ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – سياسة استخدام الضغط على طهران فشلت ومستوى جسارتها ارتفعت فقط

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – 8/11/2019

هناك توجهان استراتيجيان متعاكسان يحدثان في الوقت الحالي في الشرق الاوسط. التقاطع بينهما هو القصة الرئيسية للمنطقة في الاسابيع الاخيرة، التي ربما تشرح لماذا لم تتحقق حتى الآن التحذيرات التي طرحتها الاجهزة الامنية بشأن محاولات ايرانية لمهاجمة اهداف اسرائيلية. التوجه الاول يتعلق بزيادة الثقة الذاتية لايران والخط الهجومي الذي تتبعه، ازاء الانسحاب الامريكي من المنطقة وعدم الرغبة الواضحة لادارة ترامب في التصادم معها. هذا الاسبوع سجل رقم قياسي جديد في هذه العملية عندما اعلنت طهران رسميا عن تنفيذ خرق مخطط له آخر للاتفاق النووي.

التوجه الثاني برز فوق السطح فقط في الشهر الماضي، عند اندلاع موجة المظاهرات في العراق وفي لبنان والموجهة ضد الحكومتين المدعومتين من قبل ايران. التحدي الذي يضعه المتظاهرون يخلق وجع رأس للنظام في طهران ورجلها القوي في المنطقة، قائد قوة القدس في حرس الثورة، الجنرال قاسم سليماني، الذي يقود ايضا بناء القوة العسكرية الايرانية في سوريا وفي العراق وفي دول اخرى. وعندما يكون منشغل بالتصميم اليومي للاحتجاج في بغداد وبيروت، ربما سيكون لديه القليل من وقت الفراغ لتنفيذ خطة الانتقام التي تم الحديث عنها ضد اسرائيل. بعد قراره الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران في ايار الماضي سوقت ادارة ترامي خطة الـ 12 نقطة التي اساسها استخدام الضغط بالحد الاعلى على طهران بهدف اقناعها بتغيير سياستها (هكذا اذا فشل الامر، أن تعمل بشكل غير مباشر على اسقاط النظام). بعد سنة ونصف من ذلك يبدو أنه لا مناص من التوصل الى استنتاج بأن خطة وزير الخارجية مايك بومبيو لم تحقق هدفها، ومثلها ايضا فشل اعتماد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على صديقه دونالد ترامب.

الولايات المتحدة ضبطت نفسها ازاء سلسلة الهجمات الايرانية التي كان اخطرها في منتصف شهر ايلول والتي تسببت باضرار كبيرة لمنشآت النفط السعودية. الامريكيون اضافة الى فرض عقوبات اخرى، تقريبا بشكل تلقائي، ايضا لم يخرجوا عن اطوارهم ازاء المرحلة الرابعة من خرق الاتفاق النووي التي بدأتها ايران اول أمس وهي تخصيب اليورانيوم بواسطة ضخ الغاز في اجهزة الطرد المركزي في المنشأة النووية تحت الارضية المحصنة في فوردو الى جانب تشغيل اجهزة طرد مركزية جديدة الاكثر تطورا وسرعة. بهذا، قال أمس بومبيو، فان ايران تقصر “مدى الانطلاق” المحتمل لانتاج السلاح النووي. الاستخبارات الامريكية تقدر بأنه ستكون لها امكانية لفعل ذلك خلال اقل من سنة.

في المقابل، الايرانيون يظهرون أن المتظاهرين في العراق وفي لبنان يخصصون لهم مكان متعاظم في اهداف احتجاجهم. في العراق تم احصاء 250 قتيل في المظاهرات وآلاف المصابين بنار القناصة الذين تستخدمهم قوات الامن والمليشيات الشيعية بتشجيع من ايران. صحيح أن الاحتجاج ينشغل بالفساد في السلطة والبطالة العالية، لكن يرافقه غضب واضح على المليشيات المحلية العاملة كعصابات مافيا ابتزازية. عدد من الاتهامات موجهة لايران، نداءات مناوئة لايران، وحرق اعلامها تحولت الى مشهد ظاهر في المظاهرات.

العقيد احتياط أودي افنطال، من معهد السياسات والاستراتيجية في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، كتب في هذا الاسبوع في موقع المعهد بأن “الاحتجاج الذي اندلع بقوة في العراق ولبنان عاد وذكر كل الانظمة في الشرق الاوسط بأن الهزة في المنطقة لم تستنفد مسارها التاريخي”، لأن المشاكل الاساسية الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية بقيت على حالها. افنطال قال إن الاحتجاج يدخل زعماء المنطقة الى وضع استعداد لتلقي الضربة. “على هذه الخلفية يتوقع أن تقوم هذه الانظمة بتركيز الاهتمام نحو الداخل على حساب القضايا الخارجية، وتعزيز السيطرة على الدولة وتشديد وسائل الرقابة والقمع”.

حسب قوله، اذا كان يبدو قبل شهر أن ايران تنجح في ركوب الموجة، وضمن امور اخرى، مطالبة المليشيات الشيعية باخراج ما تبقى من القوات الامريكية من العراق، الآن الامور تغيرت. “في هذه الظروف من الواضح أن المصالح الايرانية، سواء في العراق أو في لبنان، توجد في خطر. المطالبة بالغاء الطريقة الطائفية (توزيع القوة في الدولتين) تضع تهديد على نقاط السيطرة والنفوذ والموارد الايرانية، وبشكل ملموس على سلاح حزب الله والمليشيات الشيعية، وهذه قضية هي موضع خلاف أصلا.

فقط في الشهر الماضي حذرت الاستخبارات الاسرائيلية من انعطافة في سياسة ايران: قرار مصمم تم اتخاذه للرد على أي عملية هجومية لاسرائيل، من خلال تغيير “المعادلة” بين الدولتين. وقد رافق ذلك خوف من عملية محتملة ضد اسرائيل من غرب العراق (هجوم بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ كروز) أو حتى من اليمن. نتنياهو تحدث في مناسبتين عن بنية تحتية لصواريخ بعيدة المدى يقيمها الايرانيون في اليمن. بعد ذلك يبدو أن القصد في المدى القريب هو استخدام محتمل لوسائل اخرى مثل صواريخ تطلق على سفن في البحر الاحمر أو اطلاق صواريخ مضادة للطائرات. نشر صواريخ متعددة المسارات يبدو كجزء من خطة ايرانية مستقبلية.

في هذه الاثناء على الاقل، حسب غياب التقارير في وسائل الاعلام العربية، يبدو أن الهجمات الجوية المنسوبة لاسرائيل في سوريا والعراق توقفت في الاشهر الاخيرة. المعركة بين حربين لم تعد تجري في هذه الجبهة بالوتيرة التي اديرت بها في الماضي. في المقابل، اتهمت ايران اسرائيل بمهاجمة ناقلة نفط لها في البحر الاحمر في الشهر الماضي، وفي هذا الاسبوع اعلن الايرانيون بأن مسار الملاحة في البحر الاحمر، الذي يخدم جزء كبير من صناعة النفط، غير آمن للحركة بعد أن سبق وتعرضوا حسب قولهم الى ثلاث هجمات كهذه.

افنطال كتب أنه “في الظروف الحالية حيث ايران وحلفائها في العراق واقعين تحت هجوم فهي ستجد صعوبة في أن تخرج الى حيز التنفيذ من حدودها عمليات انتقام ضد اسرائيل. هذا الواقع يعيد الاضواء الى سوريا، هناك توجد لاسرائيل ادوات افضل لمواجهة التهديد، أو الى اليمن البعيدة”. وحسب تقديره “ربما يكون تركيز ايراني متزايد في المجال النووي على حساب استفزازات اقليمية”.

حب مشروط

كل ذلك جاء ليدل على أنه لا يوجد هنا اسود ابيض، اسرائيل لم تهزم ايران قبل سنة ونصف تقريبا عندما احبطت عدة محاولات هواة الى حد ما لسليماني لعمليات انتقام. ولا في ايلول الماضي عندما فقط بالصدفة تملصت سيارة اسعاف عسكرية من ضربة لثلاثة صواريخ مضادة للدبابات لحزب الله قرب مستوطنة افيفيم على حدود لبنان. هي ايضا لا تقف امام هزيمة أو حرب مؤكدة الآن.

حتى الآن، الاعتماد الخاطيء على ترامب في المسألة الايرانية يثير اسئلة ايضا فيما يتعلق بالابراج التي بناها اليمين الاسرائيلي حول الزعيم الجمهوري فقط قبل بضعة اشهر. ترامب قدم لنتنياهو حب غير مشروط (على الاقل حتى الفشل لمرتين لرئيس الحكومة في الحملات الانتخابية هذه السنة) حيث قام بنقل السفارة الامريكية الى القدس واعترف بسيادة اسرائيل في هضبة الجولان. في المقابل، التحالف مع الرئيس، الذي جاء بعد العداء المدوي مع سلفه، براك اوباما، كلف نتنياهو تخريب العلاقة مع الحزب الديمقراطي وتدمير دعم الحزبين لاسرائيل. اذا أملوا في اليمين بأن يجندوا الرئيس الامريكي لدعم ضم مناطق الضفة الغربية فيبدو أن هذه مبادرة تحتاج الى الانتظار سنة على الاقل، حتى بعد الانتخابات القادمة للرئاسة في الولايات المتحدة.

بالحساب الشامل فان البركة التي جلبها ترامب لنتنياهو يتبين أنها ضئيلة جدا. بالضبط اوباما الذي وصف من قبل اليمين كمن يكره اسرائيل، هو الذي وقع على اتفاق المساعدات الامنية لعقد آخر. معارضو نتنياهو قالوا في حينه إنه لولا الخلاف على الاتفاق النووي لكان يمكن الحصول منه على مساعدات أكبر من 3.8 مليار دولار في السنة التي تم الاتفاق عليها. ومرة اخرى اوباما هو الذي خصص لاسرائيل اكثر من مليار دولار لانظمة اعتراض الصواريخ والقذائف، الانظمة التي يمكن أن تحتاج اليها اكثر فاكثر في المستقبل ازاء الوجه الجديد الذي أخذ الشرق الاوسط يرتديه.

ضباب في الوعي

في الطابق الاول في متحف ارض اسرائيل، الذي جرى فيه هذا الاسبوع لقاء خاص حول تأثيرات الاخبار الكاذبة وحروب الوعي على الامن القومي، تم عرض معرض اعلانات حول نفس الموضوع. في احدها ظهرت صورة للرئيس ترامب وبجانبه كتب “قيمة زائدة”. ان دمج الرئيس الامريكي في المعرض تقريبا كان امر لا يمكن منعه، نحن نعيش الآن في ذروة عهد اعصار ترامب، والرئيس يقف في مركز الظاهرة، حيث أنه في نفس الوقت ينشر اخبار كاذبة وكذلك يتهم وسائل الاعلام التي تكشف اخفاقاته بنشر هذه الاخبار الكاذبة.

اللقاء الذي هو مبادرة مشتركة لمعهد بحوث الامن القومي ومعهد راند الامريكي وكينغز كوليج البريطانية، دعا خبراء من الدول الثلاثة في محاولة لوصف مجال بحث جديد نسبيا. ورغم استعراض مكثف لاحداث في وسائل الاعلام (التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية وفي استطلاع الرأي العام في بريطانيا بشأن الخروج من الاتحاد والصراعات الدعائية بين اسرائيل وحزب الله وما اشبه)، ظواهر مركزية جديدة شخصت فقط قبل بضع سنوات. ايضا الآن خطوط الفصل بين الامور الاستخبارية والسياسية والاقتصادية غير واضحة في حروب الوعي.

متعذر الاصلاح

قضية اعتقال الجنود من كتيبة الناحل بعد ضربهم بشدة لعامل محطة وقود بدوي في مركز للشرطة في النقب، تحظى في هذه الاثناء باهتمام عام محدود. وسائل الاعلام تكتب بين حين وآخر عن تمديد اعتقال المشبوهين بالقضية وعن مظاهرات تأييد يجريها آباء الجنود. ولكن يبدو أنه يوجد بها اهتمام اكبر، بالاساس لأنها تعكس استمرار مباشر للردود التي اثارتها فضية اليئور ازاريا، الجندي الذي قتل في 2016 مخرب كان يحتضر في الخليل.

الحادثة التي كان متورط فيها جنود لم يكن لها خلفية امنية. هذه تبدو كمشاجرة ذات بعد عنصري، التي لولا كان مشاركا فيها من يلبسون الزي العسكري ومسلحون بسلاح ناري لكانت ستنتهي بفيلم آخر من الافلام الافتراضية التي فيها يلقي كل طرف على الآخر الكراسي البلاستيكية البيضاء كالعادة. ولكن الآن هي تاخذ ابعاد قضية ازاريا 2. خليط قابل للانفجار لابناء عائلة، كهانيين ويمينيين تجندوا لمساعدة الجنود، وهي تستخدم كل ترسانة الادعاءات التي استخدمت لتبرير فعل الجندي من لواء كفير. لقد اعتقل ازاريا امام العدسات وهو يقرر اعدام فلسطيني قام بالطعن كان ملقى على الارض بدون أن يشكل أي خطر ملموس على احد. كل ادعاءات الدفاع التي طرحها محاموه، بأن هناك خطر لم يشخصه سوى المتهم، وأن سلسلة القيادة تآمرت لتحويل الجندي الى كبش فداء تم رفضها في هيئتي المحاكمة. هذا لم يمنع الاسطورة من مواصلة تطورها، ازاريا وصف كابن جماعي لنا جميعا، شهيد نكل به الجهاز من اجل تبييض اخطائه. وحسب الاستطلاعات التي اجريت فان معظم الجمهور اليهودي في البلاد قرر فعلته. الطريق القصيرة والمنطقية من هنا تقود الى القضية الحالية، هي تشمل ايضا مظاهرة جرت في الاسبوع الماضي امام منزل النائب العام، الجنرال شارون ايفيك، في تل ابيب. ادعاء الوالدين هو أنه باصراره على التحقيق في القضية، واستنفاد تطبيق القانون، ايفيك يتخلى عن الجنود. حقيقة أن الجنود لم يكونوا في مهمة عملياتية، لقد كانوا في طريق العودة من عزاء الى الوحدة، والحادثة وقعت في حدود الخط الاخضر، هذه الحقيقة لا تغير أي شيء. الجنود تحولوا الى قديسين ومحصنين منذ اللحظة التي ارتدوا فيها الزي العسكري. ليس صدفة أنه في تنظيم المظاهرات شارك عدد من الاشخاص الذين عملوا خلف مظاهرات الدعم الاسبوعية لنتنياهو في بيتح تكفا وقرب بيت النائب العام السابق، المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت.

تذكير آخر لهذه الاتجاهات العميقة كان يمكن رؤيته في الردود في الشبكات الاجتماعية على فيلم قصير نشر هذا الاسبوع في اعقاب حادثة في الخليل. جنديان ظهرا هناك وهما يدفعان ويصرخان على أب فلسطيني دافع عن إبنه الطفل الذي يبلغ 7 – 8 سنوات بعد ادعاء الجنود بأنه رشق الحجارة. عند مشاهدة الفيلم القلب يتفطر مرتين. مرة على الأب الذي يواصل الدفاع بتصميم عن إبنه حتى عندما يصوب الجنود بنادقهم من مسافة قريبة نحوه. ومرة على الجنود الموجودين في مهمة شرطية غير محتملة.

هذه صورة معروفة لكل من كان في المناطق لسنوات طويلة في الخدمة العسكرية، في عمل استطلاع صحفي أو كليهما. ولكن عندما رفع المراسلون الفيلم في تويتر، اصطدموا بموجة ردود بغيضة. مرة اخرى الجمهور يقول قوله: الجنود طاهرون، وأي انتقاد لهم ممنوع بالاساس. هذا ليس موقف النائب العام وايضا ليس موقف رئيس الاركان والقيادة العليا، لكن الرأي العام تثبت هناك بما يبدو أنه عملية يتعذر اصلاحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى