الكرمل في حيفا. واثناء احتلال المخيم في العام 2002 كان يعيش فيه 15 ألف لاجيء في ظروف قاسية، على مساحة 473 دونم، وكان يوجد لهم حلم التخلي عن هذه المكانة المؤلمة، مكانة اللاجيء.

أنا اسأل ليس بصفتي فلسطيني أو يهودي، بل بصفتي انسان: ما الذي سيفعله جندي عندما يقف امام مخيم محاصر وفي حوزته أحدث سلاح في العالم، وهدفه أن يقوم باخضاع اشخاص بائسين قرروا عدم رفع الراية البيضاء، وأن لا يضيفوا لبنة اخرى الى المأساة المتواصلة منذ العام 1948؟.

قبل فترة قصيرة كان يوجد جواب. هيلل رابين، وهي شابة يهودية، قررت أن لا تغرق في وحل الاحتلال. ما الذي يدعوها لتكون هناك، في الوقت الذي فيه اصدقاءها كانوا ينوون القيام بأفعال نهايتها القتل والدمار؟ شخص عقلاني، وليس فقط اخلاقي، سيقول لنفسه: ابتعد عن ذلك، لا تكون بطل على ضعفاء. حتى الأم تيريزا لو جاءت على ظهر دبابة، لا تكون حتى مثلها. لأن الأم تيريزا الحقيقية جاءت واحدى يديها تمسح الدموع واليد الاخرى تقدم المساعدة.

ثقافة الاحتلال خلقت جنود يريدون خلق تسونامي من الدمار والخروج منه بدون أي ذرة غبار. هذا الطموح موجود منذ سنوات كثيرة، منذ جيل العام 1948 المبجل، والذي يتبين الآن أنه كان جيل من السارقين. إن تزيين الضمير يثير الشفقة. الجنود الذين ارادوا تنظيف انفسهم مما نسبه اليهم كيدي كاتس في دراسته الاكاديمية، نسوا أن يشرحوا كيف أنهم، برعاية سلاحهم الطاهر، قاموا بطرد سكان قرية الطنطورة. والمهم هنا، حتى لو لم تكن هناك مذبحة، هو أنهم ارسلوا هؤلاء المساكين الى اماكن الذبح. الكاتبة المصرية، رضوى عاشور تحدثت عن عدد من ابناء قرية الطنطورة الذين قتلوا في مخيمات اللاجئين صبرا وشاتيلا.

في مخيم جنين قتل فقط 52 شخص من بين الـ 15 ألف لاجيء. وبالتناسب مع قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه المليونين فان هذا العدد يصل الى 7 آلاف قتيل. في المقابل، بواسطة الجرافات تم هدم حي كامل. ايضا 23 جندي اسرائيلي قتلوا على ارض غريبة، شباب، كان ينتظرهم مستقبل آخر بعيد عن الموت. وقد توقعت أن يقوم هؤلاء القادة باجراء حساب للنفس وأن يسألوا أنفسهم لماذا في الاصل كانوا هناك، على ارض ليست لهم؟ لو أنني كنت في مكانهم لكنت قمت بتحليل اربع دقائق في الفيلم، التي ظهر فيها عجوز مصدوم من القتل والدمار، ويتحدث عما شاهده وعما سمعه، حيث أنه بطبيعة الحال وازاء الصدمة فان الامور تميل الى المبالغة. اذا كانت المشكلة هي الأربع دقائق فقط، فان الخمسين دقيقة الاخرى في الفيلم هي حقيقية تماما.

ولكن لا يوجد أي احتمال لأن يقوم هؤلاء القادة بمحاسبة للنفس. فمن يسمون محمد بكري بـ “قذارة تختفي تحت المواطنة الاسرائيلية” فانهم، وبشعور التفوق القومي المحفور في أعماقهم، سيبقون منغلقين ولن يفهموا ما الذي قاموا بارتكابه، حتى لو شطبنا الاربع دقائق في الفيلم.

ايضا بعد الفوز في المحكمة، هؤلاء القادة لا يمكنهم التفاخر والقول بأنهم كانوا هناك في الساعة الصعبة لمخيم ينزف الدماء. وفي المقابل، بكري يمكنه أن يروي لاحفاده بأنه في لحظة الحقيقة كان يتحدث باسم ضحايا الصدمة الذين لم يكن بامكانهم التحدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى