ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل – لحماس معايير اخرى لصورة النصر

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل – 23/5/2021

” في الوقت الذي تقوم فيه اسرائيل باحصاء المباني ومنصات الاطلاق التي تم تدميرها وجثث المخربين، في حماس يركزون على الانجازات الرمزية والمعنوية. الوضع في القدس ما زال يغلي، لكن اسرائيل تركز على القطاع وتجد صعوبة في رؤية السياق الاوسع “.

بعد وقف اطلاق النار جاءت التفسيرات. رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الاركان ورئيس الشباك عقدوا أول أمس مؤتمر صحفي واكتفوا بتصريحات ولم يسمحوا بطرح الاسئلة عليهم. بنيامين نتنياهو اعلن أنه “حتى الآن ليس كل شيء معروف للجمهور، ولا لحماس ايضا التي تلقت ضربات لم تحلم بها”. وأعلن ايضا عن معادلة جديدة، في الحقيقة سبق له وطرحها في السابق لكنه لم يطبقها. فقد قال “من الآن اسرائيل سترد بشدة على أي اطلاق ولن تتحمل وابل الصواريخ.

عدد قتلى حماس بسبب قصف سلاح الجو لشبكة الانفاق اكبر مما نشرته حماس حتى الآن لأن عدد من جثث المقاتلين لم يتم اخراجها من تحت الارض. ولكن من غير المؤكد حتى الآن كم سيغير هذا الامر الآن. اسرائيل تقوم باحصاء المباني التي تهدمت ومنصات الاطلاق والخلايا المضادة للدبابات التي تم تدميرها وجثث المخربين. حماس تركز على شيء آخر مختلف تماما، الذي جزء منه رمزي ويتعلق بالمعنويات وجزء منه يحدث في الساحة الفلسطينية نفسها. المعركة التي تديرها حماس لم تستكمل بعد. الاحتكاك العسكري مع اسرائيل تم استغلاله من اجل تحقيق انجازات ملموسة في المنافسة الداخلية بين حماس والسلطة الفلسطينية.

في بداية شهر آذار الماضي فاز يحيى السنوار بصعوبة في الانتخابات لقيادة حماس بعد أن تعرض لانتقاد شديد بسبب تنازله عن محاربة اسرائيل. الاصوات في صناديق الاقتراع تم فرزها عدة مرات الى أن تم الاعلان عن فوز ضئيل للسنوار بصعوبة. في نهاية شهر نيسان الغى رئيس السلطة، محمود عباس، الانتخابات بعد أن ادرك بشكل متأخر أن حماس ستفوز فيها. 

بين هذه التطورات ولد الخط الجديد للسنوار. خلال بضع سنوات وصفه قسم الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي بأنه يمر بعملية اعتدال واعتراف بالواقع وأنه يكرس معظم وقته لاعادة اعمار القطاع. هذا الخط تم التنازل عنه في الفترة الاخيرة. السنوار، حسب الاستخبارات العسكرية، دخل في مزاج شبه مسيحاني وأقنع نفسه بأنه صلاح الدين الجديد. هكذا ايضا ادار المعركة ضد اسرائيل (في قسم الاستخبارات العسكرية يقللون من اهمية محمد ضيف في عملية اتخاذ القرارات رغم التهديد النادر الذي اطلقه عشية اطلاق الصواريخ نحو القدس). 

التوتر في منطقة الحرم وفر للسنوار والضيف ذريعة لاطلاق الصواريخ، وبعد ذلك وفر الامكانية لحماس من اجل الامساك بزمام النضال الفلسطيني في القدس وفي الضفة الغربية وحتى داخل الخط الاخضر. وعندما تحولت الصلاة في ايام الجمعة في الحرم الى مظاهرات لدعم حماس اعتبر ذلك الانجاز الرئيسي بالنسبة لرئيس المنظمة. وبالمقارنة مع هذا الانجاز فان 200 أو 300 قتيل هو كما يبدو ثمن يمكن تحمله.

لقد فقد السنوار وضيف في هذه المعركة نشطاء مقربون منهم، وبالتالي فان حماس فقدت المعرفة والخبرة التكنولوجية لتطوير السلاح المتقدم. هنا وهناك دوى صوت القذائف الاسرائيلية قرب محمد ضيف، لكن كل ذلك هو جزء من الواقع الذي تربيا عليه في مخيم خانيونس للاجئين (كان لهما جار آخر هو محمد دحلان)، والذي يعرفانه منذ اكثر من ثلاثين سنة. ومن المشكوك فيه اذا كان أي شيء كهذا سيردعهما فيما بعد.

نتنياهو وبني غانتس والضباط الكبار في الجيش الاسرائيلي كرروا الادعاء بأنه عندما سيخرج رؤساء حماس من المخابيء سيصابون بالصدمة من حجم الدمار. هذا اعتبر مجرد أمنيات. فالقوة العسكرية التي استخدمتها اسرائيل سيتم الشعور بها الآن كعامل كابح، لكنها لن تحطم معنويات حماس التي تشن ضدنا نضال ايديولوجي تسبب بضحايا كثيرة خلال عقود. 

يبدو أن وسائل الاعلام في اسرائيل في معظمها استقبلت وقف اطلاق النار بارتياح. وقد سبق ذلك الخوف من عملية جرف صامد جديدة، عملية طويلة وغير حاسمة كانت مقرونة بخسائر عسكرية كبيرة (في اسرائيل يوجد منذ سنوات تدرج قيم مشكوك فيه، الذي فيه حياة الجندي أهم من حياة المواطن). ولكن ربما يكون هناك خطر أكبر تسعى اليه حماس وهو يكمن في تكتل الساحات في غزة والضفة والقدس وداخل الخط الاخضر في معركة مستمرة بصيغة الانتفاضة الثالثة. 

الامكانية الكامنة في ذلك برزت في الفترة الاخيرة وبروزها يزداد ازاء وضع السلطة الفلسطينية الحساس. في زمن المواجهة في غزة قام عباس بسحب قوات الامن لديه الى الخلف وقلص التنسيق الامني وسمح باجراء مظاهرات كبيرة الى جانب انطلاق مخربين لتنفيذ عمليات. وكبر سن وضعف رئيس السلطة (85 سنة) التي ظهرت في السابق ايضا، برزت في الجولة الحالية. اسرائيل ستكون بحاجة الى اعادة ترميم علاقتها مع السلطة الفلسطينية، وفي نفس الوقت العمل بشكل حازم ضد خلايا حماس في الضفة التي تعمل على تحقيق هدفين وهما السعي لتقويض السلطة الفلسطينية والمس باسرائيل. 

هذا هو الظل الكبير الذي يهدد والذي ينبع من المواجهة الاخيرة. رؤية نهاية “نفق الصراع” والتركيز على ما يحدث في غزة تغفل عن الجوهر الذي يكمن في السياق الاوسع.

قلق ارغمان

الشخص الاكثر قلقا في جهاز الامن في الوقت الحالي هو رئيس الشباك نداف ارغمان، الذي كان سينهي خدمته التي استمرت خمس سنوات في منتصف شهر ايار الحالي. ولكن نتنياهو قام بتمديد فترته لبضعة اشهر ازاء التوتر مع الفلسطينيين والتردد حول تعيين البديل.

في الخلافات الداخلية في جهاز الامن حول نوايا حماس، خرج ارغمان وهو منتصر. خلال سنوات شكك في ادعاء الاستخبارات العسكرية بأن السنوار اصبح اكثر براغماتية. وقد صد بشكل ثابت توصيات الجيش الاسرائيلي باعطاء تسهيلات واسعة لغزة، منها زيادة عدد العمال الذين يعملون في اسرائيل. بالنسبة له، الاحداث الاخيرة بررت فقط الخط المتشدد الذي تبناه.

ولكن ارغمان قلق جدا الآن لاسباب اخرى. فخلال المواجهة حول الشباك موارد كثيرة للمعلومات والتحقيقات  للجمهور العربي في اسرائيل واعضاء اليمين المتطرف اليهودي ازاء المواجهات في المدن المختلطة. في الفترة الاخيرة تم اعتقال عشرات المشبوهين، عرب ويهود، بالمشاركة في اعمال الفتك والعنف. خلال سنوات هذه الامور تموضعت في مكان منخفض في سلم الاولويات مقارنة مع الارهاب الفلسطيني. الآن يبدو أن الترتيب سيتغير بشكل قليل. مقاربة نتنياهو للنزاع الفلسطيني استندت الى ابقاء المواجهة مع حماس في غزة على نار هادئة مع ادارة الظهر للسلطة في الضفة. عمليا، لا يوجد وبحق وضع ساكن يمكن الحفاظ عليه. التوتر في المناطق ينزلق احيانا الى داخل الخط الاخضر ويؤثر ايضا على العلاقة بين العرب واليهود وعلى المواجهة بين اليمين واليسار. الأمن الشخصي للمواطنين في الطرفين تقوض بشكل كبير.

في هذه المرة تم تحطيم رقم قياسي مقارنة مع احداث تشرين الاول 2000. وقد ساهمت في هذا التوتر اسباب اخرى منها ازدياد السلاح الموجود لدى العرب ونشاطات منظمات الجريمة وضخ تعزيزات لحماية الأنوية التواراتية في المدن المختلطة، من المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.  في اللد برز وجود متطوعين مسلحين من مستوطنات ايتمار ويتسهار. فعندما تم التخطيط هناك لخروج آمن من مبان لليهود تحدثوا بمصطلحات من جنوب لبنان عن العبوات الناسفة واطلاق النار على مفترقات الطرق. 

لقد تم ضخ وحدات من حرس الحدود من الضفة الغربية الى المدن المختلطة وبذلك ساعدوا في هدوء نسبي في المنطقة. ولكن ارغمان قلق من اشتعال آخر. وهذا أحد الاسباب التي ضغطت من اجل انهاء العملية في غزة. وسيمر وقت طويل الى حين يتلاشى التوتر الحالي. الجريمة المنظمة في اوساط الجمهور العربي تحولت الى مشكلة امنية وطنية تحتاج الى عملية واسعة من قبل الحكومة.

المعضلة البرية

قبل يومين من وقف اطلاق النار الجيش الاسرائيلي استنفد. عدد الاهداف لسلاح الجو أخذ يتضاءل وهيئة الاركان اشارت الى المستوى السياسي بأنه من ناحيتها يمكن وقف العملية. نتنياهو قام بتأجيل اتخاذ القرار لاسباب موضوعية واعتبارات شخصية. عملية برية لم تكن، وبحق، موجودة على الاجندة. الخطط العملياتية شملت هذا العامل، لكن طالما أن التوجيهات كانت المس بشكل كبير بقدرات حماس وليس اسقاط حكمها، لم تكن هناك حاجة الى ذلك.

ضباط احتياط كبار زاروا مقرات القيادة خلال العملية تأثروا من العدد الكبير للاختراقات التي زادت من نجاعة نشاطات الجيش الاسرائيلي في الهجوم والدفاع. في غزة استخدمت دائرة فعالة للاستخبارات والتكنولوجيا والنار الدقيقة. هجمات كانت تستغرب اسابيع تم ضغطها في بضعة ايام. وطوال العملية الجيش لم يرفع قدمه عن دواسة الهجوم.

ولكن ما يكفي لغزة لن يكون كافيا كما يبدو لحرب في جنوب لبنان. قبل سنتين تقريبا صاغ عضو الكنيست عوفر شيلح وعومر بار ليف، اللذان كانا في حينه عضوين رئيسيين في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، قاما بصياغة تقرير تناول خطط الجيش الاسرائيلي لبناء القوة. وقد أشارا الى أنه في غزة يمكن ادارة معركة طويلة نسبيا حتى بدون عملية برية لأن قدرات انظمة الاعتراض الدفاعية تقلص مستوى المخاطرة. في لبنان كان قرار كهذا سيكون كارثيا لأن قوة النيران التي توجد بحوزة حزب الله لن تسمح لاسرائيل بدفاع شامل تقريبا. 

الجيش الاسرائيلي امتنع عن استخدام القوات البرية في عملية مهمة طوال 19 سنة، منذ عملية “السور الواقي” في الضفة الغربية (التي لم يكن فيها للفلسطينيين قدرة حقيقية على الدفاع). في كل مرة توجد لذلك اسباب جيدة وعلى رأسها الخوف من الاصابات. ولكن طوال الوقت، شيلح وبار ليف كانا على حق: من لا يستخدم القوات البرية في المعركة فهو بذلك يحكم عليها بالتعفن. 

المنطقة ما زالت تغلي

رغم وقف اطلاق النار إلا أن المنطقة ما زالت تغلي. القدس بشكل خاص حساسة ازاء استمرار الخلاف القانوني حول اخلاء عائلات فلسطينية من الشيخ جراح وصراعات السيطرة على الحرم. سيكون من السهل نسبيا اشعال هذا الحريق من جديد. في الحرم اسرائيل بحاجة الى خطوات تبني الثقة مع الاردن ومع السلطة الفلسطينية. ولكن نتنياهو يخشى من أن هذه الخطوة ستورطه مع احزاب اليمين، في الوقت الذي فيه علاقته مع الملك عبد الله، ملك الاردن، متعكرة. 

في غزة وفي الضفة تنتظره ثلاثة امتحانات. الامتحان الفوري يتعلق بالرد على الصاروخ الاول. اسرائيل فشلت في هذا الامتحان سنوات كثيرة. الامر بدأ بعد الانفصال. بعد شهر من ذلك عندما اطلقت حماس للمرة الاولى رشقات ثقيلة اسرائيل ضبطت نفسها. في هذه المرة رئيس الاركان، افيف كوخافي، أوصى نتنياهو وغانتس برد دراماتيكي على أي هجوم من غزة. وسنرى اذا كان سيتم تطبيق اقتراحه. 

الامتحان الثاني يتعلق بازدياد قوة حماس. في السنوات السبع منذ عملية الجرف الصامد زادت ترسانة الصواريخ لدى حماس وتم تطوير المدى ودرجة الضرر التي يمكن أن تتسبب بها (بفضل الرؤوس المتفجرة الاكبر). جزء من المسؤولية عن ذلك يوجد في اسرائيل. مواد ثنائية الاستخدام تم تهريبها في المعابر من اسرائيل الى القطاع وساعدت على تحسين الصواريخ. الجيش الاسرائيلي سيكون بحاجة الى العثور على طرق من اجل تشديد الرقابة والحكومة ستكون بحاجة الى التقرير هل ستقوم بخطوات هجومية لوقف زيادة القوة هذه، مثلما تفعل في سوريا ولبنان ضد حزب الله. 

الامتحان الثالث والاهم منها جميعا، يتعلق بالاستراتيجية في الساحة الفلسطينية. خلال سنوات امتنع نتنياهو عن اجراء أي نقاش استراتيجي في هذا الامر. عمليا، اتبع سياسة غير علنية سعت الى الى التهدئة مع حماس مقابل غض النظر عن ازدياد قوتها على حساب السلطة الفلسطينية. يزداد عدد الاشخاص في القيادة الامنية العليا الذين يعتقدون أن المعركة الاخيرة اثبتت أننا نحتاج الى التغيير، أو على الاقل الى نقاش جدي في السياسة. ومن المشكوك فيه أن يحدث ذلك طالما أن نتنياهو يستثمر معظم جهوده في المعركة على بقائه. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى