ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم عميره هاس – ليس لهم هويات، هم ليسوا سكانا في وطنهم ، فلسطينيون عديمو المكانة يتحدثون

هآرتس – بقلم  عميره هاس  – 28/7/2021

” يوجد الكثير من الاشخاص الذين يعيشون في الضفة منذ عشرات السنين ولكنه ليس لهم هويات. وبعضهم لم يخرجوا من القرية منذ عشر سنوات خوفا من الاعتقال أو الطرد، وهو الامر الذي يسري على أولادهم “.

مرة كل اسبوعين أو ثلاثة اسابيع يلتقون في اعتصام احتجاج ويطالبون بحل لوضعهم الكفكاوي (غير المعقول): معظمهم فلسطينيون ولدوا وعاشوا في الاردن وهم الآن يعيشون مع عائلاتهم في الضفة الغربية. ولكنهم عديمو المكانة، لذلك هم ليس لهم هويات فلسطينية. اسرائيل تعتبرهم “مقيمين غير قانونيين”، منذ سبعة اشهر واعضاء هذه الحركة التي قاموا بتأسيسها يتظاهرون امام الهيئة الفلسطينية للشؤون المدنية في البيرة. صحيح أنه توجد لاسرائيل فقط صلاحية منحهم هويات فلسطينية، لكنهم يأملون أن تعمل السلطة على تحقيق حقوقهم في لم شمل العائلات.

ذات مرة القى جنود حرس الحدود القبض على محمد الجرف في القدس. “نعم، لقد تعودت على العمل في اسرائيل”، قال في رد على نظرتي المندهشة. “ما هو الخيار اذا كنت تريد العيش واقامة عائلة؟ لقد تعودت على الدخول مثلما يدخل عمال آخرون بدون تصريح، لكن أنا فقط لم تكن لي هوية”. كل اعضاء حركة “لم شمل العائلة من حقي” الذين يعيشون منذ سنوات طويلة في الضفة الغربية، لا توجد لهم هويات فلسطينية. الجرف ليس له هوية.

الجرف ولد في عمان قبل اربعين سنة في عمان لوالدين من سكان مخيم عسكر للاجئين في شرق نابلس. والذين هم في الاصل من القرية المدمرة الخيرية. وقد تعودوا على السفر بين حين وآخر لكسب الرزق بين الاردن والضفة الغربية. عندما كان عمره خمس سنوات عادوا معه ومع اخوته واخواته الى مخيم اللاجئين وهناك ترعرعوا.

لاسباب كثيرة والده لم يسجله على الفور في سجلات الادارة المدنية. عند ضابط القيادة الداخلية (فرع لوزارة الداخلية الاسرائيلية)، كان كل تسجيل بأثر رجعي للولد يكلف 21 دينار، يتذكر الجرف. “هذا مبلغ لم يكن يتوفر للأب”. الأب قام بتأجيل الموضوع (“أنا أتذكر والدتي وهي تتوسل اليه كي يسجلنا. وهو كان يقول لها: قريبا”). بعد ذلك اندلعت الانتفاضة الاولى التي شوشت على كل الاجراءات البيروقراطية العادية. 

عندما كان عمره 16 سنة تم اقامة السلطة الفلسطينية والجرف ذهب للتسجيل في وزارة الداخلية الفلسطينية من اجل الحصول على الهوية. هناك قال له الموظفون الفلسطينيون بأنه قد تأخر. لو أنه جاء قبل جيل 16 لكانوا سجلوه كابن لوالديه. والآن اوضحوا له بأن يجب على والديه تقديم طلب “لم شمل مع العائلة”، وهذا الطلب سيتم تحويله للحصول على المصادقة من الطرف الاسرائيلي (منسق الداخلية في الادارة المدنية)، الذي بقيت له صلاحية منح مكانة مواطنة فلسطينية.

لقد تم تقديم الطلب في 1998 ومنذ ذلك الحين لم يحدث أي شيء. في العام 2000 عند اندلاع الانتفاضة الثانية اوقفت اسرائيل عملية لم شمل العائلات، التي التزمت بها في اتفاقات اوسلو. وفي العام 2008 قامت ببادرة حسن نية لمرة واحدة لرئيس السلطة محمود عباس وصادقت على اعطاء المواطنة لـ 32 ألف شخص، الذين قدموا في السابق طلبات للم شمل العائلات. الجرف لم يكن ضمن بادرة حسن النية هذه. وقد فحص عن السبب. وللدهشة اكتشف أن طلب والديه لم يتم تحويله كما هو مطلوب من المكتب الفلسطيني في نابلس الى ممثلية الادارة المدنية الاسرائيلية. 

كل هذه القصة الطويلة والمعقدة كان عليه أن يرويها لجنود حرس الحدود الذين القوا القبض عليه في القدس في 2009. “الشرطي الموجود في السيارة العسكرية فتش في الحاسوب ولم يجد أي رقم هوية يعطيه لي”، قال الجرف. “أنت غير موجود، قال لي وهو مشوش وأطلق سراحي”. في العام 2004 قال له موظف في مكتب الترخيص الفلسطيني نفس الاقوال بالضبط: أنت غير موجود، عندما طلب استخراج رخصة قيادة دراجة نارية. ولكن الجرف كانت له تجربة في اقناع الموظفين لفعل غير الممكن من ناحية بيروقراطية. وقد استخدم كل مهارته في الاقناع من اجل التسجيل في الجامعة بدون رقم هوية. ولكن في نهاية المطاف ترك الجامعة لأنه لم يتمكن من الدفع وعاد الى العمل في الصيانة والكهرباء، التي تعلمها منذ سن صغيرة عندما كان يرافق والده الذي يعمل في الكهرباء اثناء عمله في اسرائيل.

وقد عمل الجرف ايضا بصورة شاقة لاقناع موظفي المحكمة الشرعية بعقد قرانه على زوجته هبة. وفي المدرسة التي يتعلم فيها اولاده الثلاثة يجب عليها أن تشرح لموظفي السكرتاريا بأن عليهم الاكتفاء برقم هويتها. لأنه لا يوجد لزوجها رقم هوية. ايضا في قيادة السيارة استعان بها. وقد كتب في رخصة قيادته بأنه مسموح له القيادة فقط في مناطق أ. لذلك، زوجته هي التي تقود عندما يذهبون من جيب نابلس الى المظاهرة الثابتة في البيرة. 

منذ فترة غير بعيدة انتقلوا الى الشقة التي اشتروها في حي رفيديا في نابلس. ولكن في ظل غياب الهوية فانهم في البلدية ما زالوا يرفضون تسجيل الشقة باسمه. وهو الامر الذي يغضب الجرف بشكل خاص لأنه “خلال سبع سنوات دفعت من اجل شراء هذه الشقة. اموالي التي حصلت عليها من عملي المزدوج قمتم بأخذها، لكن تسجيلي كصاحب للشقة أنتم غير مستعدين له؟”. في يوم الاحد الماضي دخلت هناء شعبان للمرة الاولى في حياتهم الى رام الله، رغم أنها تعيش في قرية الجلمة في شمال الضفة، على بعد ساعتين سفر من هناك. فقط الوقفة الاحتجاجية الثابتة امام هيئة الشؤون المدنية ساعدتها هي وزوجها مهنا في التغلب على الخوف من الحواجز والسفر معا من اجل التظاهر. 

لقد تعرفا على بعضهما في الاردن حيث كان شعبان يدرس هناك تصميم الازياء وهي كانت تدرس مساعدة صيدلية. والداها غادرا قرية الجلمة قبل العام 1967. لذلك، اسرائيل حرمتهم من مكانة المواطنة. في العام 1999 بعد زواجهما قدم مهنا طلب للم شمل العائلات. وقد اعتقدا أن العملية ستستغرق بضعة اشهر، وعلى الاكثر سنة، الى أن يتم الرد على الطلب، وأن تتمكن من الانتقال من عمان الى جنين. في هذه الاثناء خاب أمله عندما اكتشف أن محلات الخياطة المحلية في جنين تكتفي بنسخ التصاميم ولا تعمل على تصاميم اصلية. وفهم أنه يجب عليه تغيير مهنته. وقد قبل للعمل في الشرطة الفلسطينية في قسم التحقيقات. الاشهر مرت، وبعد ذلك السنين، وزوجته واولادهم الكبار استمرا في العيش في عمان؛ اندلعت الانتفاضة الثانية، وليس فقط طلبات لم شمل العائلات لم تتم معالجتها، بل أوقفت اسرائيل ايضا الزيارات من الاردن (التي تتم على اساس طلب تصريح للزيارة يقدمه أحد سكان المناطق). خلال 11 سنة كان على خط عمان – جنين.

هناء (41 سنة) حصلت على تصريح زيارة فقط في العام 2011. وقد جاءت ومنذ ذلك الحين وهي لم تخرج من جنين حتى يوم الاحد الماضي. “مرة واحدة خرجت”، قالت. “عندما مرضت ابنتي الصغيرة قمنا بالسفر الى مستشفى في نابلس في سيارة الاسعاف”. بدون هوية هي لا تستطيع ايجاد عمل في القطاع العام. “ربما يمكنني العمل في مشاريع خاصة، لكن حينها ليس كل مكونات الاجر مضمونة”، قالت. في الـ 12 سنة التي عاشتها مع عائلتها في الاردن كامرأة متزوجة ولها اولاد كانت تخشى من وضع خطط والالتزام والعمل في أي مكان أو التسجيل لمواصلة التعليم حتى لا تحصل على تصريح زيارة أو مصادقة على لم شمل العائلات وتضطر على الفور للمغادرة. “الآن حيث أوجد في سجن كبير أعرف أنني اخطأت لأنني لم استغل الوقت بصورة افضل”، قالت بحزن. “لكن كيف كان يمكنني أن اعرف ذلك؟”.

هند المصري (26 سنة)، هي طباخة تكسب الرزق من تعليم فن الطبخ للاولاد وكبار السن. “عندما يكون علي التوقيع على عقد عمل فان شخص آخر يوقع عليه ويتسلم الشيك باسمه، وبعد ذلك يضع المال من اجلي في البنك”، قالت. “إما يعطوني شيك بدون اسم أو يتدبرون الامر بدون عقد خطي”. أي أنه في هذا المجال الناس يظهرون المرونة من اجل ملاءمة انفسهم مع الوضع: عدم وجود هوية.

“نحن لا نريد أي شيء مادي”، قالت. “فقط الوثيقة البسيطة هذه التي تمكننا من السفر والعودة، أن نرى عائلتنا في عمان ولا نخاف دائما من أن لا نرى الوالدين مرة اخرى وهم على قيد الحياة”. هي ايضا تعرفت على زوجها في نهاية التسعينيات. وهو ايضا قدم طلب في حينه للم شمل العائلات لها. بعد الزواج دخلت مرتين الى الضفة بتصريح زيارة، كل مرة لثلاثة اشهر، بعد انتهائها عادت الى الاردن. “بعد ذلك اغلقوا كل شيء، الحدود وامكانية الزيارة وعملية لم شمل العائلات”، لخصت الاحداث التي رسمت مسار حياتها واضافت “بقيت عند عائلتي في عمان 13 سنة وكأنني غير متزوجة”. 

في العام 2012 سمعت عن وكالة سياحة في عمان تنظم رحلات للضفة، دفعت 14 ألف دولار لتأشيرة سياحة، التي سريانها فقط لاسبوع. هذا نوع من الاتفاقات التي العديد مثلها عرفوا عنها واستخدموها ودفعوا كل توفيراتهم من اجل الاجتماع مع الازواج في الضفة. ومنذ ذلك الحين وهي توجد هناك. ابنتها البكر تدرس في الجامعة والولد الصغير يدرس في الصف الثاني. “أنا لا استطيع مرافقتهم الى أي مكان. هم مسجونون معي. لأنه لا يوجد لي ولزوجي أي رغبة في السفر والتنزه بدونهما. زوجي يخاف من أن ابقى وحدي في البيت ويخاف من الخروج معي ومع الاولاد الى مغامرات (مثلا السفر الى اريحا). هو لا يريد أن يلقي الجنود القبض علي بدون هوية، والاولاد يشاهدون كيف يعتقلوني”.

رغم المخاوف هي تأتي تقريبا الى كل اعتصامات حركة “لم شمل العائلة من حقي”. والامر الذي جعلها تنضم لهذه الحركة، كما قالت، هو رؤية والدتها (85 سنة) في المستشفى وهي مربوطة بجهاز التنفس. كل القصص التي سمعتها عن نساء في وضع توفي فيه الآباء بدون توديعهم، غمرتها. “ساعتي سفر ولا استطع رؤيتها. اذا سافرت الى عندها لن يسمحوا لي بالعودة. أنا سأبقى مع اولادي في البيت، ولا تسمح لي رؤيتها”.

اسرائيل صادقت على طلب لم شمل العائلة الذي قدمه زوج بيان صافي في نهاية التسعينيات. هذه المصادقة تم الحصول عليها في 2008 في اطار بادرة حسن النية السياسية. ولكن بالتحديد لأن بيان صافي لم تخرق شروط تصريح الزيارة وعادت الى الاردن من زيارة قصيرة في الضفة الغربية في العام 2000، خرجت خاسرة: من بين المشمولين في بادرة حسن النية، فقط من يوجدون جسديا في الضفة الغربية بصفة “مقيمين غير قانونيين” حصلوا على الهوية المأمولة. بين هاتين البيروقراطيتين، الاسرائيلية والفلسطينية، لم يكن هناك من حاول من اجلها واعطاءها مكانة المواطنة التي صودق لها عليها رسميا.

في العام 2011 دخلت بتصريح زيارة، ومنذ ذلك الحين هي تعيش مع زوجها واولادها الثلاثة في مخيم دير عمار للاجئين غرب رام الله. اصل عائلتها من قرية بيت نبالا في منطقة اللد. على كل الصعوبات (العادية) التي تواجهها النساء في وضعها تغطي الصعوبة التي تجدها في الحصول لابنها المريض على العلاج المطلوب. “العلاج المطلوب يوجد في شرقي القدس وفي اسرائيل”، قالت. “بدون هوية لا يمكنني الذهاب معه الى مراكز العلاج. زوجي لا يمكنه ترك عمله (يعمل في اسرائيل) والتواجد مع ابننا طوال ايام واسابيع. حماتي ذهبت معه مرة لمدة اسبوعين الى شرقي القدس. ولكن العلاج يحتاج المواصلة والاستمرارية، الذي أنا فقط كأم استطيع تقديمه. ولكنهم لا يسمحوا لي”.

محمود حمدان (55 سنة) ولد في قرية المدية غرب رام الله. في جيل 16 مثل الجميع حصل على هوية مواطن في المناطق. في 1983 ذهب للبحث عن عمل في الاردن ولم يكن لديه أي فكرة بأن اسرائيل ستسحب منه مكانة المواطنة لأنه لم يعد الى الضفة خلال بضع سنوات. وقد تزوج في الاردن من ابتسام، قريبة العائلة التي غادر والديها المدية قبل العام 1967. عند اقامة السلطة الفلسطينية في 1996  جاء هو وزوجته وأولاده للزيارة على فرض أنهم سريعا جدا سيحصلون على مكانة المواطنة. وعندما انتهى سريان مفعول الزيارة لم يرجعوا الى الاردن.

في العام 1967 قدمت والدته من اجله طلب للم شمل العائلة. مرت السنين والأمل خاب. اندلعت الانتفاضة الثانية وزوجته ملت العيش مثل معتقلة تخاف من كل حاجز وعادت الى الاردن مع اولادها. هو بقي في المدية الى أن مرض ابنه الصغير في 2003. حمدان سارع الى السفر الى عمان لرؤيته وقضى معه نحو شهر الى أن توفي الابن. “على الحدود قال لي مراقب الحدود الاسرائيلي بأنني خرقت شرط تصريح الزيارة”، قال. “ماذا كان يمكنني أن اقول له؟ إنني من مواليد هذا المكان، وأنني كنت مواطن ولي هوية؟”. حمدان بقي في الاردن. وبعد ذلك في 2008 عرف أنه تمت المصادقة له على مكانة المواطن. ولأنه كان في الاردن لم يسمح له بدخول البلاد وتحقيق مواطنته. 

في العام 2019 والدته طلبت أن يزورها. وقد جاء بتصريح زيارة وبقي كمقيم غير قانوني في القرية التي ولد فيها. “ممنوع علي فتح حساب في البنك، ومن الصعب علي ارسال المال لعائلتي، هاتفي المحمول مسجل باسم أخي ولا يوجد لي تأمين صحي. واذا مرضت يجب أن اذهب الى طبيب خاص”، فسر التعقيدات العادية. هنا ابتسم بحزن: “يوجد لي احفاد وأنا جد على الواتس اب”. في السنوات الاخيرة عمل في مصنع في المنطقة الصناعية في بيتونيا، وهو ينام هناك من اجل توفير النفقات.

هو يعرف أنه لا يحصل على كامل حقوقه من مكان العمل لأنه لا توجد له هوية. ورغم أنه يتواجد 24 ساعة في المصنع ويقوم باصلاح الاعطاب في المصنع حتى بعد ساعات العمل، إلا أنهم يخصمون من أجرته عن كل ساعات الغياب بين الساعة الثامنة صباحا والرابعة بعد الظهر. مع ذلك، هو يأتي باخلاص الى هيئة الشؤون المدنية من اجل الاعتصام الاحتجاجي لحركة “لم شمل العائلة من حقي” التي عرف عنها من خلال الفيس بوك. 

******

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى